تطوير المنتجات الاستثمارية .. الصناعية الزراعية

تشير دراسات اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا ''الأسكوا'' إلى أن منطقة غرب آسيا، أو ما يسمى منطقة ''الأسكوا''، هي من المناطق الجغرافية الأقل على مستوى العالم في الموارد المائية. تضم ''الأسكوا'' 13 دولة في غرب آسيا ومصر.
تصنف 70 في المائة من دول ''الأسكوا'' على أنها مناطق ذات مخزون شحيح جدا، أو شبه معدوم، من الموارد المائية. والدافع خلف هذا التصنيف كون منطقة ''الأسكوا'' تحتوي على 0.4 في المائة من الموارد المائية الموجودة في العالم، على الرغم مما يشكله سكان ''الأسكوا'' من 3 في المائة من تعداد السكان العالمي.
عديدة هي الفوائد عندما ننظر إلى إحصاءات الموارد المائية في منطقة "الأسكوا". تتباين أنواع الموارد المائية ونسبها في منطقة ''الأسكوا'' بين مياه سطحية بنسبة 81 في المائة، ومياه جوفية بنسبة 9 في المائة، ومياه غير تقليدية بنسبة 10 في المائة. تتباين كذلك أنواع موارد المياه غير التقليدية من مياه الآبار بنسبة 66 في المائة، ومياه الصرف الصحي المعالجة بنسبة 20 في المائة، ومياه تحلية مياه البحار بنسبة 14 في المائة. تتباين كذلك قنوات استهلاك الموارد المائية ونسبها في منطقة ''الأسكوا'' بين الاستهلاك الزراعي بنسبة 84 في المائة، والاستهلاك الصناعي بنسبة 8 في المائة، والاستهلاك المنزلي بنسبة 8 في المائة.
تقودنا إحصاءات الموارد المائية هذه عن منطقة ''الأسكوا'' إلى النظر عن قرب عن مثيلات هذه الإحصاءات في السعودية. تشير إحصاءات ''الأسكوا'' إلى أن معدل منسوب سقوط الأمطار السنوي في السعودية يقارب 112 ملم نسبة منخفضة، كون معدل منسوب سقوط الأمطار السنوي في العالم 250 ملم. وتتفاوت مناطق المملكة في هذا المعدل بين أقل من المعدل السنوي، كما هو الحال في جنوب شرقي السعودية، إلى أعلى من المعدل السنوي، كما هو الحال في جنوب غربي المملكة بمعدل 600 ملليمتر سنوياً.
كما تشير إحصاءات ''الأسكوا'' إلى أن معدل استهلاك الفرد في السعودية في الوقت الراهن يعادل قرابة 95 في المائة من كمية الموارد المائية المتوافرة. ويتوقع أن يزداد معدل استهلاك الفرد في السعودية عام 2020 ليصل إلى 317 في المائة من الموارد المائية المتوافرة.
يعني هذا الرقم أن قضية استهلاك المياه في السعودية ستكون أمام تحدي عجز في كمية المياه المتوافرة للمستهلك بمقدار 217 في المائة بحلول 2020. السبب خلف نشأة هذا العجز هو التفاوت الكبير بين معدل الاستهلاك السنوي ومعدل الإنتاج السنوي من الموارد المائية، حيث يقدر أن السعودية تستهلك قرابة 22 كيلو مترا مكعباً من المياه سنوياً، وتنتج في الوقت ذاته قرابة 2.5 كيلومتر مكعب. وتتم تغطية الفرق بين كمية الاستهلاك والإنتاج من خلال الاعتماد على الموارد المائية غير التقليدية، كمياه الآبار والصرف الصحي المعالج والتحلية.
تقودنا هذه الإحصاءات حول توقعات زيادة حجم الطلب على الموارد المائية في السعودية إلى النظر في أهم الأسباب الشمولية والموضوعية. من أهم الأسباب الشمولية، أولاً، توجه الاقتصاد السعودي نحو تنويع مصادره الطبيعية. وثانياً، زيادة معدلات النمو السكاني. وثالثاً، التوسع في القطاعات الإنتاجية ذات الاستهلاك العالي من المياه، كالقطاعين الصناعي والغذائي. ومن أهم الأسباب الموضوعية، ما يمكن أن أطلق عليه الثالوث المائي: الزراعة، الري، والألبان. كل طرف يشكل قناة استهلاك رئيسة للموارد المائية. حيث تستهلك الزراعة قرابة 80 إلى 90 في المائة من الموارد المائية في السعودية. تشير بعض أدبيات وزارة الزراعة - على سبيل المثال - إلى أن ما استهلكته زراعة القمح منذ السبعينيات الميلادية يبلغ قرابة 60 إلى 70 مليار ريال سعودي. وعلى الرغم من القرار الحكيم بوقف الدعم الحكومي للقمح والتوجه نحو الاستيراد حتى 2016، إلا أن التحدي الآخر ما زال يحتاج إلى مواجهة جريئة.
والتحدي الآخر هو أنظمة الري الزراعي القائمة في عدد ليس بالقليل من المناطق الزراعية في المملكة. تستخدم مجموعة من أنظمة الري تقنيات حديثة تعتمد على أسلوب الضغط العالي بهدف تغطية أكبر مساحة ممكنة من الحقول الزراعية.
إحدى أهم سلبيات هذه التقنية تبخر قرابة 40 إلى 50 في المائة من المياه خلال عملية الري، عطفا على قوة دفع المياه وحرارة الطقس. وعلى الرغم من ظهور تقنيات ري حديثة تسهم في معالجة هذا التحدي، إلا أن عدداً قليلاً من الأراضي الزراعية في المملكة يعتمد عليها كآلية ري رئيسة. ويأتي بعد تحدي الزراعة والري، تحد آخر يتمثل في صناعة الألبان ومشتقاتها. تحظى المملكة بعدد ليس بالقليل من مصانع الألبان ومشتقاتها. بلغت هذه الصناعة مراحل تنافسية متقدمة أوصلت منتجاتها إلى الأسواق العالمية. وعلى الرغم من هذه الإنجازات، إلا أن السلبيات تحتاج إلى وقفة تأمل. تشكل زراعة الأعلاف ومرحلة إنتاج الألبان محطات استهلاك رئيسة في صناعة الألبان ومشتقاتها. حيث تحتاج مزارع الأبقار إلى الأعلاف كعنصر غذائي رئيس لها. وتحظى الأعلاف المنتجة بجودة عالية مقارنة بالأعلاف المستورة. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن إنتاج أعلاف ذات جودة عالية يلزمه كميات كبيرة من المياه. وإضافة إلى الأعلاف، فإن مرحلة إنتاج الألبان ومشتقاتها تستهلك كميات كبيرة من المياه اللازمة لإنتاج المنتج النهائي كاللبن والحليب.
تقودنا القراءة السريعة في تحديات الموارد المائية في المملكة إلى النظر في آليات مواجهة حديثة. من الأهمية بمكان أن تأخذ أي آلية مواجهة جديدة في الحسبان أمرين: الأمر الأول استدامة دعم سياسات ومشاريع الأمن الغذائي. والأمر الآخر تحقيق الدعم الشمولي لجميع القطاعات الإنتاجية في آن واحد. من هذه الآليات المقترحة توفير منتجات استثمارية جديدة من شأنها الربط بين أربعة قطاعات إنتاجية سعودية. الأول قطاع الزراعة، والثاني قطاع صناعة الألبان ومشتقاتها، والثالث قطاع المياه، والرابع قطاع الخدمات الاستثمارية.
تتم آلية التنفيذ من خلال التحول التدريجي من زراعة الداخل إلى زراعة الخارج، ومن تصنيع الألبان ومشتقاتها في الداخل إلى تصنيعها في الخارج، ومن التقشف في معالجة الموارد المائية القائمة إلى التوسع فيها، ومن التركيز في منح المنتجات التمويلية إلى الانتشار في طرح المنتجات الاستثمارية. بمعنى آخر تطوير منتجات استثمارية تستهدف مشاريع إنتاجية تنموية مشتركة تربط بين قطاعات الزراعة، وصناعة الألبان ومشتقاتها، والمياه، بما يضمن - بعون الله تعالى - الحفاظ على مواردنا المائية، عنصر الحياة الرئيس، ''وجعلنا من الماء كل شيء حي''.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي