ماذا يعني زيادة أو رفض زيادة سقف الدَّين الأمريكي؟
قبيل أيام، رفض مجلس الشيوخ الأمريكي مشروعا لرفع سقف الدين. وفي حال الإخفاق في التوصل إلى اتفاق على رفع سقف الدين العام بحلول يوم غد، فإن الخزانة الأمريكية لن تتمكن من الوفاء بالتزاماتها المالية.
التجاذب بين الساسة الأمريكيين لا يخلو من مكر. فغلاة اليمينيين من الحزب الجمهوري يرغبون في إسقاط الرئيس باراك أوباما. والحزب الجمهوري يبدو غير راغب في مساعدة الرئيس في محنته. أما الشعب الأمريكي فيبدو يائسا من مواعيد أوباما التي أطلقها إبان حملته الانتخابية عام 2008، ولم يستطع تحقيقها.
وقد تناولت معظم الصحف الأمريكية الصادرة في الأيام الماضية أزمة الديون التي تعصف بالولايات المتحدة بالنقد والتحليل. هناك نوع من الإجماع على الأزمة باتت خانقة وبدأت في الدخول في حلقة التدمير، وإنها بدأت تترك تداعياتها على الشعب الأمريكي بشكل مباشر، مع تواصل انخفاض معدل نمو الناتج القومي المحلي.
وعودة إلى السؤال ماذا يعني رفع السقف؟ وماذا يعني عدم الاتفاق على رفعه؟
رفع السقف يعني ضخ كميات هائلة من الدولارات بما يمكن أن يسمى التيسير الكمي 3. وهذا سيترجم إلى موجة تضخم. وغياب الاتفاق يعني تعريض الاقتصاد العالمي إلى الانكماش.
ومعلوم أن الميزانية الأمريكية تعاني من عجز كبير على مدى سنين كثيرة، تمول من الخارج والداخل بإصدار سندات. والدائنون يقبلون على شراء السندات اعتمادا على ثقة الأسواق الدولية في متانة وجدارة الاقتصاد الأمريكي.
تشير التقديرات إلى أن الحكومة الأمريكية تنفق شهريا 200 مليار دولار أكثر من إيراداتها. ويبلغ الدين حاليا قرابة 14.5 تريليون دولار. وأظهرت آخر التقديرات أن مؤسسة آبل عملاق صناعة الكمبيوتر والبرمجيات لديها سيولة مالية أكثر من الحكومة الأمريكية.
كانت مستويات الدين الحكومي الأمريكي معقولة نسبيا لا تزيد على نصف إجمالي الناتج القومي قبل سنين خلت. لكن مغامرات أمريكا العسكرية وتزايد إنفاقها في مجالات أخرى مقرونة بخفض ضريبي زاد الدين العام إلى معدلات قياسية حرجة. فمع بداية عام 2008، في ولاية الرئيس الأمريكي بوش الابن، بلغ رصيد الدين قرابة عشرة تريليونات دولار. وزاد الدين زيادة كبيرة خلال الأزمة المالية العالمية.
يضع الكونجرس سقفا لاستدانة الحكومة الأمريكية. وقد وصل الدَّين الآن إلى السقف الذي سبق أن قرره الكونجرس قبل عدة أشهر قليلة ماضية (قرابة 14.5 تريليون دولار).
مجرد التفكير بأن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على خدمة دينها سيكون صعبا ليس على أمريكا فقط، بل على العالم أجمع. لوزن وثقل الاقتصاد الأمريكي ومكانة الدولار. وكل هذا معلوم لدى الناس. ومعظم الدول الغنية، مثل الصين وبعض الدول الأوروبية والدول الخليجية مستثمرة رئيسة في سندات الخزانة الأمريكية.
لو استمرت مشكلة سقف الدين الأمريكي دون حل على المدى القصير (سواء يوم غد أو أبعد منه)، فستقوم وكالات التصنيف الائتمانية بخفض ملاءة الحكومة الأمريكية ودرجة تصنيفها، ولهذا عواقب شديدة الضرر في المدى القصير والمتوسط على الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي.
ستجبر الحكومة الأمريكية على دفع نفقاتها من قناة التدفق النقدي فقط. أي أنها لن تدفع بعض المستحقات، ومنها مستحقات التأمين والضمان الاجتماعيين. ومن المحتمل جدا أن تغلق بعض أجهزة الحكومة، وأن تمتنع أمريكا عن دفع بعض أو كل ما يتوجب دفعه من ديون حين يحل موعد سدادها. وربما يقرر فصل أعداد كبيرة من الموظفين.
ستقرر الحكومة أولويات للدفع. وسترتفع أسعار الفائدة بصورة كبيرة.
أما حكاية وضع أولويات فهي مسألة في غاية الصعوبة. سيكون هناك، بلا شك، ضحايا لما يسمى سياسة الأولويات.
سمعة الدولار ستتضرر، بصورة صعب إن لمن يكن من المستحيل إصلاحها. ستبدأ الدول في التخلص من الدولار بلا عودة. سيكون هناك رد فعل قاس من الأسواق المالية العالمية. جفاف جزئي في الإقراض، وضياع ملايين الوظائف حول العالم.
هل من المتوقع أن يحدث ذلك فعلا؟
بعيد جدا حدوثه. مواقف ومناورات، لكنها في النهاية لن تستمر بل سيعالج الأمر. وفي الأخير، فإن الأمر لله من قبل ومن بعد. وبالله التوفيق.