توسيع عضوية جامعة الدول العربية
تناقلت بعض وسائل الإعلام خبرا مفاده أن عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية صرح بأن هناك دولتين من دول الجوار العربي الإفريقي لديهما كل الشروط لأن تصبحا عضوين في جامعة الدول العربية، وهما تشاد وإرتيريا. مشيرا إلى أن اللغة العربية في تشاد هي اللغة الرسمية وأن تشاد تجاور الدول العربية جغرافيا؛ ولهذا سيقوم بزيارتها قريبا لتفعيل ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في أواخر آذار (مارس) 2010 في مدينة سرت في ليبيا؛ لاتخاذ الإجراءات الخاصة بضم تشاد إلى الجامعة العربية، على أن يكون ضم إرتيريا للجامعة في وقت لاحق لانضمام تشاد.
طبقا لأحكام ميثاق جامعة الدول العربية تنقسم العضوية في الجامعة إلى نوعين، عضوية مؤسسية، وهي تثبت للدول العربية السبعة التي وقعت على الميثاق عند إنشاء الجامعة وهي: السعودية، سورية، مصر، الأردن، العراق، لبنان، اليمن. وعضوية مكتسبة بالانضمام، وهذه تثبت للدول التي انضمت إلى الجامعة بعد إنشائها. والدول المكتسبة حاليا عضوية الجامعة بالانضمام هي ليبيا، السودان، المغرب، تونس، الكويت، الجزائر، عُمان، البحرين، قطر، الإمارات، موريتانيا، الصومال، فلسطين، جيبوتي، جزر القمر. ويمكن القول إن أحكام ميثاق جامعة الدول العربية اشترطت شروطا شكلية وموضوعية للانضمام إلى عضوية الجامعة.
أما الشروط الشكلية فتتحدد على النحو التالي:
1- أن تقدم الدولة الراغبة في الانضمام إلى عضوية الجامعة طلبا إلى الأمانة العامة للجامعة متضمنا هذه الرغبة، وجرى العرف أن يتضمن الطلب التعهد باحترام أحكام الميثاق والوفاء بالالتزامات المنصوص عليها فيه. ثم يقوم الأمين العام بعرض هذا الطلب على مجلس الجامعة في أول اجتماع يعقد بعد تقديم الطلب.
2- أن يحظى هذا الطلب بموافقة مجلس الجامعة. ولم يحدد الميثاق كيفية صدور قرار الموافقة، هل يكون بالإجماع أم بالأغلبية؟.. إلا أن السوابق المتعلقة بانضمام بعض الدول العربية إلى عضوية الجامعة تشير إلى أنه يكفي لصدور هذا القرار موافقة أغلبية الدول الأعضاء عليه.
أما الشروط الموضوعية الواجب توافرها في الدولة الراغبة في الانضمام إلى عضوية الجامعة، فهي أن تكون هذه الدولة مستقلة وعربية.
ونظرا للظروف السياسية والدولية التي تحيط بقضية فلسطين وطبيعة الصراع العربي ــ الصهيوني، فقد استثنت الجامعة العربية فلسطين من شرط الاستقلال ومنحت في عام 1976 منظمة التحرير الفلسطينية العضوية الكاملة كممثل للشعب العربي الفلسطيني.
أما بخصوص الشرط الموضوعي الثاني، وهو أن تكون الدولة الراغبة في الانضمام إلى عضوية الجامعة عربية فلقد سبق لكاتب هذه السطور أن تناول بالبحث مسألة ''العروبة'' كشرط للانضمام إلى جامعة الدول العربية، وذلك في مقال منشور في جريدة ''الشرق الأوسط'' بتاريخ 26/8/1418هـ الموافق 26/12/1997 بعنوان (مكانة اللغة العربية في القانون الدولي). ولعل من المفيد أن أعيد هنا ما سبق أن قلته في سياق ذلك المقال بخصوص هذا الموضوع، حيث جاء فيه ما يلي:
(لقد قصر ميثاق جامعة الدول العربية العضوية في هذه الجامعة على الدول العربية، فلا يجوز لدولة غير عربية - حتى ولو كانت إسلامية مثل تركيا وإيران - أن تكون عضوا في هذه الجامعة. ولكن الميثاق لم يضع تعريفا ''للعروبة''؛ مما أثار جدلا قانونيا حول مدلول وصف الدولة بالعربية، فذهب بعض فقهاء القانون الدولي العربي إلى القول بأن المعيار السليم للعروبة هو حقيقة شعور شعب الدولة طالبة الانضمام. فإذا كان الثابت في ضمير هذا الشعب أنه من أجزاء الأمة العربية، فالدولة عربية، فإذا لم يتوافر هذا الإحساس، فليست بالعربية، ولا يكفي في هذا المجال أن يتكلم شعب الدولة اللغة العربية إذا كان لا يشعر بالانتماء إلى العروبة كمفهوم قومي. ولم يؤيد البعض الآخر هذا الرأي؛ لأن معيار الاستناد إلى مجرد الإحساس معيار فضفاض وغير منضبط؛ ولهذا فإنه يرى بأن صفة العروبة يعد أمرا سياسيا بحتا يرجع في تقريره في كل حالة على حدة إلى الجهاز المختص بقبول الأعضاء أي مجلس الجامعة، وأنه لا بأس أن يستهدى المجلس في هذا الصدد ببعض الموجهات، كأن يتحدث شعب الدولة طالبة العضوية اللغة العربية، أو أن تكون الدولة واقعة في الإطار الإقليمي للوطن العربي الذي ينحصر في القارتين الإفريقية والآسيوية. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى موقف الجامعة العربية من عضوية الصومال في الجامعة؛ إذ تأخر قبول الدولة المذكورة بمقولة إنها لا تنتمي إلى الأمة العربية، ثم قبلت بعد ذلك بمقولة إنها جزء من الأمة العربية، وأنه تبعا لذلك لا يمكن تفسير هذين الموقفين المتناقضين من جانب الجامعة إلا على أنه تفسير في الظروف السياسية التي تم فيها اتخاذ الموقف الأول والموقف الثاني؛ إذ إن معيار ''المشاعر القومية'' لا يسعف في تفسير هذين الموقفين. ويرى الدكتور محمد طلعت الغنيمي، أن العربية صفة قرينة للسان الذي انتشر في البقاع والأقطار مع امتداد الفتح العربي. ولذا يمكن القول إن الدولة العربية هي الدولة التي تتكلم اللغة العربية. بيد أن الأحداث قضت بأن تختلف البقاع الذي امتد إليها الفتح العربي في لهجات فأصبحت لكل منطقة لهجة، ولم تعد عربية القرآن هي لغة السكان؛ ولهذا فالدولة العربية لم تعد هي التي يتكلم سكانها اللغة العربية، وإنما هي الدولة التي تعتبر اللغة العربية لغتها الرسمية، وترتيبا على ذلك يضع الدكتور الغنيمي علامة استفهام أمام بعض الدول التي انضمت إلى عضوية الجامعة، ويضيف بأن نوايا هذه الدول تجاه اللغة العربية وسعيها نحو جعلها اللغة الرسمية للدولة قد تزيل ذلك التساؤل. وذلك فتح للغة العربية وامتداد بها إلى مناطق من إفريقيا، حيث يتكلم أكثر من خُمس سكان تلك القارة اللغة العربية. ويختتم الدكتور الغنيمي رأيه بأن وصف ''العربية'' في ميثاق الجامعة قد أصبح - في ضوء التفسير الذي فهم به في عمل الجامعة - تعبيرا فنيا يرتبط باعتبارات الواقع والسياسة أكثر من التاريخ والاجتماع.
ونحن وإن كنا نتفق مع الدكتور الغنيمي في أن اتخاذ الدولة اللغة العربية لغة رسمية لها ينبغي أن يعتبر شرطا لوصفها بالعربية لأغراض الانضمام إلى جامعة الدول العربية، إلا أننا نرى أن هذا المعيار غير كاف لتحديد المفهوم القانوني لمصطلح ''العروبة''؛ لأن ميثاق الجامعة العربية لم يقصر أغراض الجامعة واختصاصاتها على التنسيق وتوثيق الصلات بين الدول الأعضاء فحسب، وإنما منح الجامعة أيضا اختصاص النظر في شؤون البلاد العربية ومصالحها بمعنى الاهتمام بشؤون ومصالح أي بلد عربي حتى ولو لم يكن عضوا في الجامعة بسبب خضوعه للاحتلال الأجنبي. ولهذا ولما كان مصطلح ''العروبة'' يقوم على مفهوم حضاري ثقافي وليس على مفهوم ''عرقي'' استنادا إلى الحديث الشريف ''أيها الناس ليست العربية بأحدكم من أب ولا أم، وإنما هي اللسان، فمن تكلم العربية فهو عربي''، فإن العروبة تثبت في تقديرنا لأي إقليم يتكلم غالبية سكانه اللغة العربية، حتى ولو كان ذلك بلهجة مميزة.
ومن هذا المنطلق كانت قضية فلسطين ولا تزال قضية عربية، وكانت قضايا تحرير بلاد المغرب العربي من الاستعمار الفرنسي قضايا عربية، والقول نفسه ينطبق على باقي الدول العربية التي كانت ترزح تحت نير الاستعمار وقت تأسيس الجامعة ثم تحررت واستقلت بعد ذلك وانضمت إلى الجامعة.
ومن هذا المنطلق أيضا كانت قضية استقلال إرتيريا عن إثيوبيا شأنا عربيا؛ لأن اللغة العربية تنتشر فيها، خاصة في المدن والمناطق الإسلامية، بل إن البرلمان الإرتيري قرر قبل خضوعها للسيطرة الإثيوبية اعتبار اللغة العربية لغة رسمية لإرتيريا إلى جانب اللغة التجرينية، وفي ضوء ذلك يمكن إدراك مدى الصدمة التي أصابت الكثيرين بسبب رفض حكومة إرتيريا بعد الاستقلال اعتماد اللغة العربية لغة رسمية للبلاد وعدم إبداء رغبتها في الانضمام إلى الجامعة العربية. وبناءً على هذا المفهوم للعروبة ندرك لماذا قبلت الجامعة العربية طلب جمهورية جزر القمر بالانضمام إلى عضوية الجامعة العربية؛ فاللغة العربية منتشرة في هذه الجمهورية، وهي تشكل عامل توحيد ثقافي لسكانها.
وترتيبا على ما سبق، فإن المفهوم القانوني للإقليم العربي لا يتحدد كما قال الدكتور الغنيمي ''على معطيات جغرافية وإنما يستند إلى فكرة العروبة، فهو يضم شعبا معينا وحضارة بذاتها، وهو وإن لم يكن من الصعب تحديد حدوده الجغرافية، إلا أن هذه الحدود الجغرافية ليست ثابتة، بل متحركة؛ لأنها ترتبط بالعروبة فهي تتغير مع امتداد أو انحسار الاتساع الحضاري العربي، وهو بذلك لا يستقيم مع المفهوم القانوني الغربي للإقليم الذي يربط الإقليم بدولة معينة ويجعل منه امتدادا جغرافيا لاختصاصات تلك الدولة على نحو ثابت محدد. ومن الأمثلة التي توضح اختلاف المفهوم الغربي والمفهوم العربي للإقليم المشكلة التي ثارت بين فرنسا وبين المغرب. فقد ذهب الفرنسيون إلى أن الصحارى إقليم فرنسي، مستندين في ذلك إلى وضع اليد وممارسة السيادة ردحا من الزمن والتحديد الجغرافي للحدود، بينما اعتبرته المغرب إقليما عربيا؛ لأنه يحتوي سكانا يتكلمون العربية ويقيم حضارة عربية''.
ويلفت الدكتور الغنيمي النظر إلى أن المفهوم العربي للإقليم على النحو سالف الذكر ليس دائما محل تشبث فيما جرى عليه العمل العربي؛ ذلك أن الظروف الدولية وما تواجهه من صعوبات قد يدعوها إلى التخفيف من التمسك بهذا المفهوم. ولكن هذا التساهل العرضي الذي تفرضه ظروف قاهرة لا يعني تخلي العرب عن مفهوم الإقليم العربي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه نظرا لأن العروبة قد انتشرت بانتشار الإسلام، ولأن انتشار الإسلام كان أبعد مدى من انتشار العروبة؛ فإنه يمكن القول إن كل إقليم عربي هو إقليم إسلامي، وليس كل إقليم إسلامي هو إقليم عربي. وبعبارة أخرى إن البلاد العربية هي مجرد جزء فقط من دار الإسلام).
أما وقد انتهيت من سرد ما تضمنه مقالنا السابق حول مفهوم (العروبة) كشرط يجب أن يتوافر في الدولة الراغبة في الانضمام إلى جامعة الدول العربية، فإنني أود الإشارة إلى أن خريطة أقاليم جامعة الدول العربية وإن كانت قابلة للتمدد إذا انضمت تشاد وإرتيريا إلى الجامعة، إلا أنها من ناحية أخرى معرضة إلى الانكماش إذا أسفر استفتاء تقرير المصير الخاص في جنوب السودان عن موافقة أغلبية سكان الجنوب على الانفصال ونشوء دولة إفريقية جديدة، وكذلك إذا استطاع أكراد العراق تحقيق طموحهم في إعلان استقلالهم عن الدولة الأم وإنشاء دولتهم المستقلة في شمال العراق. وويل للعرب إذا انتشر سرطان التفسخ والانفصال.