أهمية ميثاق الشركات العائلية في المحافظة على استمراريتها
تحتل الشركات العائلية موقعاً مميزاً على خريطة الاقتصاد السعودي، بما في ذلك على خريطة اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي ودول العالم الأخرى، لكونها تمثل عصب الاقتصاد وأحد شرايينه الأساسية، إذ تشير المعلومات إلى أن الشركات العائلية في المملكة تشكل نسبة كبيرة من حجم الاقتصاد المحلي، حيث تتجاوز نسبة مشاركتها في الاقتصاد 60 في المائة، كما أنها تسهم بأكثر من 250 مليار ريال في حجم الناتج المحلي الإجمالي، في حين تمثل الشركات العاملة في القطاع الخاص في دول مجلس التعاون الخليجي نحو 75 في المائة من حجم الاقتصاد، الذي يقدر عدده بنحو خمسة آلاف شركة، تقترب أصولها من تريليون دولار وتستوعب أكثر من 70 في المائة من إجمالي القوى العاملة في المنطقة.
وتتضح أهمية المنشآت العائلية بالنسبة للاقتصاد السعودي من اعتبارات عدة، من بينها على سبيل المثال لا الحصر، أنها تمثل رافداً اقتصاديا أساسياً من روافد الاقتصاد الوطني، وبالذات فيما يتعلق بخلق الوظائف الجديدة، وتوطين الوظائف القائمة، كما أنها تسهم في توفير احتياجات أفراد المجتمع من السلع والخدمات، وفي دعم العلاقات التجارية والاقتصادية، التي تربط بين المملكة ودول العالم الأخرى.
من هذا المنطلق، أولت الحكومة السعودية اهتماماً خاصاً للشركات العائلية، وبالذات فيما يتعلق بالمحافظة على نموها واستمراريتها، بعد وفاة المؤسسين الأوائل لها، ولا سيما أن بعضاً من الشركات العائلية تنتهي بعد وفاة مؤسسيها، نتيجة للاختلافات في وجهات النظر الإدارية أو غيرها التي تحدث بين الورثة، ولهذا السبب، يواجه عدد كبير من الشركات العائلية تحدي انتقال الإدارة والملكية من الجيل الأول إلى الجيل الثاني ومن ثم الانتقال إلى الجيل الثالث وهكذا، التي تعد مرحلة حرجة للغاية في عمر الشركات العائلية، سواء كان ذلك في المملكة أو في غيرها من دول العالم.
وبغرض تفادي مشكلة اندثار الشركات العائلية وانتهائها بمجرد وفاة المؤسس الأول لها، برزت فكرة ما يعرف بـ ''ميثاق الشركات العائلية''، الذي عكفت على العمل عليه وزارة التجارة والصناعة، بهدف ضمان انتقال الشركات العائلية للأجيال المتعاقبة من تلك العائلات بصورة سلسة بعد وفاة المؤسسين الأوائل لها.
عبد الله بن أحمد زينل وزير التجارة والصناعة، أوضح خلال رعايته ورشة عمل بعنوان ''دور شباب الأعمال في بقاء واستمرارية المنشآت العائلية''، التي نظمتها الغرفة التجارية الصناعية في الرياض بتاريخ 29 أيار (مايو) 2010، أن وضع ميثاق للشركات العائلية، يعد من أهم وسائل الحفاظ على هذه الكيانات وضمان استمراريتها واستقرارها في ممارسة أعمالها، ولا سيما أن هناك ثلاثة عوامل رئيسة تجعل الشركات العائلية غير قادرة على الاستمرار في الأداء نفسه بعد وفاة الجيل المؤسس، التي تتمثل في عدم توافق أسلوب إدارة الشركة مع مراحل نموها وتطويرها، وانفتاح السوق، إضافة إلى دخول شركات كبيرة في المنافسة. ولهذا السبب توجهت وزارة التجارة والصناعة للتفكير في وضع الميثاق لمنع نشوء أي خلافات ونزاعات بين الشركاء في الشركات العائلية، خاصة بين الأجيال التالية لجيل المؤسسين الأوائل لها.
جدير بالذكر، أن ميثاق العائلة يعد استرشادياً للشركات العائلية، ويشتمل على أهم الأحكام والقواعد، التي تضبط ممارسات أفراد العائلة المساهمة في ملكية الشركة، بالشكل الذي يحقق التطور للشركة وتعاقب الأجيال عليها دون نزاع أو تفكك في الملكية أو في الإدارة، وقد تمت صياغة أحكام الميثاق، بما يتفق تماماً مع أحكام الشركات المساهمة المقفلة، التي تناولها نظام الشركات السعودي، وذلك لقناعة فريق العمل الذي وضع الميثاق بما تشكله الشركات العائلية من أهمية كبرى بالنسبة للاقتصاد السعودي كغيرها من أنواع الشركات الأخرى في المملكة، كما أنه يتوقع لهذا الميثاق أن يعمل على تذليل الصعوبات والعقبات، التي تواجهها الشركات العائلية. ويمكن الاسترشاد بذلك الميثاق للأنواع الأخرى من الشركات، كشركات التوصية البسيطة، أو شركات المسؤولية المحدودة أو شركات التوصية بالأسهم.
من بين العوامل المساعدة أيضاً على بقاء الشركات العائلية واستمرارها في القيام بأعمالها وأنشطتها التجارية المختلفة خلال الأجيال المتعاقبة، تمكنها من الالتزام بتطبيق قواعد الحوكمة التي توضح إجراءات كثيرة ينبغي أن تتخذ لمنع أي تداخل بين الإدارة ومسؤولية الملاك، كما أن تحول الشركات العائلية إلى شركات مساهمة، يعزز وجودها وقدرتها التنافسية وبقاءها واستمراريتها.
خلاصة القول، إن وجود ميثاق للعائلة، يختص بتنظيم علمية انتقال الملكية والإدارة بين الأجيال المتعاقبة في الشركات العائلية، يعد من بين أهم إنجازات وزارة التجارة والصناعة، لكونه سيعمل على ضمان استمرارية ذلك النوع من الشركات وبقائها بعد وفاة المؤسسين، ولا سيما أن نسبة كبيرة من المنشآت العائلية على مستوى المنطقة العربية، التي تقدر بنحو 97 في المائة تصارع انتقال الإدارة والملكية بين الأجيال المتعاقبة على الشركة، ما يتسبب في إصابة تلك الشركات بالضعف وعدم قدرتها على التعامل مع الأزمات المالية والإدارية التي تتعرض لها، نتيجة النزاع والصراع على السلطة والإدارة بين الأجيال.
إن تطبيق الشركات العائلية متطلبات ميثاق العائلية، وأيضاً الالتزام بقواعد الحوكمة، سيساعدان الشركات العائلية على الاستمرار والبقاء والازدهار في المستقبل، بالشكل الذي يحقق مصلحة الاقتصاد الوطني ومصلحة المساهمين والمؤسسين على حد سواء، والله من وراء القصد.