الاقتصادات الإفريقية تعيش ربيعا غير مسبوق

الاقتصادات الإفريقية تعيش ربيعا غير مسبوق

يقول أحدث تجسيد للسير بوب جيلدوف شيئا ما حول مكانة إفريقيا المتغيرة في العالم. وهذه ليست المرة الأولى التي يسعى فيها نجم الروك الذي أصبح منظم حملات لمساعدة إفريقيا، وإعفائها من الديون، إلى جمع قرابة مليار دولار. وفي هذه المرة على أية حال، فإنه يأمل في دعم الاستثمارات في قارة كان يميل إلى تصوريها كحالة يائسة في حاجة ملحة بشكل دائم إلى التبرعات.
لم يكن تحوله إلى معلم مرشد في مجال الأسهم الخاصة بلا أية جدوى. وكان الرجل الأساسي في الفرقة الغنائية سابقا، "بومتاون راتس"، ثم فرقة "باند إيد"، يصارع منذ الأزمة المالية العالمية لجمع ما يكفي من التمويل لصندوقه، "إيت مايلز"، أو (ثمانية أميال) الذي تمت تسميته تيمنا بالمسافة بين أوروبا وإفريقيا عند مضيق جبل طارق. ولكن رحلة السير بوب، على الرغم من ذلك تنسجم مع التحول في المفاهيم العالمية.
حيث إن العديد من اقتصاداتها البالغ عددها 48 اقتصادا يتعافى من الأزمة على نحو أسرع من باقي العالم، ينظر إلى منطقة إفريقيا جنوب الصحراء بشكل متزايد على أنها فرصة وليست عبئا. وترتفع إلى أعلى أجندة مديري الاستثمارات العالمية سريعا، ويدور الحديث حولها بشكل لم يسبق له مثيل في جميع المراكز المالية العالمية الكبيرة تقريبا.
طوال السنوات القليلة الماضية، كانت هناك أسماء كبيرة، بما فيها اسم جيمي ديمون، الرئيس التنفيذي لبنك جيه بي مورجان تشيس في الولايات المتحدة، تظهر في أماكن مثل غانا التي أصبحت غنية بالنفط حديثا. وفي لندن، من المتوقع أن تكمل "هيليوس إنفسيتمنت بارتنرز"، وهي شركة استثمارية أسسها شباب من نيجيريا، الاشتراكات في صندوق بقيمة 900 مليون دولار، أكبر تجربة لشركة خاصة لجميع الأموال التي تستهدف إفريقيا. ويأتي هذا في الوقت الذي تدعم فيه المجموعة الأكبر حجما، "كارلايل جروب" الأمريكية، القارة للمرة الأولى، حيث تقوم بتأسيس عملياتها في جنوب إفريقيا ونيجيريا - أكبر اقتصادَين في إفريقيا جنوب الصحراء.
ينبع الإدراك بأن إفريقيا وصلت إلى نقطة تحول - نقطة تحول تختلف نوعيا عن فترات الفجر الزائف السابقة - من مزيد من الظروف العالمية والإقليمية. ويقول مايكل ترنر، المدير العام في شرق إفريقيا لـ "أكتيس"، صندوق بريطاني تدعمه صناديق التقاعد، وصناديق الثروات السيادية، ومؤسسات التنمية الدولية: "إذا أمكن السيطرة على السياسة، فإن هناك المواهب والموارد في إفريقيا لتصبح هذه القصة حقيقية. وكلما زاد عدد الأشخاص الواثقين بهذه الفكرة، زاد عدد اللاعبين الكبار ممن سيبدأون بالقدوم، وخصوصا الآن حيث إن المؤسسات الأمريكية الكبيرة، مثل مجموعة كارلايل، تأتي فعليا".
حفز تحرير الأسواق النمو، وحسّن الإدارة العامة لمصادر التمويل، فضلا عن الطفرة في السلع التي تتوفر بكثرة في إفريقيا. وعلى الأرجح أن العامل الأكبر كان اشتراك القوى الناشئة، بما فيها الهند والبرازيل، ولكن بقيادة الصين. وولد الطلب الآسيوي على الموارد الإفريقية نهضة في الشروط التي تقايض بها القارة.
