الصيدليات: المريض والدواء بين الطب والتجارة

تكثر الصيدليات في جميع مدن وقرى المملكة حتى إنك ترى العديد منها متجاورة ولا بأس في ذلك. ويصاحب ذلك العديد من الأمور الإيجابية، ومنها توافر الدواء وقرب منفذ الخدمة من جميع المستفيدين، ومن سلبياتها أنها دليل على كثرة المرض وقلة الوقاية مع عدم التخصص أو قلة المعروض أو عدم وجوده أصلا. والدافع من كثرتها هو طبعا التجارة بتوفير منتجات يحتاج إليها أفراد المجتمع. ويقع عبء مراقبتها ومتابعتها على هيئة الغذاء والدواء، حيث كان سابقا من مسؤوليات وزارة الصحة مع استمرار إصدار التراخيص من الشؤون الصحية لكل منطقة.
هنا يبرز الكثير من المحاذير، وأولها أن صرف مجمل الأدوية ماعدا بعض الأدوية النفسية والمخدرة يتم دون وصفة طبية، ويستطيع أي فرد أن يدخل أي صيدلية ويطلب ما يشاء من دواء وسيتم بيعها له، والكل يعرف وجرب ذلك. من الناحية التجارية والمالية هذا ممتاز للتجار، ومن يملكون هذه الصيدليات. ولكن من الناحية الصحية والوقائية والمالية للحكومة والمجتمع هذا الأمر خطير جدا وذو عواقب وخيمة، أخطرها الوفاة الناتجة عن الاستخدام الخاطئ أو السيئ للأدوية.
من مخاطر بيع الأدوية دون كشف طبي ووصفة طبية مضاعفات تلك الأدوية، مثل العقم أو الإعاقة أو فقدان السمع أو ظهور الماء الأبيض بالعينين أو السكري أو هشاشة العظام أو ترقق الجلد أو الجلطة القلبية وغيرها. ومن الأمثلة ما يلي: حبوب الكورتيزون التي يقع ضحيتها العديد من المرضى بسبب الجهل، مع سوء الاستخدام وعدم المبالاة من قبل بعض المرضى، حيث يتم وصف هذه الأدوية لأول مرة للمريض، فيستجيب لها وتتحسن حالته، مثل أزمات الربو والروماتيزم وغيرهما دون تثقيف وتحذير طبي. بعدها يقوم المريض أو وليه بالتعود على شراء هذه الأدوية دون أدنى ضوابط ودون وصفة طبية، ويكرر استعمالها حتى تقع الفأس بالرأس، ويصاب بمضاعفات سوء استخدام هذه الأدوية، ومنها ما ذكرت أعلاه، إضافة إلى السمنة واعتلال الغدد وتآكل المفاصل وغيرها. والأمثلة كثيرة.
هنا لا بد من البدء وبصورة منظمة وسريعة لحماية المواطنين والمقيمين بمنع بيع الأدوية الوصفية إلا بوصفة من طبيب مرخص له أو لها مع متابعة ومراقبة ذلك، ووضع لائحة للمخالفات. مع ربط جميع المراكز والمستشفيات والصيدليات بنظام إلكتروني موحد ومركزي ومراقب من قبل هيئة الغذاء والدواء السعودية (أفضل وأنسب جهة لهذا العمل نظرا لتخصصها ووجود نظام واضح وصارم لعملها)، ويكون مباشرا وحيا. ويجب أن تكون هذه الوصفات إلكترونية بحيث تتم معرفة من أين صدرت (الجهة الصحية)، ومن أي طبيب (باسمه ورقم ترخيصه)، وإلى أي صيدلية (باسمها ورقم ترخيصها)، ومن المستفيد (المريض باسمه ورقم الهوية الوطنية أو الإقامة)، وكمية الدواء الموصوف، ومدة استخدامه، وما هو التشخيص، وهل هي وصفة خارجة عن استخدام الدواء المعروفة ولكن متعارف عليها بين الأطباء في التخصص نفسه أو وصفة أصلية (التي صنع الدواء من أجلها)؟ هذا بالإضافة إلى متابعة المخزون لدى الشركات الموردة أو المصنعة والمستشفيات والمراكز والعيادات الطبية والصيدليات التجارية.
والهدف النهائي من هذا هو حماية المريض وتقليل العبء المالي على الدولة؛ لأنها عادة الملجأ الأخير لمعظم المرضى عند حدوث مضاعفات أو سوء استخدام للأدوية. وأيضا وسيلة فعالة لضبط تجارة واستخدام الأدوية بحيث يسهل سحب أي دواء من السوق عند الحاجة، والاتصال بالمرضى وإجراء البحوث مع منع الاحتكار ومراقبة الأسعار وتعزيز المخزون حتى لا يكون هناك فراغ في السوق أو الدخول إلى ما يسمى ''عنق الزجاجة'' بالنسبة للإمدادات الدوائية.
أيضا يساعد مثل هذا النظام على جمع البيانات اللازمة للتخطيط الاستراتيجي بعيد المدى فيما يخص الإمدادات الدوائية من صناعة واستيراد وتوزيع مع متابعة الأخطاء الدوائية والمضاعفات وغيرها.

وكما قيل: ''الوقاية خير من العلاج''

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي