فاتورة شركات الاتصالات «فيك الخصام وأنت الخصم والحكم»

أكثر من صديق وزميل وقريب يشككون في فواتير الهواتف النقالة التي تصلهم من جميع الشركات، ولقد انتقل معظمهم من مشغل إلى آخر؛ لعله يجد فواتير مقنعة، عطفا على كم مكالماته والوقت الذي يمضيه في كل مكالمة، وعطفا على الجوائز والعروض التي يحصلون عليها، لكنهم كمن يلجأ من الرمضاء للنار؛ ما جعل بعضهم يلجأ إلى الخطوط مسبقة الدفع، ولكن المفاجأة بالنسبة لهم - وهم من أصحاب الخطوط المفوترة منذ تعاملهم مع الهواتف النقالة - كانت أكبر وغير مبررة لا عقليا ولا شرعيا، حيث وجدوا أن سعر الدقيقة مضاعف عن الدقيقة المفوترة، رغم أن العقل يقول إن الدفع الآجل أعلى من الدفع المسبق وليس العكس، لكن في عالم الاتصالات القاعدة مقلوبة!
كل هؤلاء، وأنا أيضا الذي نقلت هاتفي المحمول من شركة إلى أخرى؛ هربا من عدم منطقية الفواتير، لا نجد مرجعية مقنعة للتعرف على مدى دقة الفواتير التي ترد لنا من شركات الاتصالات ونحن غير مقتنعين بها؛ إذ إننا أمام خيارين، وإن قيل إن هناك خيارا ثالثا: الأول أن نسدد مرغمين مع الحوقلة أو الحسبنة، أو نتواصل مع الشركة للاحتجاج، حيث تخرج لنا فواتير يصعب قراءتها، خصوصا من جهة الوقت المستغرق في كل مكالمة، حيث ينسى الإنسان مدة المكالمات التي أجراها، وبالتالي فنحن وشركات الاتصالات أمام غياب لمرجعية موثوقة للتعرف على دقة الفاتورة؛ ما يجعل الكثير يحجم عن التسديد والتوجه لشركة أخرى، وهكذا دون فائدة؛ لأننا لا يمكن أن نستغني عن خدمة الهواتف الجوالة.
الخيار الثالث الذي نسمع عنه، وهو غير فعّال؛ لأن كل من لجأ له لم يجد نفعا رغم الجهود التي بذلوها وهو أن تذهب للهيئة، رغم توافر البدائل الإلكترونية لترفع شكوى لهيئة الاتصالات وكأنها لجنة قضائية عليها أن تحلل وتسمع مرافعات الطرفين وتصدر الحكم المناسب وتتابع تنفيذه، وأنا على ثقة بأن هذه الآلية غير فاعلة، فضلا عن كونها غير مقنعة، أيضا الحد الائتماني الذي كان بالنسبة للكثير الحد الأعلى الذي يمكن أن تطالبهم به شركات الاتصالات لم يجدِ، حيث أصدرت بعض شركات الاتصالات فواتير تجاوزت الحد الائتماني بأضعاف مضاعفة وطالبت العملاء بالسداد ولم يجدوا من يحميهم من ذلك الجور، رغم أن مهمة حماية عناصر السوق من طغيان بعضهم على بعض وبكل تأكيد المستهلكين يشكلون القاعدة الأكبر من عناصر سوق الاتصالات.
أحد الأصدقاء يقول كلما شككت في فاتورة الكهرباء أخذتها وقارنتها مع عداد الكهرباء الموجود في واجهة المنزل؛ للتأكد من دقتها، وبالتالي فإنني أمام مرجعية واضحة، والأمر كذلك بالنسبة لفواتير الماء، أما فواتير الاتصالات فلا مرجعية سوى الفاتورة التي أصدرتها الشركة وهي محل شك، ويضيف أنه حاول الاستفادة من خدمة عدد دقائق الاتصالات الصادرة والواردة شهريا، والتي يمكن معرفتها من خلال برمجة الجوال، إلا أنه فشل بسبب نسيان ''تصفير العداد''، مضيفا أن شركات الاتصالات لا تعترف به كمرجعية للتأكد من صحة شكواه بالنسبة لمبلغ الفاتورة.
الموضوع ليس سهلا؛ فهو يتعلق بالمال عديل النفس، حيث لا يرغب أي فرد في أن تذهب أمواله أو أن يعيش في حالة شك بأن الشركات تكبده دون حيلة وباتت الشكوى من فواتير الاتصالات ظاهرة، حيث لا تكاد تسأل أحدا حول هذا الموضوع إلا وقال لك إن فواتير شركات الاتصالات غير منطقية، وإنه على يقين أو على شك بأن الفواتير أعلى من حقيقتها بكثير؛ ولذلك الكثير يلجأ إلى ما يسمى الاتفاق المقطوع السعر، بمعنى أنه يدفع مبلغا شهريا للحصول على خدمات بمواصفات معينة، وهؤلاء أيضا يشتكون من تذبذب جودة الخدمات، خصوصا خدمات الإنترنت مع ثبات سعر الفاتورة المقطوعة، دون تحمل شركات الاتصالات أي مبلغ لسوء خدماتها، ولقد استاء الكثير من استخدام كلمة ''حتى'' التي باتت تسبق عروض سرعات الإنترنت، التي تؤكد أن السرعات غير دقيقة من موقع إلى آخر.. فهل نموت وفي أنفسنا شيء من ''حتى''؟! كما قال ''سيبويه'' أموت وفي نفسي شيء من حتى.
أيضا، ولحماية شركات الاتصالات من التأثير السلبي الناشئ من عدم وجود مرجعية موثوقة من الطرفين (الشركات، العملاء) تؤكد دقة الفواتير علينا أن نعالج هذه المشكلة؛ لأن بعض الشركات بدأت - حسبما يقول البعض - تنتج إعلانات ذكية؛ للطعن في الأخرى من جهة التلاعب بالفواتير، مستغلة بذلك الجو السلبي السائد تجاه الشركة الأخرى، وهو كلام قد يكون غير دقيق بتاتا، إلا أن عدم وجود مرجعية مقنعة تخرج على الجميع وتؤكد أنها ضامنة لدقة الفواتير من خلال وجود نظام مرجعي يستطيع أي عميل أن يتأكد من خلاله على دقة فواتيره، كما تستطيع الشركات أن ترجع له لإثبات دقة فواتيرها ونفي التهم الموجهة لها من قبل أي طرف.
ختاما: إنه حان الوقت أن تتفق شركات الاتصالات المشغلة مع هيئة الاتصالات لتطوير نظام مرجعي مقنع لجميع عناصر سوق الاتصالات من منتجين ومستهلكين ووسطاء يستطيع كل عنصر أن يتأكد من خلاله من دقة المكالمات التي أجراها، ومن دقة تكاليفها لمعالجة مشكلة الشك في الفواتير من جذورها، ولكي نتخلص من أجواء الشك والريبة حيال فواتير شركات الاتصالات، والأمل معقود على الجميع أن يطوروا ويشغلوا هذا النظام في أسرع وقت ممكن؛ لنتمكن جميعا من مراجعة فواتيرنا إلكترونيا من خلال مرجعية محايدة ترضي الشركات والعملاء والوسطاء على حد سواء؛ لنخرج من عباءة المقولة المشهورة ''فيك الخصام وأنت الخصم الحكم'' لنتحول إلى واقع يقول ''فيك الخصام وأنت الخصم وغيرك الحكم''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي