إلغاء الرسوم .. (خطوة للإصلاح)
قبل اكتشاف البترول كان للموسرين من المواطنين في مناطق المملكة المختلفة دور كبير في دعم الدولة، خلال مراحل التأسيس تم الكثير من المكاتبات بين الملك المؤسس وبين الوجهاء لدعم المرابطين والدولة الناشئة، بل إن كل قرية كانت تجهز أفرادها ذاتياً من دون دعم من الدولة، حصل ذلك لتوافق الأهداف وصلاح النوايا، بل إنهم عندما توحدت المملكة لم يطلبوا من الملك عبد العزيز أي امتيازات.
بعد اكتشاف البترول لم تلجأ الدولة خلال 50 عاماً، بطلب الدعم المادي من المواطنين، حيث لم يكن هناك ضرائب أو رسوم من أي نوع على المواطنين، ولكن وجدت مكوس (جمارك) على البضائع المستوردة والمصدرة. بعد حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، ووصل سعر البترول إلى ثمانية دولارات للبرميل الواحد، قامت الدولة وبتوصيات من وزارة المالية بفرض حزم من الرسوم على أغلبية الخدمات الحكومية، وكان الأصل في القرار أن يكون مؤقتاً ومقترناً بسعر البترول المتدني، كما أشار إلى ذلك الملك فهد - رحمه الله -، إلا أن الذي حصل أن هذا الإجراء المؤقت، صار همّاً دائماً يرهق المواطن، الفقير منه على الأخص. الكثير من كبار المحللين الاقتصاديين، بل وحتى عامة المواطنين، ظلوا ينتظرون لسنوات إلغاء تلك الرسوم المرهقة، التي أنهكت المواطنين بلا استثناء، خصوصاً أن دخل الدولة من البترول وصل إلى أرقام خيالية، وصار هناك فائض بالمليارات، ولم يعد هناك أي داع لإرهاق المواطن بتلك الرسوم.
مجلس الوزراء أصدر قبل ثلاث سنوات قراراً بتخفيض مؤقت (!!) لتلك الرسوم، ثم صدر قرار مجلس الوزراء الأخير في 25-3-1432هـ ينص على أن الدولة ستلتزم بدفع نصف رسوم خدمات العمالة، وكذلك نصف تكلفة نفقات إصدار الجوازات ورخص المرور. مثل هذه الخطوات جيدة، لكنها لا تكفي، ويجب مراجعة كافة الرسوم في مؤسسات الدولة، والتحقق من مدى عدالتها.
المرئيات والملاحظات التالية على تلك القرارات، يمكن أن تساعد على مراجعة جادة تخدم الأهداف الوطنية وتعزز الانتماء الوطني:
1) لوحظ في القرار الأخير لمجلس الوزراء أن الدولة سوف تدفع نصف الرسوم!! السؤال المطروح لمن سوف تُدفع تلك المبالغ؟ أليس لوزارة المالية؟ في هذه الحالة يجب أن يكون نص القرار، التأكيد على تخفيض الرسوم فقط أو إلغائها، طالما أن وزارة المالية هي الجهة المحصلة للرسوم!!
2) هنالك مبالغ كبيرة يدفعها المواطن السعودي كرسوم لاستقدام العمالة المنزلية، فالخادمة أصبحت ضرورة وكذلك السائق، فالمفروض ونحن الدولة الغنية، أن نقتدي بدول الخليج المجاورة، حيث في الكويت يدفع المواطن فقط عشرة دنانير (130 ريالا) لحصوله على الفيزة للخادمة أو السائق، وخمسة دنانير كل سنة رسوم تجديد، أما التأمين الطبي فهو لا يتجاوز عشرة دنانير في السنة. المواطن يتساءل: لماذا يتم إرهاقه واستنزافه من قبل الدولة بمبالغ هائلة، في أمور صارت من الضروريات. إن مثل هذه القرارات العادلة، سوف تؤصل روح المواطنة، وترفع عن كاهل المواطن جزءاً من غلاء المعيشة الذي دفع بشريحة منه إلى طبقة الفقر.
3) الرسوم المدفوعة للحصول على رخصة قيادة في جميع دول العالم رمزية، فعلى سبيل المثال لا الحصر: كنا ندفع في أمريكا مبلغ خمسة إلى عشرة دولارات فقط، للحصول على الرخصة، مع العلم أن هنالك اختبارات وكتباً تعطى مجاناً لكل الراغبين في الحصول على رخصة القيادة. الوضع نفسه كذلك في إنجلترا، حيث (الرخصة مدى الحياة) وكذلك الأمر في معظم دول الخليج العربي. فلماذا يجبر المواطن السعودي على دفع مبلغ 400 ريال لتجديد رخصة القيادة، والأمر يكون أصعب على السائق المنزلي، حيث تدفع العائلة ذلك المبلغ لسائق قد يكون مؤقتاً أو لا يمكث أكثر من سنتين. كذلك الأمر نفسه ينطبق على الرسوم المحصلة من رسوم ملكية السيارة (الاستمارة) وتجديدها. وما دام الحديث عن المرور، فإن ما يفعله نظام ساهر في المواطنين أمر فاق كل منطق وعقل!!
4) في الختام، أعتقد أن من واجب الإخوة في وزارة المالية وغيرهم في القطاعات الأخرى، أن يساعدوا الدولة على تحقيق الأمن المعيشي للمواطن وتعزيز المحبة والولاء للوطن، وليس أن يتحولوا إلى أدوات جباية تزيد الاحتقان والتوتر وترفع مستويات الفقر في بلد من أغنى دول العالم.
إن إلغاء تلك الرسوم المرهقة العالية التي يدفعها المواطن السعودي، والتي لا تحتاج إليها خزينة الدولة، سوف يجعل من الدولة الأم الحنون لمواطنيها، وهو ما سيؤصل روح المواطنة والانتماء لدى أبناء الوطن والولاء للقيادة.