تجارة التجزئة.. ضحية تضارب المعلومات والتستر والتأشيرات
إذا أردت أن تعرف ما في قطاع التجزئة فعليك معرفة ما يدور في وزارات العمل والشؤون البلدية والقروية والتجارة .. هذه مقولة ربما تكون مناسبة لوصف حالة القطاع، من حيث توزع مسؤوليات وصلاحيات هذه الوزارات فيما يخص قطاعا واحدا. التأشيرة تصدر من العمل والترخيص من البلديات والممارسة تقع في مسؤولية من وزارة التجارة، وبين هذه الجهات تبدو الحلقة مفقودة بدليل تفكك القطاع وعدم القدرة على ترويضه وتجهيزه ليكون بيئة عمل ومصدر دخل لكثير من أبناء الوطن.وغني عن القول أن أي معالجة لمثل هذه القضايا الحساسة تحتاج إلى كثير من المعلومات والأرقام ولو بحثنا - هذا إذا توافرت - يمكن لقارئ بسيط أن يكشف التباين بين هذه الأرقام، أو ربما التناقض، وبالتالي لا يمكن انتظار أي نتيجة إيجابية إن كانت المعلومات غير دقيقة.
اليوم في حلقتنا الرابعة من ملف ''قطاع التجزئة'' نستعرض جانبا من رؤية الجهاز الحكومي ممثلا في وزارة الشؤون البلدية والقروية والعمل من خلال مسؤولين فيهما على تماس مع القضية في محافظة جدة تحديدا، وذلك بعدما استعرضنا في الأجزاء الثلاثة الماضية آراء عاملين في القطاع واقتصاديين، ورجال أعمال.. وسيتواصل النقاش خلال الفترة المقبلة. إلى التفاصيل:
#2#
في البداية، توجهنا إلى وزارة العمل؛ نظرا إلى ارتباطها بفرص العمل سواء المتاحة أو الغائبة عن الأنظار، وهي المعنية بقضية البطالة بشكل عام، ووجهنا أسئلتنا إلى قصي فلالي، مدير مكتب العمل في جدة، وتحديدا حول عمل السعوديين في المؤسسات الصغيرة، فقال: ''إن هذا الأمر شائك؛ كون البقالات الصغيرة التي تراوح مساحتها بين 40 و100 متر غير مرغوبة لدى معظم المواطنين بسبب ضآلة الأجور وطول ساعات العمل''، ويضيف: ''مع الأسف، فإن بعض العمالة الوافدة تعمل بمعدل 15 إلى 16 ساعة يوميا، وهو الأمر الذي لا يمكن للشباب السعودي تحقيقه نتيجة لارتباطاتهم الاجتماعية، كما أن المردود من العمل في البقالات ضعيف جدا''.
هل تعمل البقالات تحت مظلة ''التستر التجاري''؟!
أوضح فلالي، أن المواطنين غالبا ما يفتحون البقالات بأسمائهم - وهذا أمر يجب عدم إغفاله - كما يقول، وهو يشير هنا إلى قضية التستر التجاري، الذي يكون عن طريق حصول المواطن على التراخيص، ومن ثم تأجير المحل للأجانب، وهنا قال: ''قضية التستر لا يمكن إثباتها بسهولة، كما أنها ليست من اختصاص مكتب العمل''، وتابع: ''بعض المواطنين لا يرغبون في العمل في البقالات، لكنهم يفتحون بقالات بأسمائهم، لا يمكننا تسمية ذلك تسترا تجاريا طالما أنه يشرف ويقف على البقالة ويحاسب العامل فيها، ويعطيه الرواتب حسب المسيرات، في هذه الحالة لا يعتبر تسترا؛ لأنه يشرف مباشرة على العمل، من أصعب المسائل إثبات التستر، ومكتب العمل لا يختص بالتستر، وذلك من اختصاص لجنة في وزارة التجارة''.
ويواصل: ''بالنسبة لنا في مكتب العمل تحديد نسبة التستر التجاري تعتبر شاقة جدا، من الصعب إثبات هذا الأمر؛ ولذلك تجد الشباب السعودي يرغب في العمل في السوبرماركت الكبيرة؛ لأنه يجد رواتب جيدة وساعات عمل محددة، وعقودا ومميزات مرضية مثل أعمال الكاشير أو الإشراف والإدارة''.
وعن مدى استفادة السعوديين من فتح البقالات بأسمائهم طالما أنها تحت إدارة العمالة الوافدة وإشرافهم وهم المستفيدون من الأرباح، يوضح مدير مكتب العمل في جدة بقوله: ''نسينا أن أصحاب هذه البقالات مواطنون سعوديون، لا نحاول خلط الأمور، نحن نفترض حسن النية وأن أصحاب هذه البقالات مواطنون سعوديون في المقام الأول، ومن الممكن أن يعمل فيها أو لا يعمل فيها بحيث يكون لديه أكثر من بقالة، هذه البقالات نقلت المواطن السعودي من عامل إلى صاحب عمل في هذه الحالة''.
#3#
تحديد عدد البقالات في الحي أو الشارع
استدرك فلالي بقوله: ''إثبات الواقع صعب جدا؛ لأنك أمام إدارات قانونية حتى تثبت واقعة التستر وما تصاحبها من عقوبات، يمكننا القضاء أو التخفيف من التستر - في رأيي الشخصي - عبر تحديد أعداد معينة من البقالات لكل حي أو لكل شارع على الأقل، وهذا من اختصاص البلديات، الأمر الثاني من الممكن تحديد عدد معين من العمال في كل بقالة، وفعلا لدينا قيود في موضوع البقالات، فلا نعطي تأشيرات أو نقل كفالات إلا إذا كانت البقالة مساحتها تتجاوز 40 مترا، وهو من أنواع الترشيد وليس من المنع''.
سهولة التأشيرات
الكثيرون يلقون باللوم في تزايد أعداد العمالة الوافدة في البلاد إلى سهولة الحصول على التأشيرات من وزارة العمل، وينتقدون هذا الإجراء المتساهل من مكاتب العمل - على حد قولهم، وهنا يرد قصي فلالي بلغة الواثق من سلامة الإجراءات التي يتخذها مكتب العمل لإعطاء تأشيرات جديدة بقوله: ''وفقا للتوجيهات نحن في مكتب العمل لا نستطيع منع أي إنسان في حال أكمل كل أوراقه واستوفاها وأثبت ذلك على الطبيعة، عندما نقوم بزيارة ميدانية وقت إصدار التأشيرات ونجد المحل قائما لا نستطيع منعه من الحصول على التأشيرات، لأن ولي الأمر سمح بذلك، لا يمكننا الاجتهاد في مدينة جدة أو منطقة مكة المكرمة وننفرد عن باقي مناطق المملكة''.
تحديد سقف أعلى للتأشيرات
ويضيف: ''لكن يمكن تقنين وترشيد الأمر بالتعاون بين وزارة التجارة، العمل، والبلديات في تحديد معادلة معينة، بحيث نستطيع تحجيم هذه المشكلة قدر الإمكان، أو من خلال تحديد سقف أعلى للتأشيرات التي تعطى للبقالات حسب المساحة، وهو ما نقوم به في مكتب العمل، فأي بقالة تقل مساحتها عن 40 مترا لا يعطى لها تأشيرة نهائيا، ونعطي ثلاث تأشيرات كحد أقصى للبقالات التي تتعدى مساحتها 40 مترا''.
وفيما يتعلق بالمهن التي يسمح لها بالعمل في البقالات، قال فلالي: ''المهن في البقالات في معظمها عامل، عامل عادي، أو عامل تحميل وتنزيل، كما هو معلوم مهنة بائع محظورة في الوقت الراهن''.
#4#
أبو نجم: دور الأمانة رقابي
في غضون ذلك، يشير الدكتور بشير أبو نجم، مدير عام التراخيص والرقابة التجارية في أمانة جدة، إلى أن دور الأمانة في مسألة البقالات يتمحور في التأكد من المواد الغذائية وتواريخ صلاحيتها وعملية تخزينها في المستودعات، والفصل بين المواد الغذائية والمواد الطبية، الزي الموحد للعمالة، التبريد ودرجات الحرارة في الثلاجات.
موزعون مجهولون
وأضاف: ''المشكلة التي نعانيها وتكثر فيها المخالفات، أن البقالات الصغيرة في الأحياء الشعبية تموّن نفسها عن طريق مندوبي مبيعات يوزعون أشياء قد تكون مغشوشة ومقلدة، خاصة الحلويات وبعض مستحضرات التجميل، والكريمات والشامبوهات، هذه البقالات لا تتجه للمركز أو المورد الرئيس ويقومون بالشراء من هؤلاء المندوبين؛ وذلك لأنه ليس لديهم إمكانية للشراء بالآجل، فيما الموزعون يوفرون البضاعة وفقاً للتصريف، ليس جميع الموزعين ينتمون إلى وكلاء أو مستودعات رسمية، هناك موزعون يشترون البضاعة من التاجر ومن ثم يقوم بتوزيعها، وهذا هو أساس المشكلة التي نواجهها، نجد أشياء مقلدة ومغشوشة، وعندما نحاسب صاحب البقالة يظهر لنا فاتورة شراء من أشخاص تتضح لاحقا أنها وهمية ولا تتبع لأي مؤسسة أو مورد معروف''.
مصادر المواد الضارة ومحاسبة صاحب البقالة
ويوضح أبو نجم، أن الإجراء المتبع في مثل هذه الحالة هو مصادرة المواد المضبوطة ويتحمل صاحب البقالة كل التبعات والمسؤولية الكاملة عنها، لافتا إلى أن الواجب عليه شراء البضاعة من موزع لديه سجل تجاري تكون لديه فواتير معتمدة وصحيحة.
وعن الموزعين والجهة المسؤولة عنهم، أكد الدكتور بشير أن الأمانة ووزارة التجارة تتشاركان في متابعتهم، ويضيف: ''إذا وجد أحد المراقبين موزعا في بقالة يوجه له أسئلة عدة، من أهمها سؤاله عن (الكرت) الصحي وما يثبت أنه يعمل لدى وكيل أو مستودع رسمي، وصورة من الرخصة، كما نتابع السيارات، خصوصا للمنتجات الغذائية، فلا بد أن تكون مغلقة والمنتجات المبردة لا بد أن تكون درجات الحرارة وفقاً للاشتراطات والتبريد جيدا في السيارات''.
يرى مدير عام المراقبة في الأمانة، أن مسألة تقنين عدد البقالات في الشوارع والأحياء ليسهل مراقبتها وإحلال السعوديين فيها بدلا من العمالة الوافدة أمر لا يمكن تحقيقه بسهوله لأسباب عدة، يورد منها أن البقالات مطلوبة بكثرة في الشارع أو الحي من قبل الناس، وهذا التنظيم ربما ينطبق على الصيدليات أو محطات الوقود، أما البقالات فهي ضمن الفئات المسموح إنشاؤها على شوارع غير تجارية؛ لأنها تخدم الأحياء الداخلية.
فرض سعوديين في البقالات الصغيرة فشل
وأضاف: ''أعتقد أنها كانت هناك تجربة سابقة لمكتب العمل بفرض سعوديين للعمل في البقالات الصغيرة، وكان هذا عقبة كبيرة جدا على المستثمرين في هذا المجال، صاحب البقالة الصغيرة لا يمكنه جلب شاب سعودي بمرتب جيد، بينما دخل البقالة في الأصل بسيط، كما أن فرض أن يكون المحاسب على الصندوق سعوديا، في رأيي الشخصي - هذا الأمر مقبول في السوبرماركت الكبير، أما البقالات الصغيرة داخل الأحياء ربما صاحب البقالة لا يستطيع دفع راتب لسعودي أو أنه سيضطر إلى دفع مبلغ زهيد جدا لا يكفيه لسد احتياجاته الضرورية''.