اليورو لا يزال في خطر
خلال غيابي القسري عن كتابة العمود، حاولت مواكبة الأحداث - ليس عن طريق قراءة عدد كبير من الكتب والتحليلات والخطابات، الأمر الذي كان ليتعارض مع تناول الطعام والنوم، بل عن طريق التفكير فيما كان يمكن أن يحدث لو لم تنضم اليونان إلى اليورو عام 2001. ولعل هذا التفكير ينطبق أيضا على دول أخرى أقل تقدما، مثل البرتغال، لكنه ربما يحتاج إلى تعديل فيما يتعلق بإسبانيا وإيطاليا وإيرلندا.
أول شيء يجب قوله هو أنه لم تكن الحكومة اليونانية، أو القطاع الخاص اليوناني ليتمكنا من الاقتراض لفترة طويلة جدا بأسعار الفائدة الألمانية. فقد كان سعر الحسم للدراخما يراوح بين 14.5 و21.5 في المائة في التسعينيات. وحل محلها حينها نسبة بالكاد تتمتع بالصدقية تبلغ 3.25 في المائة لسعر إعادة الشراء للبنك المركزي الأوروبي، ابتداء من عام 2002 فصاعدا. ومن المؤكد أن الدراخما ستنهار إما تدريجيا، وإما بشكل فجائي لو لم تكن في اليورو. وبالتالي كانت اليونان ستقترض مبالغ أقل في الأسواق الدولية وتستثمر بشكل أكثر حكمة.
هذه تعد المرحلة الأولية من التحليل، لكن ما كان سيحدث بعد ذلك يعتمد كما هو الحال في كثير من هذه الممارسات، على عدد لا يحصى من الوقائع المضادة.
في السيناريو الأكثر تفاؤلا كان يمكن أن تكتفي اليونان بالعملة المتراجعة تدريجيا وكانت أسعار الاقتراض الأعلى، لكن الأكثر واقعية، ستحد من حالات عجز الميزانية. وفي السيناريو الأكثر تشاؤما كان يمكن أن تنهار الدراخما فجأة، ما يؤدي إلى سلسلة مما يسمى أزمات. ويمكن للمرء أن يتصور اليونان وهي مضطرة للجوء إلى صندوق النقد الدولي، إلا أن الدولة التي تمثل 3 في المائة من سكان منطقة اليورو و2 في المائة من ناتجها لم تكن حينها ستشكل خطرا على الأنظمة المالية الأوروبية والدولية.
لكن قبل أن أخوض أكثر في الأخطاء التي تم ارتكابها - بعد فوات الأوان - من قبل الحكومات والمؤسسات المالية، عليَّ أن أنظر في بعض الأخطاء التي ارتكبتها. فعند مناقشة الدعائم غير التضخمية للجنيه الاسترليني، علقت ذات مرة بأنه يمكن للمملكة المتحدة أن تزدهر بالقدر نفسه بوجود بنك مركزي مستقل في بريطانيا وكعضو في منطقة اليورو على الطراز الألماني. وأخرجت من حساباتي وجهة النظر التي كثيرا ما تتكرر بأن اليورو بحاجة إلى سياسة مالية مشتركة. وأشرت إلى أنه لم يكن هناك سياسة من هذا النوع في أوج معيار الذهب الذي كان بمثابة عملة دولية مشتركة. والخطأ الذي ارتكبته هو استنتاج أوجه تشابه عديدة بين معيار السلع القائم على الذهب وما وصفه الاقتصادي الفرنسي، كريستيان سان إتيان، بأنه يورو تكنوقراطي يعتمد على الإجراءات التقديرية للجنة من المصرفيين المركزيين.
لقد اعتبرت الطبعة الأولى من كتاب البروفيسور سان إتيان، بعنوان ''نهاية اليورو''، هرطقة بحيث إنه اضطر للكفاح كثيرا من أجل نشره في ربيع عام 2009. ولم تتعرض الطبعة الثانية في عام 2011 لمثل هذه الصعوبات، التي ظهرت الآن باللغة الإنجليزية أيضا. وعلى الرغم من أن بعض أجزاء تحليله قد يبدو أنه يميل فوق الحد إلى النظرة الميركنتلية بالنسبة للقارئ الأنجلو ساكسوني، إلا أن فرضيته الرئيسية مقنعة للغاية. وهو يطرح خمس نقاط رئيسية. أولا، منطقة اليورو ليست منطقة العملة المثلى. وأنا أفضل القول إنها منطقة عملة ''مستدامة''، ولكن لنتجاهل ذلك. ثانيا، تحتاج بالتالي إلى ثلاثة خصائص للحالة المتكاملة: ''الحكومة الاقتصادية''، وميزانية فيدرالية، وإطار لسياسة المنافسة. ثالثا، هناك تباعد متزايد بين المجموعة التي تملك فوائض بقيادة ألمانيا، والتي تشكل ثلث سكان المنطقة، والمجموعة التي تعاني حالات عجز مع دول أقل تقدما مثل البرتغال واليونان. ولعل القراء الفرنسيين لن يعجبهم وضع دولتهم مع إيطاليا في المجموعة الثانية. رابعا، هناك احتمال اتخاذ إجراءات عقابية تجعل الدول التي تعاني العجز تمر بفترة طويلة من النمو المتواضع. خامسا، هناك احتمال تفكك منطقة اليورو، إما ''بشكل تنبؤي وإما بشكل مسيطر عليه''. ويريد الكاتب شخصيا وبشدة أن ينجح اليورو، لكنه يعتقد أن هذا يتطلب برنامج فيدرالياً حقيقياً. وخلافا للنقاد الفرنسيين الآخرين، فهو دقيق بشأن ما يعنيه بالحكومة الاقتصادية، وهي مؤسسة تعنى بإدارة الطلب في نطاق منطقة اليورو، وعلى عكس البنك المركزي الأوروبي، تهتم بالنمو وليس فقط باستقرار الأسعار. وهو دقيق أيضا بشأن الضرائب التي يجب نقلها للسلطة المالية الفيدرالية. وهذا لا يختلف كثيرا عن البرنامج الذي تحث الحكومة البريطانية منطقة اليورو على اتباعه.
ويحاول البروفيسور سان إتيان جاهدا أن يكون واقعيا. فحين كتب في وقت سابق من هذا العام، يقدر احتمال التوصل إلى حل فيدرالي حقيقي عند نسبة 1 في المائة، ويضع احتمال أن تتفكك منطقة اليورو إلى عملات منفصلة، أو تكتلات عملات عند 20 في المائة، واحتمال استمرار التخبط عند 80 في المائة، مع كل المخاطر التي تنطبق على الاقتصادات الأوروبية والدولية. وبعد أحدث حزمة إنقاذ يونانية، أتوقع أن يكون احتمال التوصل إلى حل فيدرالي حقيقي أعلى بكثير، مثلا 20 في المائة، لكن نتيجة للخطوات التدريجية وغير المكتملة بدلا من البادرة التي يريدها البروفيسور سان إتيان. وأتوقع أن يكون احتمال تفكك منطقة اليورو 25 - 30 في المائة مثلا. لكن حتى مع هذه التعديلات يظل احتمال التخبط أعلى نسبة.