لي ذراع أوباما
تمنح الجنسية الأمريكية الكثير من المزايا لحامليها, ومن ضمن هذه المزايا تركة كبيرة من الديون التريليونية . وبما أن المواطنة تستلزم المشاركة في السراء و الضراء، لذلك فإن كل أمريكي منذ ولادته, يتحمل من ضراء ديون بلاده أكثر من 46 ألف دولار سنويا, بينما على كل دافع ضرائب أن يسدد أكثر من 130 ألف دولار سنويا حتى تتخلص أمريكا من ديونها. هذه المعادلة تنتج إذا تم تقسيم الدين على السكان الذين يتجاوز تعدادهم311 مليون نسمة, القادرعلى العمل منهم نحو 139 مليون نسمة, بينهم 24 مليون عاطل, وحجم المتقاعدين 65 مليون شخص.
أمريكا في هذه الأيام واقعة بين نيران صناع السياسة, باعتبار أنه بحلول الثاني من أغسطس ستغلق خطوط الائتمان أمام الخزانة للاستدانة. فمن جهة، يريد الديمقراطيون رفع سقف الدين إلى حد يكفي لتلبية الالتزامات وللاستمرار حتى عام 2013 مع محاولة خفض العجز بأكثر من 2.7 تريليون. لكن الجمهوريين, يهدفون من وراء خطتهم, إلى لي ذراع رئيس البيت الأبيض, لذلك يشجعون تقسيم الخطة إلى أكثر من مرحلة. في المرحلة الأولى هم يقترحون رفع سقف الدين, بمقدار تريليون دولار, قبل الثاني من أغسطس, مقابل خفض النفقات على مدى عشر سنوات بمقدار 1.2 تريليون دولار، ثم رفع سقف الدين مجددا مطلع 2012 في خضم الانتخابات الرئاسية. وفي كل الأحوال فأمريكا قامت سابقا برفع سقف ديونها 15 مرة, وإذا لم يترك أي خيار أمام البيت الأبيض, فإن الدستور يؤهل الرئيس لاستخدام الفيتو ضد خطة الجمهوريين.
لكن خوف الحكومة الأقوى هو من أرقام العجز التجاري الذي تجاوز 1.4 تريليون دولار. هذا العجز يكلف أمريكا ما يزيد على 1 في المائة من نمو الناتج المحلي سنوياً، وخسارة نحو مليون وظيفة سنوياً. إن العجز ناجم عن اختلال في صافي الصادرات الذي ينتج عن الفرق بين كميات الواردات وكميات الصادرات. إجمالا، تتألف مكونات الناتج المحلي من أربعة بنود هي, الاستهلاك، استثمارات الشركات، الإنفاق الحكومي و صافي الصادرات, لكن البند الأخير هو الأهم، ولأنه سلبي فهو المسبب الأكبر لإدخال أمريكا في عجزها التجاري خصوصا أمام الصين الأمر الذي يؤدي إلى تباطؤ نمو الاقتصاد وارتفاع البطالة، أي أن أساس الرعب هو العجز. ففي كل يوم عمل، يشتري المستهلكون الأمريكيون بمليار دولار من الصادرات الصينية، وهي أكثر مما يقوم المصنعون الأمريكيون ببيعه للمستهلكين الصينيين. كما أن الصين وحدها تمثل نحو 70 في المائة من عجز أمريكا التجاري. إن هذا الاعتماد على الواردات الصينية, قاد أمريكا لأن تصبح مدينة للصين بأكثر من تريليون دولار، في وقت تمتلك فيه الأخيرة أكثر من ثلاثة تريليونات دولار من احتياطيات العملة الأجنبية، ومعظمها بالدولار الأمريكي. فالتنين الصيني لديه مايكفي من الأموال لشراء حصص الأغلبية في كل واحدة من الشركات الأمريكية الكبرى على مؤشر"داو جونز" الصناعي، مثل "ألكوا"، و"كاتربيلر"، و"إكسون موبل" وغيرها.
قد يذهب البعض إلى حد القول بأن الصين تستطيع أن تركع أمريكا على ركبتيها, إذا ما هددت ببيع ما تملكه من احتياطيات دولارية. لكن هذا التصرف له أكثر من نتيجة ولن يقتصر فقط على خفض قيمة احتياطيات الصين بسبب ضعف الدولار، بل سيعرض الطلب الأمريكي على الواردات الصينية للخطر، كما سيجر بلبلة في البلد الآسيوي، وعدم استقرار نتيجة فقدان للملايين من الوظائف إذا انخفضت شهية شراء الامريكيين. بمعنى آخر فإن إجبارأمريكا على الركوع يعني إجبار الصين لنفسها على الركوع أيضاً.
تملك الصين نحو 8 في المائة من الدين الحكومي الأمريكي، بينما ثلث ذلك الدين تحوذه كيانات أجنبية والـ 70 في المائة الباقية يحوذها مستثمرون أمريكيون محليون. تتوزع قائمة المقرضين الأساسيين بحيث تستحوذ الصين على الحصة الكبرى في السندات الأمريكية تصل إلى 1,4 تريليون دولار, تليها اليابان بـ 890 مليار دولار, وبعدها السعودية 800 مليار دولار, ثم بريطانيا 295,5 مليار دولار, ومن بعدها الهند بنحو 180 مليار دولار.