يوجد في إفريقيا نحو 10 في المائة من احتياطيات النفط العالمية، وربما أكثر. ويوجد في جنوب إفريقيا 40 في المائة من الذهب العالمي. ويوجد في القارة أكثر من ثلث جميع احتياطيات الكوبالت المعروفة، وتتوفر المعادن القاعدية بكثرة. وحصلت الصين خلال السنوات الأخيرة على نحو نصف وارداتها من الألمنيوم، والنحاس، والحديد، والنفط من إفريقيا. وبالكاد تم لمس الإمكانات الزراعية للقارة.
لكن القصة لم تعد تتعلق بالموارد فقط. فقد تزامن الارتفاع الحاد في أسعار السلع مع التوسع السريع في المصرفية والاتصالات، والخدمات الأخرى التي تم التقليل من شأنها في السابق بسبب العوائق التي تضعها الدولة. وأسهم هذا الأمر، إضافة إلى الوتيرة البطيئة للتعافي في العالم المتقدم، في تشجيع المستثمرين من أماكن أخرى، بما فيها أوروبا والولايات المتحدة، على النظر إلى إفريقيا بأعين مختلفة.
يقول جراهام ستوك، من "أنسبارو أسيت مانجمينت"، صندوق التحوط في لندن: "كان نمو الناتج المحلي الإجمالي 2.9 في المائة خلال الأزمة، وعاد الآن ليصبح ما بين 5 إلى 5.6 في المائة. وإذا نظرت إلى العوامل السكانية، وهبة الموارد، وبيئة السياسة الأحسن، فإن إفريقيا تبدو وجهة استثمارية جذابة. وفي المقابل، لا تبدو الصورة في الأسواق المتقدمة والأسواق الناشئة الأخرى بهذه الصورة المتفائلة".
كما أن الإنفاق الاستهلاكي في ارتفاع كذلك بأكثر من ضعفي معدل مثيله في البلدان المتقدمة. وأشار النمو الاستثنائي في الاتصالات إلى سوق كانت قلة من المجموعات الاستهلاكية، والصناعات الخدماتية تفكر بشأنها كثيرا في السابق - وسوق إذا تم شمول شمال إفريقيا ضمنها فسيتجاوز عدد سكانها مليار شخص.
كتبت شركة الاستشارات الإدارية، "أيه تي كيرني"، في بحث حديث وجد أن فروع الشركات في غرب إفريقيا تحقق قرابة ضعف الهامش الربحي الذي تحققه المجموعات الأم، قائلة: "لم يعد السؤال الذي يطرحه التنفيذيون في شركات السلع المغلفة الاستهلاكية هو ما إذا كان يجب على شركاتهم دخول المنطقة أم لا، ولكن أين وكيف". وأما الأبحاث الأخرى التي تجمع المعلومات من البنوك الاستثمارية والمؤسسات المالية الدولية، فإنها تسلط الأضواء على إمكانيات إفريقيا - أو على الأقل جزء منها - لتصبح دافعا مهما للتوسع الاقتصادي العالمي في السنوات المقبلة.
لا أحد يتسم بالمنطق يعتقد أن الطريق ستكون سلسة بالنسبة إلى جميع بلدان إفريقيا جنوب الصحراء. ولكن في كل قطاع تقريبا يتفوق الطلب على العرض. ويقول مايكل لالور، من شركة إرنست أند يونج: "إن الواقع هو أن إفريقيا تتخلف على الأرجح 30 عاما عن الصين، و20 عاما عن الهند على المنحنى التنموي في هذا الخصوص. وبناءً عليه، فإنني شخصيا أعتقد أن الصينيين والهنود سيبدأون بالنظر إلى مناطق في إفريقيا على أنها مواقع محتملة للتصنيع متدني التكلفة، ولإسناد المهام، وأمور مثل هذه".
أثناء المنتدى الاقتصادي العالمي لإفريقيا الذي انعقد في كيب تاون أخيرا، لاحظت ماريا راموسن، الرئيسة التنفيذية لـ "أبسا"، بنك جنوب إفريقي يمتلك حصة الأغلبية فيه بنك باركليز في المملكة المتحدة، أنه في حين ركزت مثل هذه الاجتماعات قبل عقد مضى على المساعدة، ومحاربة مرض الإيدز، كانت المحادثات الآن تتمحور حول الاستثمار والنمو. وقالت للـ" الفاينانشيال تايمز" في مقابلة معها: "حينما تسير في كافة الأرجاء هنا، تلمس أن الأجواء، والاجتماعات تتمحور حول ما يسبب العوائق أمام المزيد من الاستثمارات: أين أفضل النماذج في العالم لجعل التعرفات الجمركية تنجح، وكيف نحسن تنافسيتنا؟".
تولت راموس حديثا مسؤولية توسعة عمليات إفريقيا في بنك باركليز تحت قيادة بوب دايموند، الرئيس التنفيذي للمجموعة الذي وصف إفريقيا بأنها "الفرصة الأكثر إثارة على الأرجح" في شتى أرجاء العالم.
ما زالت الأرقام صغيرة نسبيا. وتشكل إفريقيا نحو 5 في المائة فقط من تدفقات الاستثمارات الأجنبية العالمية المباشرة. ويتوقع البنك الدولي أن تصل الاستثمارات الأجنبية المباشرة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء في عام 2011 إلى 40.8 مليار دولار، بزيادة عن 32 مليار دولار في العام الماضي. ولكن بحلول عام 2015 سيعادل عدد المستهلكين الأفارقة الجدد الرقم الإجمالي في البرازيل اليوم، حسبما يتوقع بعض المحللين، حيث إن الطبقة الوسطى تتوسع، ويزداد الاستهلاك المنزلي وفقا لذلك.
يقول لالور، من شركة إرنست أند يونج: "كانت لدينا مصالح هائلة عبر نطاق الزبائن الصينيين، والهنود، والأمريكيين، والشرق أوسطيين، والأوروبيين. واستضفنا أكثر من 100 شركة في مركز عملنا الإفريقي في العام الماضي للحديث عن استراتيجيتهم للنمو. وفي أي عام آخر قبل ذلك، كنا سنكون محظوظين لو كان لدينا خمس، أو ست شركات".
مع ذلك، فإن معظم الحديث حول التغيير ما زال يتمحور حول ما يمكن أن يكون، وليس ما هو موجود فعليا. وتبقى بعض الأساسيات كما هي تقريبا.
نمت حصة شرق آسيا من الصادرات العالمية بشكل مذهل، من 3.3 في المائة عام 1980، إلى 8 في المائة في عام 1995، ثم إلى 14 في المائة بحلول عام 2008. وفي غضون ذلك، أظهرت حصة بلدان إفريقيا جنوب الصحراء القليل من التقدم، وتتباين ضمن نطاق 1.3 إلى 1.6 في المائة. كما لم تتغير تركيبة الصادرات كثيرا، وتدفعها بالأساس المواد الخام.
كانت هناك جلبة حينما قال بنك التنمية الإفريقي أخيرا إن واحدا من بين كل ثلاثة إفريقيين يعتبر من الطبقة الوسطى الآن. ولكن شمل ذلك أشخاصا ينفقون ما بين 2 - 4 دولارات يوميا - بالكاد أن يتحمل المرء نفقة شراء سيارة أو ثلاجة على الأرجح - وأظهر تقرير بنك التنمية الإفريقي ذو الطباعة الجيدة أنه حينما نتجرد "من هذه الطبقة العائمة"، فسنكون في غاية الهشاشة بحيث سنسقط عائدين إلى حالة الفقر، وكانت نسبة الطبقة الوسطى الإفريقية في العام الماضي ما زالت 13.4 في المائة، أدنى مما كانت عليه عام 1980.
تبدأ أحدث مراجعة سنوية قامت بها لجنة تقدم إفريقيا التي كان يرأسها كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بملاحظة متزنة مفادها أن "التقدم، والتأخر، وحالة التردي المثبطة، عناصر تتعايش جميعها في القارة". وعلى الرغم من تعافي إفريقيا، يبقى النمو بنوعية متدنية، ولا يصاحبه "التحول الهيكلي، والتنوع الضروريان للغاية"، وبناءً عليه، لا يوفر الوظائف اللازمة.
