تجارة التجزئة.. قصص نجاح في محيط يكرس للفشل!
البحث عن أمثلة ناجحة في قطاع تجزئة البقالات تحديدا كمن يبحث عن إبرة في كومة قش، قياسا بوضع سوق التجزئة التي تسيطر عليها العمالة، بيد أن التحدث مع بعض الأمثلة فيه يبعث على الأمل مرة أخرى على الرغم من المرارة والغصة التي يتحدث بها من يعانون داخل هذا القطاع العملاق. مثالان نستعرضهما اليوم في حلقة ملف قطاع التجزئة السادسة، حيث قاوما تكتل العمالة، أولهما يعمل في بقالة براتب شهري والآخر يملك بقالة.
على الطرف الآخر، فإن الإمكانات المادية والدعم اللوجستي لا يعني إمكانية النجاح للسعوديين في هذا القطاع، وهنا نستعرض تجربة شباب سعوديين خاطروا بإنشاء سلسلة بقالات على طراز حديث، لكنهم رغم ذلك عانوا الأمرين، وهو ما يعني أنه لا بديل عن إصلاح سوق العمل وقطاع التجزئة على وجه التحديد لتكون المنافسة عادلة فيه بين السعوديين والأجانب. نذكر أن حلقاتنا السابقة ركزت على كشف أسرار هذا القطاع من خلال عاملين فيه، اقتصاديين، مراقبين، ومسؤولين في جهات حكومية.. إلى التفاصيل:
#2#
مجرشي والمعوقات
تجاوز الشاب يحيى مجرشي كل الصعوبات والمعوقات التي تقف أمام عمل الشباب السعودي في محال التجزئة الصغيرة كالبقالات والسوبر ماركت، متسلحاً بالإرادة أولاً ثم الدعم والتشجيع من الأهل والأقارب والأصدقاء الذين وقفوا بجانبه، مؤكدين أن «الشغل ليس عيباً أياً كان».
يقول يحيى الذي أكمل عامه السادس والعشرين إنه بدأ العمل منذ أن كان في الخامسة عشرة بعد أن ترك مقاعد الدراسة لأسباب عائلية، ويضيف «بعد أن تركت دراستي عملت في إحدى الشركات في جدة لمدة عامين لكنني اضطررت لتركها بسبب وفاة جدي وسفري لمدينة جازان، وبعد عودتي عملت في حلقة الخضار التي رأيت فيها العجب من خلال سيطرة العمالة الوافدة بالكامل على مفاصلها».
البداية من حلقة الخضار
ويتابع «كنت أعمل في حلقة الخضار باليومية ومديري من جنسية عربية لا يرغب في توظيف السعوديين ويسعى لمضايقتنا بأي طريقة، فالأجر اليومي يعطي السعودي من 70 إلى 80 ريالاً، فيما الوافد من جنسيته نفسها يصل أجره اليومي إلى أكثر من 150 ريالا، كانت ظروف المعيشة تجبرني على تحمل كل تصرفاته، وبعد ثلاث سنوات من العمل فجأة يقرر فصلي من العمل دونما أي أسباب أو مبررات، فقط ليحل مكاني عامل من جنسيته، لم أستطع تقديم شكوى ضده كوني لا أعرف إلى أين أتجه، فتركته وفي نفسي أقول: «من توكل على الله فهو حسبه».
إلا أن يحيى لم يستسلم لليأس والجلوس كونه أكبر إخوانه في أسرة تتكون من 25 فرداً فوالده متزوج من اثنتين ويجب عليه العمل بأي طريقة، يواصل حديثه «قررت بعدها خوض غمار التجارة بنفسي بمخزون الخبرة التي اكتسبتها من عملي في حلقة الخضار، فأخذت مبلغا يقارب 200 ريال واشتريت بضاعة من الحلقة ووقفت عند المساجد وعلى ناصية الشوارع أبيعها، كنت أحصل على ربح 20 أو 30 ريالاً وكنت سعيداً بذلك رغم مشقة العمل، وبالرغم من ذلك فوجئت بالأمانة تمنعني من البيع بقولهم إن ذلك غير مشروع وليس نظاميا».
بين العمالة والأمانة
عندما سدت في وجه يحيى مجرشي كل الأبواب، فمن جانب حاصرته العمالة الوافدة ومافيا الواسطة، وقفت له إجراءات الأمانة في الجهة الأخرى، فبحث عن عمل حتى وجد العم غازي صاحب البقالة التي يعمل فيها حالياً وشرح له وضعه وأنه يريد العمل لكسب لقمة العيش له ولأسرته، فرحب به ووظفه على الفور وسلمه إدارة المحل والبيع فيه، يقول يحيى عن هذه الجزئية «أعطاني العم غازي الفرصة ووظفني للعمل في البقالة وأتمنى أن أكون عند حسن ظنه، أعمل 12 ساعة من الثامنة صباحاً حتى الثامنة مساء، صدقني لا أشعر بأي صعوبة والأمر بسيط، في رأيي أن من يريد العمل بالفعل من أجل لقمة العيش لن يجد صعوبة في ذلك».
ويردف «لقد شعرت بالاستقرار والراحة النفسية بعد عملي في البقالة بعد مشوار طويل من «الهجولة» أو التخبط للبحث عن عمل، حتى مكتب العمل طرقته مرات لكن لأنني لا أحمل شهادة كانت الوظائف لديهم حارس أمن فقط ورواتب هذا المجال تتأخر كثيراً حسب علمي ولذلك لم أرغب فيه».
وعندما وجهنا سؤالاً مباشراً ليحيى ما إذا كان على استعداد لفتح مشروع بقالة صغيرة له في حال حصل على التمويل اللازم والدعم أجاب بقوله: «بالتأكيد سأكون سعيداً إذا حدث ذلك وأنا على استعداد كامل للعمل ومواجهة كل التحديات رغم قسوتها».
تجربة ناجحة
من جانبه، يوضح العم غازي صاحب البقالة حكايته مع مشروعه التجاري الذي بدأه ببقالة صغيرة في حي الربوة كان يشرف عليها يومياً في آخر اليوم لكنه سرعان ما اكتشف أن العامل يبيع أشياء لحسابه الخاص، فسرحه من العمل وأغلق البقالة. ويضيف «فتحت بقالة أخرى في حي السلامة وحاولت البحث عن شخص أمين لإدارتها لكنني فشلت بكل أسف وبعد فترة وجيزة اضطررت لتقبيلها، بعدها قررت فتح هذه البقالة وحاولت قدر الإمكان الإشراف عليها بنفسي، لكنني أواجه حربا شعواء من عدة اتجاهات أبرزها الموزعون الذين يمثلون 100 في المائة أجانب، فبمجرد أن يعلموا أن صاحب البقالة سعودي لا يأتون نهائياً إلى البقالة ومن الممكن أن يأتيك مرة فإذا ما تأكد في المرة المقبلة أنها لسعودي يقرر تجاهلها رغم أنني أدفع بالنقد لهم ولكن لا حياة لمن تنادي».
شركات ترفض التعامل
«حاولت الاتصال بالشركات خصوصاً شركات العصائر والحليب لأشرح لهم الوضع لكنهم إما يصرفون لي وعوداً وهمية أو يقولون إن البقالة ما زالت في طور التأسيس وتحتاج إلى وقت من أجل التعامل معها».
ويتابع حديثه بحسرة «بقالة لا تبعد عن بقالتي أقل من 20 متراً اذهب وانظر إليها ستجدها مليئة بجميع الأصناف والأشكال من شتى أنواع البضائع، فقط لأنها لعمالة أجنبية، للأسف السعودي يذوق الأمرين في بلده، منافسة الأجنبي، واحتكار التوزيع ويبقى هو وحيداً».
ويؤكد العم غازي أن العمل في قطاع التجزئة في خير كبير بشرط أن يقف الشخص على أمواله ويديرها بنفسه، ويتابع: «السعودي عنده بيت، أسرة، أولاد، ارتباطات، ومن الصعوبة عليه الإشراف أو العمل في بقالة 12 أو 24 ساعة، والمال السائب يعلم السرقة، كما أن هناك شريحة من السعوديين يحبون الكسل، ويعطون بقالاتهم للأجانب مقابل 2000 أو 3000 ريال في الشهر».
ويقول «في الأخير من يتعب ويكافح سيجني الثمار وأنا متفائل لأن العائد طيب، لكن تشغيل السعوديين ليس في كل الأحوال إيجابيا، البعض يحب الجلوس على الكرسي فقط، فيما الأمر يحتاج إلى مبادرة واجتهاد من الموظف.
ويطالب العم غازي بسن قانون يحمي صاحب المحل ويحمي السعودي الذي يعمل في المحل وتنظيم العلاقة بينهما وقال «في كل الأحوال ومهما كان بعض السعوديين سيئا سيكون أفضل من الأجنبي، لكنني أتساءل: هل الجهات المختصة عاجزة عن القضاء على التستر التجاري، 80 في المائة من بقالات جدة يديرها أجانب، لماذا تكتفي الدولة بالمشاهدة، نحتاج إلى دعم من الدولة للبقالات التي تشغل السعوديين بمساهمة بجزء من رواتبهم مثلا وهذا سيدفع بتوظيف عدد أكبر من السعوديين».
