سقوط إمبراطورية الإعلام.. ضعف إجراءات الحوكمة
سيطرت تداعيات فضيحة المجموعة الإعلامية التي يرأسها روبرت مردوخ على سماء الإعلام العالمي خلال الفترة الماضية. لم يكن ذلك مستغربا، فالفضيحة نُشرت عن واحدة من أكبر الصحف تخصصا في الفضائح في العالم ''نيوز أوف ذي وورلد'' News of the world ذات 168 ربيعاً، وكانت خلالها واحدة من أكثر الصحف الإنجليزية انتشارا بتوزيع أكثر من مليونين ونصف المليون نسخة أسبوعيا. قد تكون هذه الفضيحة هي أول مسمار يدق في نعش هذه الإمبراطورية الإعلامية العالمية التي سيطرت على فضاء الصحافة والتلفزيون والإنترنت من أمريكا إلى أستراليا مرورا ببريطانيا. لن نتناول في هذا المقال تفاصيل العمل الإعلامي الذي كان يتم في دهاليز صحيفة ''نيوز أوف ذي وورلد''، بصفتها الصحيفة الأشهر في هذه القضية، ولكن سنتناول بعضا من قضايا الخلل في إدارة وتشغيل هذه المؤسسة التجارية. فيمكن الربط بين ما يحدث للشركة الأم ''نيوز كوربوريشن'' News corporation المالكة للشركة البريطانية نيوز إنترناشيونال News International الناشر للصحيفة المغلقة، وبين كثير من قصص فشل الشركات وانهيارها مثل قصة أنرون Enron وورلد كوم WorldCom، وقصة بنك ليمان براذرز Lehman Brothers Holdings Inc. إن أسوأ ما يمكن أن يمر على هذه الشركات هو إدارتها بطريقة استبدادية تتواءم مع الفساد لتحقيق نجاحات مرحلية، ما تلبث أن تنهار في مواجهة أي تحد.
من الواضح أن هذه المؤسسات التجارية كانت تعمل بعيدا عن أي أخلاقيات يدعو إليها المجتمع، والهدف معروف مسبقا وهو تعظيم الأرباح والسيطرة على سوق الإعلام في تلك الدول، إضافة إلى بعض الدوافع والتي قد يكون من بينها دوافع عقائدية. تعددت إخفاقات هذه الشركة وخروقاتها لأخلاقيات المجتمع الذي ينادي للعدالة، ووظفت الإعلام بشتى أنواعه لخدمة أهداف لم تكن سوية.
أيضا فسلطة الإعلام عندما اقترنت بالمال، أصبحت موجها للرأي العام والرأي السياسي بشكل مباشر. حتى أصبح الساسة في تلك الدول يخطبون ود هذه المؤسسات الصحفية، خوفا من سياط العذاب التي قد تسلطها على ظهورهم، رغم معرفتهم ببطلانها وأنها تسير بهم عكس التيار الصحيح. وبهذا تكون الفضيحة أكبر دويا والخسارة أعظم في أواسط تيارات الديمقراطية المزعومة. ما أدى إلى الإضرار بالمجتمع وتسطيحه.
بالعودة إلى أهم المشاكل التي أودت بهذه الصحيفة، وقد تودي بالإمبراطورية الإعلامية كاملة. نتحدث عن موضوع تمركز السلطة في شخصيات معدودة. فروبرت مردوخ يعد رئيس مجلس الإدارة Chairman والرئيس التنفيذي CEO في شركة نيوز كوربوريشن، إضافة إلى اثنين من أولاده كأعضاء لمجلس إدارة الشركة الأم. كما يشغل نجله James وظيفة الرئيس التنفيذي لشركةNews International في بريطانيا. وهذا يعكس مدى التسلط الذي قد يمارسه الشخص في هذا المنصب. ومن هنا يمكن القول إن المشكلة الرئيسة في هذه الشركة هي مشكلة إدارة وسيطرة Governance.
وجود مردوخ على هرم سلطة الملكية والإدارة في هذه الشركة، يخلق خللا في طريقة إدارة مجلس الإدارة والذي يسير أعمال واستراتيجيات الشركة. عادة الارتباط بين وظيفتي رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي يعد العدو الأول للقضاء على الاستقلالية independence لأعضاء مجلس الإدارة، حيث يكون وجود الأعضاء في مجلس الإدارة لتمثيل الرأي الاستشاري ليس أكثر. وهذا يكون نتيجة لتأثرهم بشخصية المالك الرئيس للشركة والذي يسير أعمال الشركة أيضا.
من الدروس المستفادة من هذه القصة، هي أن تمركز السلطة في عدد محدود داخل الشركة، إضافة إلى فقدان الاستقلالية بالنسبة لأعضاء مجلس الإدارة، قد يؤديان بالشركات المساهمة إلى مصير أكثر خطورة مما حصل لهذه الشركة العالمية.
يبقى لنا أن نسأل عن بعض شركاتنا وهل تستفيد من هذه الدروس العملية التي نعايشها يوميا؟ فمسائل سيطرة رؤوس الأموال المحدودة على بعض الشركات، إضافة إلى طريقة توظيف وتعيين أعضاء مجلس الإدارة والتنفيذيين بالشركات قد توحي بوجود خروقات تضر بالمجتمع وبالبنية الاقتصادية للبلد. وكل عام وأنتم بخير.