أجمل قصة عن اللغة (2 من 2)

أحصت اليونيسكو ما يقارب ستة آلاف لغة حية على سطح الكرة الأرضية، 50 في المائة منها مهددّ بالانقراض ويرفع المختصون المتشائمون الرقم لـ 90 في المائة!
في الجزء الثاني من الكتاب تطرح الآراء حول العدد المتوقع للغات الحية، كيف يمكن إحصاؤها إن حصل ذلك؟ ولماذا تنقرض؟
إحصاء اللغات ليس بالأمر السهل طبعاً على الرغم من أننا نظرياً نستطيع التفريق بين لغتين عندما لا يفهم أحد المتحدثين كلمات الآخر، وهذا يطرح تساؤلا آخر حول الحدّ الأدنى أو النسبة التي يمكن أن نعتبر بها الكلام مفهوما أو العكس بطبيعة الحال.
كما أن هناك عقبة أخرى في تصنيف وإحصاء اللغات ألا وهي "اللهجات المحلية" والتفريق بها وبين "اللغة" وذلك من أكثر المسائل المبهمة المعالم.
فالسويدي ـ مثلا ـ يمكنه فهم النرويجي على الرغم من تباين لغتيهما وذلك باعتبار أن "اللغة" هي لهجة محلية كُتب لها النجاح.
كما يشرح لنا هذا الجزء من الكتاب أن اللهجة المحلية تتأهل لتصبح لغة بسبب اعتبارات سياسية أحياناً، إذ إن الدول نفسها تقرر ما إذا كانت اللهجة تستحق الاعتراف الرسمي والاستخدام أم لا.
ففي الهند على سبيل المثال ثماني عشرة لغة دستورية إلى جانب الهندية والإنجليزية غير أن سكان الهند يتحدثون أكثر من 400 لغة، تدرّس ستون لغة منها في المدارس.
كيف تصنف اللغات لدى الألسنيين؟
هناك معايير عدة يتبعها المختصون في اللغات واللسانيات تصنف اللغات بحسب نمط الأصوات التي تملكها وإمكانية تصريفها وإعرابها وترتيب المفعول به والفعل أو كلمات الجملة بشكل عام.
في الجزء الثالث والأخير من الكتاب تتمّ مناقشة اللغة لدى المواليد، كيف نكتسب نحنُ البشر اللغة؟ ومن أين جاءت؟
سيتفق الباحثون على أن اللغة ملكة في الواقع وكفاية دماغية بحتة، ولكن بغية التعبير عن هذه الكفاية يحتاج العقل البشري إلى عدد من الناقلات التي تصل بينه وبين العالم الخارجي، وهي في الغالب جهاز النطق المؤلف من الفمّ والحنجرة والوترين الصوتيين ومن هنا ينتج الكلام.
يدرج الكتاب حكايات مدهشة عن تجارب العلماء على الأطفال واللغة لديهم، ونحن لا نملك إلا أن نقول "سبحان الخالق ـــ عزّ وجلّ" فالطفل يتعرف على لحن الكلام أولا أي ما يسمى "علم العروض" وفي توضيح ذلك تم إجراء تجارب على أطفال لا تتجاوز أعمارهم شهرين لاستيضاح تأثير الاستماع للهجات مختلفة ومدى تفاعلهم معها.
ولكن ماذا عن بدء الاتصال اللغوي بين الطفل وذويه؟
هنا يبدأ الحديث عن "الثغثغة" التي كنّا نعتقد أنها أصوات اعتباطية يصدرها الأطفال، لكنّ الدراسات أثبتت أنها ترتبط باللغة الأم!
ففي دراسة أجريت قبل عشرين عاماً على مجموعة من الفرنسيين الراشدين طلب منهم الاستماع لمجموعة من ثغثغات الأطفال من جنسيات مختلفة، فرنسيين وعرب وكانتونيين يبلغون من العمر ثمانية أشهر.
وقد تمكن البالغون من التعرف على ثغثغات الأطفال الفرنسيين بنسبة 70 في المائة، والسبب في ذلك أن الثغثغة تتبع إيقاع اللغة الأم نفسه وهنا يمكن تشبيهها بضبط الأنغام بالنسبة لعازف البيانو.
من أكثر المعلومات التي استوقفتني طرافة تلك المتعلقة بمعجم المفردات الأولى التي يتعلمها الأطفال واختلافها من بلد لآخر، في كوريا يتعلم الأطفال الأفعال أكثر من أطفال بريطانيا الذين يعتمدون على الأسماء. أما أطفال اليابان فيتعلمون صيغ المجاملة التي هي أساسية في اللغة اليابانية ويستخدمونها بسرعة فائقة!
الخبر الجيد في كتاب "أجمل قصة عن اللغة" أنه ما من تحديد لعدد اللغات التي يمكن للمرء أن يتعلمها، لكنه وبعد عدد منها سيبدأ بإظهار لكنة لغته الأم في بعضها.
ومن أدلة هذه الملكة العظيمة تمكن العالم وليام جونز ـ مصنّف اللغات الحديث ـ وهو رجل قانون إنجليزي من التحدث بثلاث عشرة لغة بطلاقة وكان باستطاعته تدبر أمره في ثمان وعشرين لغة أخرى!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي