الدورة الاقتصادية العقارية
يقول آدم سميث أبو الاقتصاد الحديث إن العقار أساس الثروة، ويعد العقار المحرك الاقتصادي الأهم والمكون الأهم للنتاج المحلي الإجمالي. وينخرط في صناعة العقار ملايين السعوديين، سواء في تجارة الأراضي الخام أو المجزأة، سواء كانت تجارية أو سكنية، إضافة إلى العقارات المخصصة للمصانع والمستودعات والاستخدامات الحكومية والخاصة. وللعقار دورة اقتصادية يجتهد في بحثها ومعرفتها كثير من الاقتصاديين والمتخصصين في الشأن العقاري.
وتختلف الدورة العقارية الاقتصادية في مدتها ومدة مراحلها وخصائصها من دولة إلى أخرى، ولكنها جميعا تشترك في المكونات الرئيسية من منظور اقتصادي علمي، وهي موازية للدورة الاقتصادية العامة للدولة. ومثل الاقتصاد يمر العقار دوريا بأربع مراحل هي الانتعاش ثم التوسع ثم العرض المتسارع ثم الركود وهكذا. وحسب الشكل (1) تتميز كل مرحلة بخصائص وظواهر مصاحبة ومحددة تختلف في حدتها ونمطها. اعتمادا على نوعية الاقتصاد، سواء كان اقتصادا نفطيا أو صناعيا أو اقتصاد خدمات أو زراعيا. ففي مرحلة الانتعاش في قاع الدورة العقارية الاقتصادية تكون السوق في حالة طفرة وتشبع في العرض نتيجة التسارع الإنشائي أو ما يسمى أيضاً بالطلب السلبي، وتكون السعة الاقتصادية في قمتها، حيث يتم تدريجياً امتصاص العرض الزائد، كما ينخفض مستوى الإيجارات، وتستقر الأسعار ثم تبدأ في الصعود حتى تصل السوق إلى معدل الأشغال طويل الأجل، حيث يتعادل معدل نمو الإيجارات مع معدل التضخم. ثم تأتي مرحلة التوسع، حيث ينمو معدل الطلب بحيث يخلق الحاجة إلى وحدات ومساحات جديدة، حيث ينخفض معدل الأشغال وترتفع الأسعار، وتؤدي إلى جعل التكلفة مجدية لتوسعات جديدة، وفي هذه المرحلة يتسارع ارتفاع الطلب أكثر من العرض، ويؤدي ذلك إلى فجوة وحاجة إلى مساحات إضافية حتى يتعادل العرض والطلب في قمة الدورة العقارية الاقتصادية، وفي المرحلة الثالثة وهي العرض المتسارع والذي يحدث بعد تعادل العرض والطلب في قمة الدورة ثم يتسارع العرض، حيث تبنى وحدات ومساحات تفوق الحاجة ثم ينخفض نمو الإيجارات، وتتباطأ الإنشاءات ثم تتوقف، حتى يصل إلى مستوى أو خط معدل الأشغال طويل الأجل.
#2#
#3#
وهنا ندخل في المرحلة الرابعة، وهي الركود، حيث يصل خط الدورة منخفضاً دون خط معدل الأشغال طويل الأجل مع ارتفاع في العرض أو عرض سلبي أو منعدم. وتعتمد مدة هذه المرحلة على مدى الفرق بين نمو العرض، ونمو الطلب، وتصل الدورة للقاع، حيث تتباطأ الإنشاءات وإكمال الأعمال المنشئة ثم يبدأ الطلب بالنمو بأسرع من العرض المقدم للسوق.
وفي الشكل (2) تظهر لنا أنواع العقارات المستفيدة أو المتضررة في كل مرحلة. وهنا أود أن أنبه لأهمية هذه المادة العلمية لأن تطبيقها على الاقتصاد العقاري السعودي سيساعد آلاف الملاك والمستثمرين على معرفة أي القطاعات أجدى للاستثمار في كل مرحلة بما يحميهم من المجازفة بأموالهم واستثماراتهم.
كما أن مرونة أو ليونة العرض تعد عاملا مهما ومؤثرا في طبيعة الدورة العقارية، حيث إن عرض 500 فيلا في مدينة جدة أو الخبر سيؤثر سواء في تسارع أو تباطؤ الدورة والعكس في مدينة الرياض، حيث تعد مرونة أو ليونة العرض في مدينة الرياض عالية. بحيث أن نفس العدد من الفلل لن يكون ذا تأثير وربما عرض عشرة آلاف فيلا أيضا لن يؤثر في مدينة الرياض. وذلك على فرضية العمل بأخلاقيات وشرف المهنة وحسن النية.
وفي المملكة تكون الدورة العقارية السكنية هي الأطول مدة يليها العقارات التجارية ثم الصناعية . ونشاهد اليوم توسعا في عرض المستودعات والعقارات الصناعية، وتباطؤا في الأسواق التجارية الكبرى ومرحلة توسع لقطاع الإسكان وهي الوحدات الممولة من صندوق التنمية العقاري، ما سيؤثر في مستوى الإيجارات الذي بدأ مرحلة الاستقرار ومستوى المبيعات، الذي يمر أيضا بمرحلة استقرار وسنرى- بإذن الله- قريباً تصحيحا في الأراضي الخام والوحدات السكنية الكبيرة فوق الألف متر.