تقول دامبيسا مويو، الاقتصادية من زامبيا: إن العديد من الحكومات الإفريقية ما زالت تفشل في اتخاذ بعض الخطوات الأكثر وضوحا لتسهيل الاستثمارات. وعلى الرغم من أن تسجيل وفتح شركة في رواندا لا يستغرق سوى ثلاثة أيام، على سبيل المثال، إلا أنه يقابل ذلك 213 يوما في غينيا.
وتقول مويو في هذا الصدد: "أمام الحكومات مسؤولية توفير السلع العامة، وتوليد بيئة سياسة من شأنها أن تشجع الناس على الاستثمار، والتأكد من وجود إطار تنظيمي يعمل على معاقبة الأشخاص على سوء السلوك، ولكن كذلك التدخل حينما تخفق الأسواق". وتستطرد قائلة: "من الواضح تماما أن الصينيين، والبلدان الناشئة الأخرى، كانت قادرة على تقديم هذه الأمور الثلاثة. ولكن إذا نظرت إلى البلدان الإفريقية، فإنها ما زالت لا تقدم شيئا".
يمكن إيجاد البراهين على أخطاء الإدارة في حجم هروب رأس المال. وتقدر "جلوبال فاينانشيال إنتجريتي"، المنظمة غير الحكومية في واشنطن، أن نحو 358 مليار دولار تدفقت خارج إفريقيا بسبب الكساد، وسوء التسعير التجاري، والأنشطة غير القانونية الأخرى، وذلك بين الأعوام 2000، و2008.
كما أن الدخول بالنسبة إلى أولئك المستثمرين الذين يتخيلون أن بإمكانهم الغوص في إفريقيا فجأة، ليس مباشرا كما يعتقدون. وتبقى عيوب البنى التحتية، على الرغم من برنامج متسارع لبناء الطرق والسكك الحديدية تم تنفيذه في أماكن عديدة من قبل الصينيين، عائقا أمام النمو، بينما تعتبر الأسواق مجزأة، ومن الصعب تقدير مستويات المخاطر بالنسبة إلى القادمين الجدد.
يقول كريس ديركسن، من "إنفيستيك أسيت مانجمينت" في جنوب إفريقيا: "حينما تريد توزيع رأس المال على الفرص المختلفة، يصبح من الصعب تماما الإبحار عبر الأنظمة السياسية المختلفة، والتقلبات السياسية. وبإمكانك التحدث بشروط عالية المستوى حول مليار مستهلك، ولكنك تمضي وتحاول فعليا التعامل مع ذلك المليار، ولكن الأمر ليس سهلا ومباشرا".
لكن في الاقتصادات الأكبر حجما، حيث الحكومات تخلت عن السيطرة على قطاعات مهمة، قدمت إفريقيا فعليا فرصا ضخمة. وفي حالة الاتصالات في بلدان تتضمن كينيا، ونيجيريا، أضاف هذا الأمر نسبة مئوية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الكلي سنويا خلال العقد الماضي. وإذا تم تنفيذ الأمر ذاته فيما يتعلق بالسلطة - على سبيل المثال في نيجريا، أكبر سوق في القارة، التي تترنح على إمدادات الكهرباء التي بالكاد تخدم مدينة أوروبية صغيرة - فإن إمكانية التغيير ستكون أكبر رغم ذلك.
يقول توبي لاواني، المؤسس المشارك لشركة هيليوس: "في معظم المناطق، حيث استطاع القطاع الخاص الدخول، يجني أولئك الذين بإمكانهم فك الشيفرة التشغيلية عوائد مهمة". ولكن، حسبما يقول كذلك: "أصبحت الحكومات الإفريقية أفضل في الابتعاد عن الطريق. ولكنها لم تقم بشكل إجمالي بتنفيذ ما يفترض بها أن تنفذه". وإلى أن تفعل، فإن من المحتمل أن تبقى وتيرة التغيير أبطأ مما يمكن أن تكون.

الأكثر قراءة