بخاطري ثلاثة أشياء قبل العيد
.. ونحن في نهاية الشهر الكريم، والعيدُ يطل من الركن القريب، بخاطري أن أحثّ نفسي وأخبركم عن أمور ثلاثة أعتقد أنها ستجعل من حياتنا أكثر إنتاجا وأملاً وسعادة.
* ادعاء الكمال:
ما رأيت سُمّاً يقتحم الوجودَ الإنساني مثل أن تضع نفسك، أو تظن فيها، أنها أكثر كمالا من الآخرين، وأن الناس كي يروك مثاليا فعليك أن تنحبس في قالب تعتقد أنه صنع من المثالية، والحقيقة أنك صنعت سجناً بنفسك ووضعت نفسَك فيه.. وسيكون أكثر أنواع السجون تدميرا للذات. الناس لا يأبهون لمدّعي المثالية أبدا، ولا يهمهم من أنت، والذي يهمهم هو "ما" أنت. يعني كيف تأكل، كيف تلبس، كيف تسير، هي خاصتك وحدك، ولكن كيف تتعامل معهم هو المهم.. وتأكد أن الناسَ يحبون أن يغفروا الخطأ ويحبون الاعتذار، يحبون العاديّة الإنسانية، وليس الأعلوية التوهمية.. ثم تأكد بادعاء الكمال ستمنع نفسك من أعظم دروس الحياة وهو الاستفادة من الخطأ. مَن يدعون أو يحسبون في أنفسِهم الكمالَ هم من سيحكم عليهم العالم وبسهولة بأنهم أبعد ما يكونون عن الكمال!
* لا تتعلق بأثقالك الماضية:
بعضُ الناس يحبون أن يتعلقوا بمشاكلهم، ويكررونها ويعلكونها، ويحتفظون بها، وينسون قاعدة حيوية مهمة، وهي أن التخلصَ من الفضلات والبواقي هو سرّ استمرار الصحة والعافية وفوران الطاقة.. وكلما تعلقنا بمخلفاتٍ قديمةٍ وكدّسناها فوق بعضها، ثقلت حركتنا، وثقلت قلوبُنا، وثقلت عقولنا، وصرنا بإرادتنا الواعية نضع مزيداً من الأثقال تجر أرجلنا.. كي نزيد في الغرق. وحتى تسير خفيفاً متطلعاً للأمام مستقبلاً ظروفَ وتحديات الأيام المقبلة عليك التخلص من سمومك القديمة من مشاكل وتجارب، كما يتخلص الجسمُ بغريزته الحيوية الصائبة من السموم. انظر إلى "جهاز مسح المواقع العالمي"، ما يُطلق عليه اسم "جي بي إس".. إنه يطلق إشاراتٍ من سيارتك أو هاتفك المحمول إلى قمرٍ صناعي يلف غلافَ الأرض العلوي ثم تعود ومضات، وبعملية رياضية تحسب الشريحة موضعك والمسافة الباقية واتجاه الطريق، هل سألك يوما جهازَك أين كنت في الماضي؟! إنه فقط ينطلق من موقعك الحالي لموقعك المقبل، لا يكترث أبدا بالمكان الذي كنت فيه في الماضي.. إنها كما ترى من آلية الذكاء التقني، أفلا تؤمن بأنها لا بد أن تكون قبل ذلك من إدراك الذكاء البشري؟
* استعِدْ نفسَك من نفسِك:
كلنا نصارع شقين داخل أنفسنا، نفسٌ تدعوننا للغطرسةِ والكذبِ والادّعاء والمعاندة بالخطأ والتفوق أو السيادة على حساب الآخرين، ونفسٌ رادعةٌ قويةٌ تنبهنا للأخطاء.. ولكن النفس الأولى دوما شجاعة ومتهورة وعمياء الإصرار كثيرا ما تتفوق على النفس الضميرية المنبِّهة، يبدو أن التنبيه حتى داخل النفس لا يكفي، فيجب أن يكون هناك عنصرٌ مؤيدٌ آخر: الشجاعة. الشجاعة النبيلة التي تحرق رغبة النفس المكابرة الأنانية المدعية، والسلاح الذي تستخدمه هذه الشجاعة كي ترتقي بالنفس المنبهة الحكيمة العليا هي: الاعترافُ بالخطأ، وهي مصاحبة كوجهي العملة للقُدرة على الاعتذار. ستجد بعد أن تمارس شجاعة الاعتراف بالخطأ والقدرة على الاعتذار أنك صرتَ تعيش حياةً أكثر صفاءً واتّزاناً وراحة وتناغما مع البيئة المحيطة بك.. لأنك هنا انتقلت من دائرة "من" أنت، إلى دائرة "ما" أنت.. انتقلتَ إلى ما سينعكس على الناس إيجابا بإرادتك الداخلية، لا على ما ينعكس من الناس على إرادتك الداخلية.. صرت تتحكم في نفسك أكثر، صرت حرا في فرض الخير الذي تريد لك وينعكس بطبيعته خيراً على الآخرين، وهنا تكون قد استعدتَ نفسك من نفسِك.. وحلّقتَ طليقاً في سماء الإرادةِ السامية.
.. وعيدكم مبارك.