## التركي: إغلاق 5 بقالات من 10 .. ولا وجود للسعوديين الآن
# المنافسة غير العادلة تفشل مشروع سلسلة بقالات يديرها سعوديون
#3#
قام الشاب فيصل بن صالح التركي ومجموعة من أصدقائه بمغامرة من نوع خاص عندما قرروا افتتاح سلسلة بقالات صغيرة بمفهوم عصري ومتطور بحيث تكون مشابهة للهايبر ماركت أو محال التجزئة الكبرى ولكن بشكل مصغر. المغامرة كانت بأن قطع التركي وأصدقاؤه عهداً على أنفسهم بأن يشغل ويدير هذه السلسلة التجارية الحلم شباب سعوديون فقط، وكان ذلك بدعم مباشر من مجموعة نسما القابضة التي يملكها رجل الأعمال صالح التركي (والد فيصل). كان الدافع الرئيس وراء هذه الفكرة المبتكرة هو المسؤولية الوطنية تجاه شباب الوطن، كما يبين ذلك فيصل التركي أثناء حديثه لـ «الاقتصادية». بدأت الفكرة قبل ثلاث سنوات بمحل سرعان ما تطور إلى عشرة محال في أحياء مدينة جدة يملكها ويديرها ويشغلها مجموعة من الشباب السعودي، وظف فيها نحو 25 شاباً سعودياً في مختلف الفروع. اليوم لم يبق من المحال سوى خمسة فقط وفي طريقها لتصبح ثلاثة في غضون الأشهر المقبلة، وخلت المتاجر المتبقية من أي شاب سعودي يعمل فيها، فيما عدا ملاكها وبعض العمالة التي تقدم استقدامها.
بداية الفكرة يقول فيصل التركي إن الفكرة جاءت من أحد أصدقائه فتبناها، ويضيف «بدأنا على أساس نأخذ مفهوم البقالة الصغيرة ونقوم بتحديثها وتطويرها أي مثل محال التجزئة الكبرى لكن بشكل مصغر، وكان لدينا رغبة في تقديم منتجات جديدة، بطبيعة الحال حصلنا على رأس المال من مجموعة نسمة القابضة التي دعمتنا ولا تزال منذ البداية».
عدم توظيف غير السعوديين يوضح التركي أن من أهم القرارات التي اتخذها مع شركائه هو ألا يعمل في هذه المتاجر سوى السعوديين، وهي الفكرة التي لاقت قبولاً كبيراً من عديد من الشباب الذين أبدوا استعدادهم للعمل معنا وهو ما حدث بالفعل، مبيناً أنهم وظفوا ما يقارب 25 شاباً في جميع الفروع.
التوسع غير المدروس يشير التركي إلى أن توافر رأس المال والبداية القوية لمتاجر نسما الغذائية في عدد من الأحياء شجعاهم كشباب على التوسع بطريقة سريعة وربما غير مدروسة بشكل كاف، ويتابع «في غضون فترة زمنية قصيرة أصبح لدينا عشرة متاجر في مدينة جدة، بعدها شعرنا أننا مشتتون وغير مركزين على إدارتها بشكل صحيح، كما أدركنا أننا وظفنا عددا أكبر من الحاجة الفعلية لنا وهو ما دفعنا لاحقاً للتقليص إلى خمسة ونفكر حالياً في جعلها ثلاثة فقط.» يؤكد فيصل التركي أنه على قدر الحماس لتوظيف الشباب السعودي في المتاجر وتخصيص رواتب مجزية لهم بساعات عمل محددة وفق نظام مكتب العمل، إلا أن التجربة فشلت ولم تؤت ثمارها المتوقعة، ويردف «للأسف كان هناك عدم التزام من قبل الشباب في الدوام، وتنقصهم الخبرة للعمل، كما أن بعضهم كانت معاملتهم للزبائن غير لائقة، وبعض الأمور الأخرى».ويضيف «تحملنا كثيراً من هذه الأمور لكن بعد أن تيقنا بأن الاستمرار سوف يعرض المشروع برمته للفشل، قررنا تغيير سياستنا، معظم الشباب تركوا العمل برغبتهم وحالياً لا يوجد معنا أي سعودي لكن الفكرة ما زلنا مصممين على تنفيذها ولو بعد حين».
#4#
تعديل فكرة المشروع أكد التركي أن الضربات المتتالية التي تعرض لها المشروع جعلتهم كمستثمرين يفكرون في الحلول المناسبة لانتشاله من وضع التراجع، وذلك من خلال تحويل المحال إلى مخبز أكثر منه بقالة، وقال «وجدنا من خلال تعاملنا مع الزبائن أن الطلب على المخبز هو الأكثر، كذلك لا ننسى أن الدقيق مدعوم من الدولة وهو ما يوفر لنا هامش ربح أفضل.» ولفت التركي إلى أن فتح بقالة مطورة على غرار ما قاموا به يمكن أن تصل تكاليفه إلى 600 ألف ريال، مشيراً إلى أنهم حالياً استقدموا عمالة فلبينية متخصصة في المخابز وهو ما أدى إلى تحسن وضع المبيعات وتغير طريقة التعامل مع الزبائن إلى الأفضل.
أرباح البقالات غير مجدية تحفظ فيصل التركي على مسألة الاستثمار في فتح البقالات والعوائد الربحية من هذا النشاط وصعوبة الاستمرار فيه، وأضاف «واجهنا صعوبة كبيرة في إدارة المشروع وتعرضنا لخسائر كبيرة منها أخطاء كان يمكن تفاديها لكن لو لا الدعم من نسمة القابضة كنا أغلقنا المحال منذ فترة، كما أن الهوامش الربحية فيه زهيدة فمثلاً في الحليب لا تتجاوز الهللات، توجهنا للمخابز لأن عوائدها تصل إلى 60 في المائة بينما هامش ربح البقالة ربما لا يتعدى 15 في المائة».
فانشايز للشباب أكد فيصل التركي أنه يؤيد وبشدة تبني محال التجزئة الكبرى لفكرة إعطاء الشباب السعودي امتيازا تجاريا (فرنشايز) ودعمهم في محال صغيرة للتجزئة، ويقول «هذا التوجه أصبح أقرب مما يتصور وهو فكرة جديرة بالتطبيق، وتلقينا نحن في مشروعنا طلبات للحصول على امتياز تجاري من بعض التجار في جدة لكننا رفضنا لعدم استعدادنا ومعرفتنا الكافية بأنظمته وإجراءاته». يلخص فيصل التركي أهم النقاط التي استفادها مع شركائه من خلال مشروعهم في الاستثمار في مجال البقالات الصغيرة بقوله «الخلاصة عندما حاولنا الدخول كشركة لفتح سلسلة محال سوبرماركت صغيرة أو بقالات حديثة فشلنا لقلة الخبرة لدينا وهذه الأخطاء نتحملها، كما أن المنافسة شرسة من البقالات الأخرى فنحن ننافس عمالة وافدة يعملون بأنفسهم في البقالات». مشروع آخر أسسه ثلاثة شباب سعوديين في مجال التجزئة يصارع للبقاء أمام مافيا البقالات وشبكات التوزيع المنظمة التي تحاول بكل الطرق إبعادهم عن هذا النشاط. وأوضح الشباب الثلاثة في حديثهم لـ «الاقتصادية» أنهم أسسوا شركة تحت مسمى شركة النخلة الأصيلة يسوقون من خلالها أحد مشروبات الطاقة على البقالات ومحال التجزئة.ويضيف أحدهم «لقد فوجئنا بأن معظم البقالات الصغيرة يسيطر عليها وافدون ومن جنسيات محددة، فيما الموزعون كذلك من نفس جنسياتهم ولذلك واجهنا صعوبة في تسويق منتجنا عليهم، الأمر أشبه بمافيا منظمة لا تستطيع التحرك أو تجاوزها أنت كشاب سعودي». ويشير إلى أن المشروع بدأ منذ أربعة أشهر وأنهم عازمون على الاستمرار بشتى الطرق لأن الفرص المتاحة كبيرة على حد قوله، ويتابع «وفقاً للدراسات التي أجريناها على قطاع مشروبات الطاقة في المملكة فإنه لا يتجاوز 400 مليون ريال وهذا يمثل فرصة وصعوبة في الوقت نفسه، فرصة لأن إمكانية التوسيع كبيرة فيه، وصعوبة لأن السوق صغير والمنافسون متواجدون في السوق منذ زمن، كما أننا نواجه مافيا شبكات التوزيع من العمالة الوافدة». ويشتكي الشباب من أنه حتى أصحاب البقالات السعوديين ممن حاولوا تسويق منتجهم لديهم رفضوا التعامل معهم، «للأسف أن بعضهم لم يسمح لنا حتى بإعطائه فكرة عن المنتج وكان تعاملهم جافاً».