أثر العوامل السياسية في أسعار النفط
عانت خمس دول نفطية مشكلات سياسية نتج عنها انخفاض إنتاجها النفطي بشكل كبير هي: إيران, العراق, الكويت, فنزويلا, وروسيا. وهناك دول أخرى لن يتم التركيز عليها مثل نيجيريا. وإذا نظرنا إلى هذه الدول نستطيع أن نستخلص ما يلي:
1ـ وقف إنتاج النفط الليبي البالغ 1.6 مليون برميل يوميا هو الأقل تاريخيا، الأمر الذي قد يفسر عدم ارتفاع أسعار النفط بشكل أكبر مما شهدناه. فقد أسهمت الثورة الإيرانية في بداية عام 1979 في تخفيض إنتاج النفط الإيراني بأكثر من خمسة ملايين برميل يوميا. كما أسهمت حرب الخليج الأولى في بداية عام 1991 في تخفيض إنتاج النفط العراقي بحدود ثلاثة ملايين برميل يوميا. ونتج عن الغزو العراقي للكويت عام 1990 تخفيض إنتاج الكويت بنحو مليوني برميل يوميا، بينما أسهمت إضرابات العمال في فنزويلا في نهاية عام 2002 في تخفيض إنتاج فنزويلا في حدود ثلاثة ملايين برميل يوميا.
2 ـ الفترة التي خسر فيها العالم الإنتاج الليبي فريدة من نوعها لأنها هي الفترة الوحيدة ضمن كل المشكلات السياسية التي ذكرت سابقا التي تتوافر فيها لدى دول ''أوبك'' طاقة إنتاجية فائضة تقدر بأكثر من خمسة ملايين برميل يوميا. وهو أمر قد يفسر عدم ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير.
3 ـ يمكن لليبيا أن تستعيد إنتاجها بعد فترة قصيرة نسبيا من الاستقرار السياسي، وذلك على عكس ما حصل في كل من إيران والعراق وفنزويلا, فبيانات الإنتاج تشير إلى أن الدولة الوحيدة التي استطاعت أن ترفع إنتاجها فوق مستوى ما كان عليه قبل المشكلات السياسية هي الكويت، في الوقت الذي فشلت فيه الدول الثلاث الأخرى في العودة إلى مستويات إنتاج ما قبل المشكلات. وأوجه الشبه بين الكويت وليبيا أكثر من أوجه الشبه بين ليبيا والدول الثلاث الأخرى.
4 ـ تشير بيانات الإنتاج في الدول النفطية, التي عانت مشكلات سياسية, إلى أن زيادة الإنتاج بشكل ملحوظ تستغرق نحو ثلاث سنوات، إلا أن الكويت هي الدولة الوحيدة التي استطاعت العودة إلى مستوى إنتاجها السابق خلال عامين ونصف. لكن حتى لو استغرقت عودة إنتاج النفط الليبي كله ثلاث سنوات فإن التوقعات تشير إلى وجود طاقة إنتاجية فائضة في بعض دول ''أوبك'' طوال هذه الفترة.
أضف إلى ذلك أن توقعات نمو الطلب على النفط مستقبلا انخفضت بشكل كبير مقارنة بالتوقعات التي كانت سائدة أثناء الأزمات السياسية السابقة، كما أن التوقعات بنمو إنتاج دول خارج ''أوبك''، خاصة إنتاج الولايات المتحدة، أفضل بكثير من ذي قبل. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أكبر مستفيد من ارتفاع أسعار النفط في الفترات الأخيرة هي أمريكا الشمالية لأن الأسعار المرتفعة ستمكن كندا من زيادة إنتاج النفط من الرمال النفطية بشكل مربح، بينما ستمكن الولايات المتحدة من إنتاج المزيد من النفط من حجر السجيل، وربما من المياه العميقة لخليج المكسيك في المستقبل المنظور.
إن عدم قدرة ليبيا على استرداد إنتاجها النفطي إذا استقرت الأمور سببه الدمار الذي لحق ببعض المنشآت النفطية من جهة، وهجرة العمال والخبراء الأجانب من جهة أخرى. إلا أن عودة الاستقرار قريبا، بغض النظر عن طبيعة الحكم، قد توفر مناخا شبيها بذلك الذي ساد في الكويت بعد التحرير, حيث تضافرت الرغبة السياسية وتوافر رأس المال مع التقنية والخبرات الأجنبية في استرجاع مستوى الإنتاج الذي كان سائدا قبل غزو العراق للكويت. لكن تبقى الاحتمالات الأخرى واردة أيضا.
الأسعار والأحداث السياسية
تشير البيانات إلى أن كل ارتفاع مفاجئ وكبير في أسعار النفط تاريخيا كان مرتبطا بحدث سياسي مثل تأميم قناة السويس والعدوان الثلاثي الذي تلاه عام 1956، وحرب 1967 بين العرب وإسرائيل، ثم حرب رمضان عام 1973 والمقاطعة النفطية التي تلتها، ثم الثورة الإيرانية في بداية عام 1979، وبداية الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، وغزو العراق الكويت في عام 1990، وغزو الولايات المتحدة العراق في عام 2003، وأخيرا الفترة التي نعيشها الآن. إلا أن البيانات نفسها تشير إلى أن ارتفاع أسعار النفط الكبير بين عامي 2005 و2008 لم يكن سببه العوامل السياسية، إنما سببه قوى السوق, حيث انخفض إنتاج النفط وانخفضت صادرات الدول النفطية في الوقت الذي استمر فيه الطلب العالمي في الارتفاع. كما أن تضاعف أسعار النفط أثناء قترة الكساد العالمي في أواخر عام 2008 ومنتضف عام 2009 لا يعود إلى عوامل سياسية أيضا، إنما إلى تخفيض ''أوبك'' الإنتاج وانخفاض صادراتها بشكل كبير بسبب زيادة استهلاك النفط في دولها وانقطاع الكهرباء بشكل مستمر أثناء أشهر الصيف.
وعلينا أن نتذكر أن أسعار النفط قبل الأحداث كانت في حدود 85 دولارا للبرميل، وهي الآن في حدود 115 دولارا للبرميل. هذا يعني أن الأحداث السياسية أسهمت في رفع أسعار النفط في حدود 30 دولارا للبرميل. هذا لا يعني أن عامل ''الخوف'' يتمثل في 30 دولارا للبرميل لأن هذا المبلغ يعبر أيضا عن وقف الإنتاج الليبي فعليا، ووقف إنتاج النفط في ساحل العاج، وانخفاض إنتاج النفط اليمني. هذا يعني أن أثر ''الخوف'' وبالتالي ''المضاربات'' في أسعار النفط صغير، وأن الجزء الأكبر من الزيادة يعود إلى انخفاض الإنتاج فعليا.
أخيرا، لو عدنا إلى تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، وذلك قبل أحداث تونس، وسألنا خبراء النفط العالميين السؤال التالي: إذا كانت أسعار النفط حاليا 85 دولارا للبرميل، ما توقعكم لأسعار النفط خلال الشهور المقبلة إذا حصلت قلاقل سياسية في ثماني دول عربية نفطية ستودي بعضها بحكومات هذه الدول، بينما ستؤدي إلى حرب أهلية في دول أخرى؟ هل سيقولون 115 دولارا أم أكثر؟