سيول جدة.. وجهان متناقضان

السيول التي شهدتها مدينة جدة يوم الأربعاء الماضي، وما نتج عنها من أضرار كبيرة، كشفت عن وجهين متضادين، وجه مشرق وضاء تمثل في شباب وشابات هذا الوطن، ومن المقيمين، الذين اندفعوا في عمل تطوعي متميز، جاء مكملا لجهود كثير من القطاعات الحكومية، ووجه تمثل في فئة من التجار والعمالة الوافدة الذين اعتادوا على استغلال كل أزمة للإثراء غير المشروع، دون وازع من دين، أو خلق.
فئة الشباب الذين رأيناهم يمدون يد المساعدة لكل محتاج، ويباشرون الأعمال الإغاثية بكل أريحية وطيب نفس وتفان، أمر غير مستغرب، فهم شباب يحملون من الشعور بالمسؤولية، والرغبة في المشاركة في العمل التطوعي ما يجعلهم محل تقدير من الجميع، هؤلاء الشباب هم عدة الوطن، وهم الذين يجب أن نشغل فراغهم بما هو مفيد، حتى في الظروف العادية، عبر برامج التطوع وخدمة المجتمع، هؤلاء الشباب يمتلكون طاقات لا تقبل أن تكون معطلة، ولهذا فإشغال أوقاتهم بأعمال الخير يبعدهم عن إشغال أنفسهم والمجتمع بالأعمال السيئة.
الفئة الأخرى، وهم بعض التجار والعمالة الوافدة التي تقوم بأعمال البيع وتقديم الخدمات، فهؤلاء ليس لهم هدف سوى جمع المال، ويجدون في كل كارثة فرصة للإثراء غير المشروع.
وقد شاهدنا وسمعنا كثيراً من المواطنين يتذمرون من جشع هذه الفئة، التي سارعت إلى مضاعفة أسعار المواد الغذائية، وما تقدمه من خدمات نقل وإيواء وإزاحة للمياه أو قطر للسيارات العالقة، وغيرها من الخدمات التي احتاج إليها سكان مدينة جدة في هذه الظروف الصعبة.
هذا الأمر يجعلنا نتساءل عن الموقف النظامي من استغلال هؤلاء لوضع يحتاج إلى تعاضد من الجميع، لا إلى استغلال لمصائب الناس.
قد يقول البعض إن هناك أنظمة تعالج جشع التجار، وتفرض غرامات عليهم، ولكن هذه الأنظمة والغرامات لم تكن رادعة في الأيام العادية، فكيف في مثل هذه الظروف التي يكون الناس فيها ـــ بسبب ضغط الحاجة ـــ على استعداد لدفع أي مبلغ يطلب؟ فالعقوبات إذا لم تكن مساوية للمكاسب أو تزيد عليها تكون دافعاً إلى مزيد من الجشع.
إن ما نحتاج إليه في مثل هذه الظروف الاستثنائية أن يكون هناك نظام شبيه بنظام الطوارئ، يفرض عقوبات صارمة على كل من يستغل مثل هذه الأحداث باحتكار سلعة، أو رفع سعرها، أو الامتناع عن توفير خدمة، بحيث تكون العقوبات في مثل هذه الأوضاع عقوبات مغلظة، تشكل لها لجان فورية، وتطبق العقوبات بشكل صارم وموجع، لا أن يُكتفى بغرامات متواضعة، هي إلى التحريض على ممارسة الجشع أقرب من كونها رادعة.
فهل سنسمع بقانون يجرم الجشع في مثل هذه الأوضاع الاستثنائية، ويقرر عقوبات صارمة تردع كل من يسعى إلى استغلال معاناة الناس؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي