ارفعوا أصواتكم بالقراءة!
لا تخفى عنّا الأهمية العظيمة المرتبطة بالقراءة بشكل عام، وتلك المرتبطة بالقراءة كفعل دوريّ وعادة يومية لدى الأسرة. لكنني سأتحدث عن القراءة بصوت مرتفع ومسموع بشكل خاصّ. فأطباء الأطفال يوصون بذلك في فترة مبكرة من عمر الطفل تبدأ من شهره السادس تقريبا، لماذا؟
لأن الدراسات المختلفة أشارت إلى أن القراءة للطفل بصوت مسموع تحسن من أدائه اللغوي والقرائي عندما يصل للسنّ المناسبة للبدء بها. إضافة إلى تكوين روابط ''صحية'' بين الوالدين والطفل عن طريق ممارسة نشاط ثابت وقريب كلّ يوم.
إضافة للدراسات والتجارب تأسست المنظمات غير النفعية التي بدأت بالعمل حول العالم وأذكر مثالاً عليها منظمة Reach Out And Read الأمريكية التي تزود العائلات بالكتب للأطفال من عمر الأشهر الستة وحتى سن الخامسة مراعية بذلك ما يفيدهم ويوفر لهم بنية تحتية معرفية جيدة. هذه المنظمة تتلقى الدعم من إدارة التعليم الأمريكية وحاصلة على جوائز عدة من بينها جائزة الأونيسكو لمحو الأمية. والتجربة ليست حكرا على أمريكا فقط، بل امتدت لمبادرات حول العالم، وهناك مشاريع محلية تدعم توفير الكتاب للأطفال والأسر.
مجلة ''نيويوركر'' الشهيرة وفي مقال متخصص بالكتب أطلقت مبادرة ''القراءة بصوت مرتفع'' أخيرا، بالاستناد إلى المنفعة الحاصلة مع الأطفال.
أي ما دامت التجربة ناجحة وصالحة للتطبيق لماذا لا تصبح القراءة بصوت مرتفع عادة لدى الكبار؟
بالنظر للجذور التاريخية لذلك تشير المجلة للعصر الفيكتوري مثلا حيث كان الإنجليزيون يرفهون عن أنفسهم بالجلوس في غرف الرسم والاستماع لمقاطع من الشعر والروايات يقرأها عليهم أحد الجالسين بينما يحتسون الشاي.
ومن إنجلترا العصر الفيكتوري لعمال مصانع السيجار في كوبا القرن الـ 19، حيث كانت تقرأ عليهم الأخبار والقصاصات المختارة ليس لترفيههم بقدر ما هي محاولة لرفع كفاءة أدائهم في العمل.
في مقال سابق تحدثت عن كتاب منوع وشيق وطرحت فكرة قراءته بصحبة العائلة والأصدقاء، وجاءت هذه البادرة لتذكرني بذلك، كما يجتمع الأصدقاء أمام شاشة التلفاز لمشاهدة مباراة في كرة القدم أو فيلم يمكنهم أيضا الاجتماع والاستماع لقراءة من كتاب.
تقول دراسة أمريكية طبقت في إحدى الجامعات وضمن مادة نقد الشعر، بأن القراءة بصوت مرتفع تساعد على رفع معدل الاستيعاب والنقاش أيضا.
المتعة والمنفعة المشاركة هذه تفيد البالغين فائدتها للأطفال، أن يحدد الوالدان أو كلاهما وقتا أسبوعيا تجتمع الأسرة فيه لتشارك مقاطع مختلفة من الكتب يعيد لغرفة الجلوس بهجتها في وقت تعاني فيه كثير من الأسر من العزلة التي خلقتها وسائل الترفيه الافتراضية.
وهنا يفيد التذكير للحرص على عدم تقييد حرية الاختيارات التي يأتي بها أفراد الأسرة أو الأصدقاء، الهدف أولا الترفية وتشجيع ''الخجول'' منهم على المشاركة برأيه من هذا المدخل المريح نفسيا.
تتحدث فلورا أرميتا كاتبة المقال في الـ ''نيويوركر'' عن نجاح عدد من الأزواج الذين قاموا بتجربة القراءة بصوت مرتفع في تجاوز ليالي الأرق الطويلة والقلق، ببساطة كان أحدهما يقرأ للآخر ليوجّه متاعبه وما يشغله لمكان آخر.
أو القراءة في طرق السفر الطويلة، وانتظار تجاوز المشكلات الصحية والشفاء، كلّ هذه المواقف يمرّ بها الإنسان على مدى حياته ويفشل أحيانا في صنع تواصل جيد مع شريكه خلالها.
إنّ قراءة الاقتباسات المفضلة من كتاب ما وإهدائها للزوج ـــ أو الزوجة ـــ يشبه حمل باقة أزهار في طريقكم إلى المنزل هكذا ببساطة تشرح الكاتبة أثر القراءة بصوت مرتفع.
قد لا تكونون من المبادرين للوقوف والقراءة في حصص المطالعة، ولكنّ القراءة بصوت مرتفع أمر يستحق التجربة، ابدؤوها مع أنفسكم ولاحظوا الفرق وانقلوها لاحقا لغرفة الجلوس.