واقع استخراج النفط وجدوى تكريره

الميثان، الكيروسين، بارافاين، ديزل، والأسفلت. جميعها منتجات نفطية يجمعها احتواؤها على عنصري الكربون والهيدروجين، وتفرقها نسبة الكربون إلى الهيدروجين. تعود جذور هذه المنتجات النفطية إلى النفط الخام المختزن في جوف الأرض. يحتوي النفط الخام على نسبة كبيرة من عنصر الكربون. وتتم عملية إنتاج هذه المنتجات النفطية من خلال معالجة النفط الخام معالجة فيزيائية - كيماوية تهدف إلى تغيير تركيز عنصر الكربون لإنتاج مواد نفطية مختلفة. تراوح نسبة الكربون في هذه المواد النفطية المختلفة بين عالية كالأسفلت ومنخفضة كالميثان. وتتم معالجة النفط الخام في معامل تعرف هذه الأيام بمصافي تكرير النفط.
تتكون عملية تكرير النفط الخام من عمليات تجزئة متسلسلة من الأهمية إيضاحها في عجالة لارتباطها بشكل مباشر بموضوع المقال. تتكون عملية التكرير من مرحلتين رئيستين: مرحلة التسخين ومرحلة التبريد. يتم في بداية الأمر تسخين النفط الخام إلى درجات غليان مختلفة بهدف تحويله من مزيج سائل كثيف إلى مجموعة من الغازات المختلفة. يحتوي كل غاز على نسبة كربون مختلفة عن الغاز الآخر. ويشكل كل غاز المادة الأولية لإنتاج مادة نفطية معينة. يتم بعد ذلك تبريد كل غاز على حدة إلى درجات حرارة منخفضة بهدف تحويله من غاز متطاير إلى مادة سائلة. تشكل كل مادة سائلة نوعاً واحداً من أنواع المنتجات النفطية.
تتباين بطبيعة الحال تكلفة إنتاج كل منتج نفطي بتباين تعقيد مرحلتي التسخين والتبريد أعلاه التي مر بها هذا المنتج. حيث تراوح تكلفة التكرير بين منخفضة، كما هو الحال في ''الأسفلت''، ومرتفعة، كما هو الحال في ''الميثان''. وتتباين تباعا ربحية إنتاج هذه المواد النفطية بتباين أسعار بيعها في الأسواق، المرتكزة بطبيعة الحال على تكلفة الإنتاج.
توجد في السعودية مجموعة من مصافي تكرير النفط المتباينة طاقاتها الإنتاجية من مرتفعة إلى متوسطة. تشير أدبيات أرامكو السعودية إلى أن مصفاة رأس تنورة المصفاة السعودية الأكبر بطاقة إنتاجية يومية تقارب 525 ألف برميل يوميا، ثم مصافي رابغ وأكسون موبيل السعودية في ينبع، وتوتال السعودية في الجبيل بطاقة إنتاجية يومية تقارب 400 ألف برميل لكل مصفاة. ثم بعد ذلك مصافي كل من ينبع والرياض وجدة بطاقة إنتاجية يومية تقارب 230 و120 و100 ألف برميل، على التوالي.
تنتج المصافي السعودية أنواعا مختلفة من المواد النفطية. يعد ''زيت التشحيم'' و''الكيروسين'' أكثر المواد إنتاجا في المصافي السعودية. تشير إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن إنتاج المصافي السعودية من ''زيت التشحيم'' و''الكيروسين'' يقارب 500 ألف برميل يوميا لكل منهما. تشكل هذه الكمية قرابة 4.25 في المائة لكل منهما من الإنتاج العالمي اليومي ''لزيت التشحيم'' و''الكيروسين''.
ثم يتبع ذلك ''وقود الطائرات'' و''الديزل'' بطاقة إنتاجية تقارب 150 و82 ألف برميل يوميا لكل منهما. تشكل هذه الكمية قرابة 2.8 في المائة لكل منهما من الإنتاج العالمي اليومي ''لوقود الطائرات'' و''الديزل''، ثم يتبع ذلك ''الوقود المسال'' و''منتجات نفطية أخرى'' بطاقة إنتاجية تقارب 35 و350 ألف برميل يوميا لكل منهما. تشكل هذه الكمية قرابة 1 و2.4 في المائة من الإنتاج العالمي اليومي ''للوقود المسال'' و''المنتجات النفطية الأخرى''، على التوالي.
وعلى الرغم من جميع هذه الإحصاءات حول الطاقة الإنتاجية للمصافي السعودية، إلا أن حجم إنتاج المصافي السعودية يعد متواضعا على المستوى العالمي. تشير إحصاءات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى أن إنتاج المصافي السعودية عام 2009 شكّل قرابة 2.42 في المائة من الطاقة الإنتاجية لجميع مصافي العالم. كما أشارت هذه الإحصاءات إلى أن نصيب المصافي السعودية من الإنتاج العالمي لمواد التكرير حافظ على معدل 2.0 - 2.5 في المائة منذ مطلع التسعينيات حتى اليوم.
يقودنا هذا النقاش إلى النظر في الجدوى الاقتصادية من التوسع في إنتاج المنتجات النفطية على حساب تقليص كمية تصدير النفط الخام، بما يضمن أولا، استدامة وفاء الاقتصاد السعودي بإمداد السوق العالمي بالنفط الخام. وثانياً، تنويع مصادر الدخل من منتجات ذات علاقة وطيدة بمصدر الدخل الرئيس النفط الخام.
ولعل من المحاور الأساسية لجدوى النظر في تقليص الإنتاج وتوسعة التكرير، أولا: مرونة نشاط مبيعات المنتجات النفطية في الأسواق العاملية. وثانيا: تكلفة خطوط النقل للمواد النفطية من الأراضي السعودية إلى جميع المستهلكين. وثالثا: متانة التزام المملكة في إمداد سوق النفط العالمية باحتياجاته من النفط الخام.
إنه من الأهمية بمكان التأكيد على بحث جدوى تقليص تصدير النفط الخام والتوسع في تكريره بما يؤدي إلى إنتاج مواد نفطية قادرة على تحقيق المردود الاقتصادي ذاته الذي يحققه بيع النفط الخام. الدافع الرئيس خلف هذه الأطروحة الوصول إلى التكامل في الإنتاج النفطي، من جهة، وإطالة العمر الزمني المتوقع لبلوغ النفط السعودي ''ذروته الإنتاجية''، من جهة أخرى.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي