دول الخليج في تقرير الاستثمار العالمي 2011

مع الأسف الشديد، كشف تقرير الاستثمار العالمي لعام 2011، الذي أصدره مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) قبل أيام، عن تراجع مستويات الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دول مجلس التعاون الخليجي في 2010. الاستثناء الوحيد هو نجاح عمان في تسجيل نمو لافت في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة، وذلك على خلفية تعزيز الفرص الاستثمارية، خصوصا في القطاع السياحي في السلطنة.
وجاء الأداء الخليجي بشكل عام مغايرا للتوجه العالمي الذي شهد ارتفاعا في حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة دوليا بواقع 5 في المائة في 2010 كدليل مادي على حالة تعافي الاقتصاد العالمي من الأزمة المالية. في المقابل، تراجع حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة على مستوى العالم بنحو 18 في المائة في 2009 في خضم التكيف مع الأزمة المالية التي تم الكشف عنها في صيف 2008.

السعودية في المقدمة
وفي كل الأحوال، حافظت السعودية على مكانتها كأكبر مستقطب للاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة لمنطقة غرب آسيا. بلغت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للسعودية 28.1 مليار دولار في 2010 متراجعة عن المستوى السابق وقدره 35.5 مليار دولار. وشكلت الاستثمارات الأجنبية الواردة للسعودية 48 في المائة من مجموع الاستثمارات الواردة لمنطقة غرب آسيا، التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي فضلا عن إيران وتركيا. بالعودة للوراء، استقطبت السعودية استثمارات أجنبية قدرها 35.5 مليار دولار في 2009، فضلا عن 38.1 مليار دولار في 2008 و24.3 مليار دولار في 2007 و18.3 مليار دولار في 2006 و12 مليار دولار في 2005. حسب الأونكتاد، بلغ متوسط قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للسعودية 245 مليون دولار سنويا للفترة الممتدة من 1990 إلى 2000. في المجموع، يعد أداء السعودية في 2010 أفضل بكثير من المتوسط، خصوصا مقارنة بما كان عليه الوضع قبل سنوات عدة فقط.
يعود جانب من هذا الأداء المتميز بشكل عام على خلفية انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية في نهاية 2005 وما صاحب ذلك من تحسينات وتطويرات للقوانين والتشريعات الاقتصادية للمملكة التي شملت فتح قطاع الخدمات المالية أمام المنافسة الأجنبية. من جملة الأمور، قررت السلطات السعودية تقليص عدد الأنشطة المحظورة للمستثمرين الأجانب فيما يعرف بالقائمة السلبية.

تدني الاستثمارات الواردة
وفيما يخص أداء بقية دول مجلس التعاون الخليجي، عانى الاقتصاد القطري معضلة تراجع مستوى الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة من 8.1 مليار دولار في 2009 إلى 5.5 مليار دولار في 2010. لكن يتوقع على نطاق واسع صعود حجم الاستثمارات الأجنبية في قطر في استعداد البلاد لاستضافة فعاليات كأس العالم 2022.
من جهة أخرى، تم تسجيل تراجع طفيف في حجم الاستثمارات الأجنبية الواردة للإمارات ما يعني بقاءه في حدود أربعة مليارات دولار. الجدير ذكره، استقطبت الإمارات استثمارات أجنبية مباشرة قدرها 13 مليار دولار في 2008، لكن حدث هبوط كبير في قيمة الاستثمارات الواردة في أعقاب الكشف عن أزمة مديونية دبي وما أعقبها من انخفاض في مستوى الثقة بالاقتصاد الإماراتي برمته. كما تدنت قيمة الاستثمارات الأجنبية الواردة إلى البحرين من 257 مليون دولار إلى 156 مليون دولار في التقرير الأخير. بدورها، استقطبت الكويت استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 81 مليون دولار، ويعود هذا الأداء المخيب في جانبه للخلافات بين الحكومة ومجلس الأمة بشأن عملية الإصلاحات الاقتصادية، خصوصا فيما يتعلق بإشكالية السماح لشركات أجنبية بالاستثمار في القطاع النفطي.

أهمية الاستثمارات الأجنبية
يمكن تعريف الاستثمارات الأجنبية المباشرة بتلك الطويلة الأجل مثل الاستثمار في العقارات وإنشاء مصانع. وعلى هذا الأساس لا يدخل الاستثمار الأجنبي في سوق الأسهم ضمن هذا التعريف؛ لأنه قابل للتغيير في أي لحظة. لكن يختلف الأمر فيما يخص الاستثمارات الأجنبية المباشرة، حيث تبقى المباني والمصانع لفترة طويلة نسبيا حتى مع تغير الملاك.
يشكل الاستثمار الأجنبي مقياسا على وجود ثقة من قبل المستثمرين الأجانب في اقتصادات الدول الأخرى. تعتبر الاستثمارات الأجنبية المباشرة دليلا ناجحا على مدى قناعة المستثمرين الدوليين بأهمية الاستثمار في مختلف الدول، وذلك بالنظر للآفاق المستقبلية لتلك الاقتصادات. الشيء المؤكد هو أن هناك تقديرا عالميا لأهمية الاستثمارات الأجنبية المباشرة وقدرتها بالمساهمة في حل التحديات الاقتصادية المحلية مثل تطوير البنية التحتية وتعزيز المنافسة في السوق المحلية وإيجاد وظائف جديدة للمواطنين.
حسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ومقرها باريس، ليس كافيا إزالة القيود عن الاستثمارات الأجنبية المباشرة حتى يتم جلبها لبلد ما؛ نظرا لأن أغلبية دول تقوم بالخطوات المشابهة نفسها. بل تؤكد الدراسات أن المستثمرين الدوليين يرون أن هناك عوامل رئيسة تجذبهم للاستثمار في منطقة ما وتحديدا وجود البيئة التجارية وحجم السوق ونوعية البنية التحتية المتوافرة وإنتاجية العمالة.
يشمل مفهوم السوق المحلية إمكانية الوصول إلى الأسواق الإقليمية؛ ما يؤكد الحاجة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي الخليجي وتقديم الدول الست كوحدة اقتصادية متكاملة في إطار مشروع السوق الخليجية المشتركة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي