العمل الخيري المصري: ما قبل الثورة وبعدها!
يمتد العمل الخيري الرسمي في مصر إلى تاريخ قديم، حيث تأسست أول جمعية خيرية عام 1821 على يد أفراد الجالية اليونانية في الإسكندرية، وتأسست أول جمعية خيرية إسلامية عام 1870، ومع نهاية القرن التاسع عشر بلغ عدد الجمعيات الخيرية المصرية قرابة 70 منظمة خيرية. وقد نمت أعداد المنظمات الخيرية بشكل كبير خلال العقود الثلاث الأُول من القرن العشرين حتى تكونت أول جامعة مصرية بتمويل خيري وهي جامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليا)، وبلغ عدد المنظمات الخيرية قرابة 4000 منظمة خيرية.
إلا أن تحولا جذريا حدث في خريطة العمل الخيري المصري عندما أممت الحكومة المصرية فيما بعد عام 1954 أغلب الأوقاف، وسيطرت على كثير من مجالس إدارة المنظمات الخيرية وحلت بعضها بغية فرض السيطرة على الشؤون السياسية والاجتماعية في البلاد وبذلك بدأ القطاع الخيري المصري يفقد استقلاليته التي استمرت أكثر من 140 سنة وحيويته التي أثمرت أنشطة متنوعة.
اتسمت العلاقة بين الحكومة المصرية والمجتمع الخيري بكثير من عدم الثقة؛ فالحكومة ترى أن المنظمات الخيرية مصدر منافسة لها، ولا سيما أن الإسلاميين انجذبوا بطريقة أو بأخرى لمنظمات القطاع الخيري، بينما يرى المجتمع الخيري أن الحكومة تهدف للاستحواذ على مقدرات العمل الخيري من أوقاف وتبرعات ومنظمات.
إلا أن الانفجار السكاني الذي شهدته مصر عندما قفز عدد السكان من 26 مليون عام 1960 إلى 84 مليون 2010، والتدهور الاقتصادي الناتج من سوء تصرف الحكومة جعل الدولة عاجزة عن تلبية حاجة المجتمع الذي تحول أكثر من نصفه إلى فقراء؛ مما حدا بالحكومة المصرية إلى فتح المجال المحدود للمنظمات الخيرية لمواجهة تحديات الدولة المصرية في تلبية حاجات أفراد المجتمع الأساسية.
اليوم يوجد قرابة العشرين ألف منظمة خيرية في مصر، إلا أن الفاعل منها لا يتجاوز المئات، والكثير منها لا يسلم من التبعية للجهاز الحكومي، والسمة الغالبة على أنشطة المنظمات الخيرية ينصبّ في أعمال خيرية تقليدية. وما زالت الدولة حتى تنحي الرئيس حسنى مبارك قبل أيام تنظر بشيء من الريبة والحذر إلى كل ما هو خيري، وبالذات ذو السمة الإسلامية الذي يشكل قرابة ثلث المنظمات الخيرية الحالية؛ خوفا من ما يسمى بالإسلام السياسي.
هكذا كان حال العمل الخيري قبل ثورة الشباب، أما بعدها فإن لدى المصريين فرصة كبيرة جدا لتفعيل القطاع الخيري وتمكينه وتعزيز استقلاليته للمساهمة في انتشال مصر من وضعها الحالي الذي لا يليق بها إلى وضع أفضل وأكرم وأدوم، ومد الجسور لمحبي الخير وباذليه من دول الجوار العربي الغني للمساهمة في رسم صور مشرقة لمصر الجديدة.