الآسيان ستساعد إندونيسيا في رسم المسار بين الصين وأمريكا
حين زار باراك أوباما جاكارتا في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، لم تقابله جماهير متشوقة إلى نظرة سريعة على الرئيس الأمريكي الذي ظل منذ فترة يقول إن هذه العاصمة الجنوب آسيوية هي مدينة الموطن الأصلي في نظره. وقد أثنت وسائل الإعلام العالمية على اللهجة الخطابية المدوية لأوباما، لكنها أغفلت، على نحو واضح، زيارة دولة تمت إلى إندونيسيا قبل أيام من ذلك. وفيما وصفته صحيفة ''نيويورك تايمز'' بأنه ''ليس بالتحدي الحكيم للغاية لأوباما''، وصل وو بانجو، رئيس المؤتمر الوطني الصيني إلى جاكارتا، وهو يحمل في جعبته شيئا ملموسا بدرجة أكبر يتمثل في استثمارات صينية في البنية التحتية في إندونيسيا بقيمة 6.6 مليار دولار.
إن هذا التناقض يجسد، على نحو واضح، معضلة السياسة الخارجية الإندونيسية، حيث إن عليها موازنة علاقاتها الاقتصادية مع الصين مقابل تعزيز ودعم شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة. وبينما منحت زيارة أوباما إندونيسيا مزايا دبلوماسية، فقد جاء وو بالدولارات التي يحتاج إليها هذا البلد بصورة ملحة للغاية.
تضاعفت قيمة التجارة المتبادلة بين إندونيسيا والصين، حيث وصلت إلى 25 مليار دولار سنويا في الفترة من 2005 – 2009، وذلك بفضل نمو سريع لتصدير موارد طبيعية من الجانب الإندونيسي تحتاج إليها الصين المتعطشة لمثل هذه الموارد.
وعلى الرغم من مخاوف بين كثير من الإندونيسيين بأن زيادة تدفق التجارة مع الصين سيترك آثاره السلبية على فرص توليد مزيد من الوظائف في إندونيسيا، وبالذات بعد اتفاقية التجارة الحرة الجديدة بين الصين ودول منظمة آسيان، فإن الحكومة الإندونيسية ما زالت تخطب ود الاستثمارات الصينية على نحو متزايد.
وفي الوقت ذاته، تبرز مخاوف لدى الجانب الإندونيسي من أن تصبح الصين قوية للغاية. وتعرف حكومة جاكارتا أن الصين ليست من الكبر بعد بما يكفي للسيطرة على جنوب شرق آسيا. ولكن ما يقلقها هو هذه المواقف الصينية المتصلبة الجديدة، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالمطالب الصينية في بحر الصين الجنوبي. ويشهد الاقتصاد الإندونيسي حالة من النمو، كما أنه يتطور كقوة متوسطة على الساحة الدبلوماسية العالمية. ولكنه لا يزال قزما لدى مقارنته مع جاره الشمالي، حيث إن اقتصاد الصين البالغ حجمه خمسة تريليونات دولار يشكل عشرة أضعاف حجم الاقتصاد الإندونيسي، كما أن إنفاق بكين على الأسلحة في عام 2009 بلغ 20 ضعفا بالمقارنة مع إنفاق جاكارتا العسكري.
وبصفة إندونيسيا بلد يتكون من أرخبيل من الجزر على ضفاف كل من المحيطين الهندي، والهادئ، فإنها تقلق من أن الصين القوية للغاية يمكن أن تستخدم في يوم من الأيام قدراتها العسكرية لحماية الممرات البحرية في منطقة جنوب شرق آسيا التي تعتمد عليها الصين بصورة شديدة في إيصال وارداتها من الطاقة، وغيرها من الموارد الطبيعية؛ إذ إن بعض هذه الممرات يقع في المياه الإقليمية الإندونيسية.
وفي محاولة من جانب إندونيسيا لتهدئة مخاوفها، فإنها تعمل، على الدوام، على التشجيع القوي للولايات المتحدة لكي تجدد تركيزها على جنوب شرق آسيا. وسارعت حكومة جاكارتا إلى الترحيب بالوساطة الأمريكية لحل الخلافات المتعلقة ببحر الصين الجنوبي. وتعرف إندونيسيا جيدا أنه طالما استمرت الولايات المتحدة في لعب دور مركز الثقل الأمني في منطقة آسيا الباسيفيكية، فإن الصين لن تتمكن من ترهيب جنوب شرق آسيا.
تعتقد إندونيسيا، والولايات المتحدة أنه سيكون باستطاعتهما من خلال تطوير علاقات ثنائية، ومتعددة الأطراف، إحداث توازن في مواجهة الصين متزايدة القوة، والحفاظ على الوضع القائم في هذه المنطقة من العالم. ولتحقيق هذا الهدف، عملت إندونيسيا، بقوة، على دعم مشاركة الولايات المتحدة في قمة شرق آسيا، ومنتدى آسيان الإقليمي.
على الرغم من علاقات التقارب المتزايدة في الوقت الراهن بين الولايات المتحدة، وإندونيسيا - هما الآن ثاني، وثالث، أكثر دول العالم الديمقراطية سكانا بعد الهند - فإن علاقتهما لم تصبح بعد طبيعية تماما، حيث إن إندونيسيا تفخر باستقلالها بشدة إلى درجة تمنعها من أن تسمح بأن تكون الولايات المتحدة مهيمنة عليها. وتعود مقاومة إندونيسيا الشديدة لأي هيمنة أجنبية عليها إلى ذكريات الاستعمار، واحتلالها من جانب اليابان خلال الحرب العالمية الثانية. وكانت من الدول المؤسسة لاتحاد دول جنوب شرق آسيا (آسيان) عام 1967، الذي كان سبب وجوده يتمثل في تشكيل جبهة موحدة ضد القوى العظمى المشاركة في الحرب الباردة، وهما الولايات المتحدة، والاتحاد السوفياتي.
إن مسألة إدارة علاقات مع الولايات المتحدة، ومع صين ناهضة في الوقت ذاته، أمر يصعب تحقيق حالة من التوازن فيه بالنسبة لإندونيسيا. ولا تريد حكومة جاكارتا أن ترغمها الظروف على اختيار الاقتراب من طرف بأكثر مما تقترب من الطرف الثاني، وبالتالي فإنها تسارع إلى محاولة تهدئة أي حديث عن منافسة استراتيجية تتطور بين الولايات المتحدة، والصين القوية المتحدية المجاورة للأراضي الإندونيسية. وإن جاكارتا مرتاحة في الوقت الراهن وهي ترى في الولايات المتحدة عامل توازن أمام الصين في هذه المنطقة. ولكنها لا تريد أن يتم احتواء الصين، أو عزلها، حيث تريد إندونيسيا أن تواصل علاقة تعاون اقتصادي مع بكين، على أن تستمر في موازنة الأمر في ضوء زيادة القوة المستمرة للصين.
أصبحت إندونيسيا، خلال الفترة الأخيرة، رئيسة الدورة الحالية للآسيان، وأبدت حماسها بالفعل لكي تلعب هذا الدور. وبصفتها أكبر الدول في جنوب شرق آسيا، ومع ما يرافق ذلك من زيادة في نفوذها الدبلوماسي، فإن الاستراتيجيين في جاكارتا ينظرون إلى هذه الرئاسة كفرصة لرسم المسار الصعب بين إقامة علاقات أوثق مع الصين، مع استمرار دعمها لدور أمريكي حيوي في جنوب شرق آسيا. وإذا نجحت في ذلك، فإنها ستبرز كمشارك مهم في تحقيق الأمن الإقليمي لمنطقة جنوب شرق آسيا.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: opinionAsia