تجارة التجزئة .. المصيبة والمصيبة الأعظم!

إذا كنت تدري فتلك مصيبة
وإذا لم تدر فالمصيبة أعظم ..

هذا ما يجب أن نقوله عن الأوضاع في تجارة التجزئة في المملكة, نقول هذا لأنفسنا, ونقول هذا بالذات إلى من يعنيها الأمر, أي الأجهزة الحكومية المعنية بتجارة التجزئة..
لكن ما الأجهزة الحكومية التي ترخص للمحال الصغيرة والمتوسطة, التي تشكل ما يقارب 80 في المائة من منشآت القطاع الخاص؟
الآن وزارة التجارة والصناعة ترخص ووزارة البلديات ترخص, الصحة ترخص, هيئة الغذاء ترخص, وربما هناك جهات أخرى لا نعلمها, وكذلك دخل على هذا النشاط بقوة تراخيص الهيئة العامة للاستثمار.
قطاع تجارة التجزئة كبير وكل يوم يتوسع وفرصه تتعدد, وتحدياته تكبر, لكن (الذهنية الحكومية) التي تتعامل مع هذا القطاع لم تكبر ولم تتطور ولم تدرك بعد خطورة ترك هذا القطاع يضيع من أيدينا .. وأولى خطوات ضياع هذا القطاع بدأت منذ عقدين من الزمن.
هل تذكرون كيف كان جيل من السعوديين يعيشون ويتكسبون من هذا القطاع, منه خرج الأثرياء العصاميون الكبار, ومنه عاشت آلاف الأسر, وتعاقبت عليه الأجيال, كان الجد أولا ثم أحال (المحل) للابن, ووصل إلى الحفيد. كان السعوديون يسيطرون على تجارة الذهب, وتجارة المواد الغذائية, وكانوا المستفيدين من تجارة الأواني المنزلية وتجارة الغنم والحطب والبهارات .. كان السعوديون في هذه التجارة يعظمون تدوير الثروة الوطنية, كانوا هم الملاك وهم العمالة, كان السعودي يوظف السعودي ويدربه وإذا تعلم وفر له رأس المال وحوله إلى صاحب (بسطة) .. ثم صاحب دكان.
حتى منتصف التسعينيات الميلادية كنا نجد بقايا الأسواق وآخر المحال التي يديرها ويستفيد منها السعوديون في وسط المدن, كان منظر (الشيوخ) وهم عند عتبات محالهم حزينا وكئيبا وهم يتأملون محال جيرانهم في السوق وقد تحولت إلى دكاكين (تديرها العمالة)..
كان نظام عملهم اليومي يبدأ مع الصباح الباكر ويختمون أعمالهم قبل صلاة المغرب, ومن المسجد يذهبون للبيوت حيث تنتظرهم الزوجات بـ (العشى) وحولهم الأولاد .. كان للحياة نظامها وأدبياتها وللأسرة احترامها والأب كان يوجه ويربي وينقل موروثه إلى الأبناء والأحفاد .. وكان للأشياء معانيها الخاصة في حياة الأسرة.
في أواخر تلك الأيام, كان الشيوخ أكثر (حزنا وأسفا) وهم يرون الزبائن وقد تحولوا إلى محال جيرانهم التي تديرها العمالة, فساعات العمل أصبحت أطول وهذا وسع المنافسة عليهم والبضاعة أكثر وأرخص, والنتيجة: هم بلا زبائن! إنهم ضحية الزمن الممتد للعمل وحرب الأسعار التي مورست عليهم .. لقد تحولوا هم وأسواقهم ودكاكينهم إلى غرباء الوجه واليد واللسان..
هكذا بدأت غربة السعوديين عن تجارة التجزئة، وهكذا وصلت تحويلات العمالة إلى أكثر من 100 مليار ريال سنويا، وأغلبها من الدخل الذي تولده تجارة التجزئة.
كيف سيجد السعودي فرصة العمل التجاري في بلاده؟
عندما جاءت الطفرة الأولى في منتصف السبعينيات الميلادية دخل كثير من السعوديين في تجارة التجزئة, فتوسعت قاعدتها وانعكس ذلك إيجابيا على وضعهم المعيشي, وكان هذا بسبب قرار الدولة قصر البيع والتملك في تجارة التجزئة على السعوديين .. لقد كان قرارا شجاعا حكيما فتح الأمل لكثير من السعوديين, وبعض تجار اليوم الكبار هم من ثمار هذا القرار.

ماذا عن الطفرة الثانية.. كيف حال تجارة التجزئة؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي