تخفيض التصنيف الأمريكي قرار خاطئ وخطير

تخفيض التصنيف الأمريكي قرار خاطئ وخطير

تخفيض ستاندر آند بورز تصنيف الدين السيادي الأمريكي من AAA إلى AA+ كان قرارا متهورا، وخاطئا، وخطيرا. ففي أفضل الحالات أظهرت ستاندر آند بورز جهلا مذهلا وإهمالا للعواقب المحتملة على نظام مالي عالمي هش. واختارت وكالة التصنيف هذه اتخاذ هذا الإجراء بعد أسوأ أسبوع في أسواق الأسهم الأمريكية منذ عام 2008، وهو أسبوع لم يشهد فقط تراجع أسعار الأسهم بحدة، بل شهد كذلك تصاعدا خطيرا في أزمة الديون الأوروبية. وكان الإجراء غير ضروري نهائيا، ولم يكن بالإمكان أن يكون توقيته أسوأ من ذلك. وبدمج هذين الأمرين معا، فإن مبرراته كانت ضعيفة وعواقبه على النظام المالي العالمي في الأجلين القريب والبعيد، غير قابلة للتوقع.
ومن غير المقبول أن يكون لدى شركات ربحية ذات ملكية خاصة، وضع خاص محمٍ من جانب القانون في قلب النظام المالي، لتعمل عملا أشبه بعمل السلطات التنظيمية. فالآراء التي تصدرها هذه الشركات يمكن أن تحدد ما الأوراق المالية التي باستطاعة المؤسسات المالية اقتناءها، وحجم رأس المال الذي تحتاج إليه، وماذا ستكون تكاليف اقتراض أي عضو في هذا النظام. وكل ذلك قائم على مداولات سرية، دون مساءلة.
كانت التقييمات الزائفة على نحو مدمر من جانب هذه الوكالات في صلب أزمة عام 2008. وإجراء ستاندر آند بورز الآن يهدد بالتسبب في معركة طاحنة فاصلة مرة أخرى، بسبب توليده عدم اليقين حول قدرة الولايات المتحدة على العمل ضمن دورها الحيوي في النظام الحالي.
ولم تكن ستاندر آند بورز في حاجة إلى الاندفاع نحو الحكم بعد أيام عدة فقط من معركة سياسية دامية ضمنت اتفاقا بين الحزبين على رفع سقف الدين خلال الدورة الانتخابية المقبلة، وهو اتفاق أسس للبدء في تخفيض الإنفاق ومعالجة الاختلالات المالية طويلة الأجل التي تعانيها الأمة. ولم تجد أي من وكالتي فيتش وموديز أية حاجة للقيام بإجراء مماثل، بل أشارت موديز إلى أنها تعتبر الاتفاق ''نقطة تحول في السياسة المالية''، وأعلنت أن تخفيضا لتصنيف الدين الأمريكي يمكن أن يكون ''أمرا سابقا لأوانه''.
كذلك القرار خاطئ لأسباب عدة. أولا، إنه أمر لا يقبل التصديق أن ستاندر آند بورز تعتقد الآن أن الأهلية الائتمانية للولايات المتحدة أقل مما كانت عليه قبل أسبوعين، أي قبل الاتفاق على رفع سقف الدين وحين أظهر الحزبان درجة من العناد، وكانت تتم دراسة خطط للطوارئ تشمل تحديد أولويات الدفعات، أو حتى إعلان أن الدين لاغٍ وباطل. وعلى أية حال، تم التوصل إلى اتفاق يضمن قدرة الولايات المتحدة على تمويل عملياتها خلال الفترة الانتخابية المقبلة، كما أطلقت عملية لمعالجة الاختلالات المالية الأمريكية القائمة منذ فترة طويلة.
فضلا عن ذلك، النقاش حول رفع سقف الدين ركز الاهتمام العام على الاختلالات المالية العميقة في الولايات المتحدة، وغيّر الأولويات الحاكمة لتتضمن خطوة لمعالجة المنحنى غير المستدام للإنفاق الحكومي. ويتركز النقاش الآن على ما إذا كانت هناك حاجة إلى تعزيز العوائد. ويشكل هذا الأمر تقدما كان يجب أن يؤخذ في صالح تصنيف AAA وليس العكس.
ثانيا، ستاندر آند بورز أعطت وزنا قليلا، أو لم تعط أي وزن للدور الفريد الذي تلعبه الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي. فالاقتصاد الأمريكي أكبر اقتصاد في العالم والأكثر إنتاجا، ويظل الدولار عملة الاحتياط العالمية. والبديل الوحيد المحتمل الذي هو اليورو، معيب هيكليا، ويمر بما يمكن أن يتحول إلى صراع وجود. وبما أن الولايات المتحدة هي التي تصدر عملتها، فإن بإمكانها تسوية ديونها بطباعة مزيد من أوراق النقد إذا احتاجت إلى ذلك، ولهذا لا يوجد أي شك على الإطلاق في قدرتها على السداد.
ثالثا، الأسواق تقول إن ستاندر آند بورز على خطأ. فالولايات المتحدة تتمتع بواحد من أقل معدلات الفائدة في تاريخها. ويتزامن هذا مع أعلى العجوزات وصورة مالية مروعة في الأجل الطويل. ومع ذلك حين يسعى المستثمرون إلى الأصول الآمنة، فإنهم يشترون سندات الخزانة الأمريكية. وتقترض الولايات المتحدة بمعدلات فائدة أدنى في الأجل الطويل مما كانت عليه حين كان لديها فائض في الميزانية. وسارع المستثمرون في أزمة عام 2008 إلى سندات الخزانة الأمريكية والدولار؛ لأنهم كانوا يبحثون عن أعلى الأصول أمانا، وأكثرها ضمانا ائتمانيا. ويبدو أن ستاندر آند بورز لم تلحظ ذلك.
إن إجراءات الوكالة تشكل مخاطر غير قابلة للتوقع وخطيرة على الاقتصاد العالمي. وكما لاحظ وارين بوفيت، الخوف مُعدٍ وينتشر سريعا، بينما الثقة هشة وتعود بالتدريج مع مرور الوقت. ويمكن لإجراءات ستاندر آند بورز أن تعمل فقط على تقويض الثقة الضعيفة وزيادة عدم اليقين. لقد أوجدت ما سماه كينز ''عدم اليقين غير القابل للتناقص''. وليست لدينا فكرة عن نتائج قرار ستاندر آند بورز على الأصول الخالية من المخاطر، الصادرة عن بلد يحتل مكانة فريدة في الاقتصاد العالمي، التي يمكن ألا تكون خالية من المخاطر في نهاية الأمر.
هناك نتيجة واحدة نأمل في حدوثها، وهي أن ينهي الكونجرس احتكار منظمات التصنيفات الإحصائية المعترف بها وطنيا، قبل أن تسهم في إشعال أزمة مالية أخرى. وحتى ستاندر آند بورز توافق بصورة يعود فيها الفضل إليها، على وجوب إنهاء اعتمادها على منظمات التصنيفات الإحصائية المعترف بها وطنيا. دعونا نأخذ رأي ستاندر آند بورز وموديز وفيتش حول الجدارة الائتمانية.. لكن دعونا نجعلها تشكل آراءها في سوق حرة تنافسية وليس من خلال احتكار قلة يحميها القانون، تعمل دون إشراف أو تحمل أي تبعات.

الكاتب كبير مسؤولي الاستثمار في Legg Mason Capital Management

الأكثر قراءة