على برنانكي أن يوضح سياسته ويتجاهل التسهيل الكمي
سيتفحص المستثمرون العاملون كل ما يقوله رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، بن برنانكي، لاستشفاف أي مؤشرات على نواياه المستقبلية. ويأمل بعضهم في أن يلمح إلى جولة جديدة من التسهيل الكمي، لكن هذا سيكون خطأ.
لقد كانت النظرية الاقتصادية التي تقف خلف التسهيل الكمي واهية على الدوام. وبصورة جوهرية كانت الحجة الأساسية أن مستوى الأسعار المطلق في أي اقتصاد يتحدد فقط عبر معروض البنك المركزي من الأموال الأساسية. وبسبب هذا، في الأجل الطويل على الأقل، فإن أية زيادة في المعروض يجب أن ترفع الأسعار بالنسبة نفسها. ويستتبع ذلك أنه يجب أن يكون للتسهيل الكمي، في المدى القصير، أثر أيضاً على مستويات الإنفاق، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى رفع الأسعار، حتى لو كانت القنوات التي يحدث هذا عبرها غامضة.
والمشكلة هي أنه، كي تنطبق هذه النظرية، يجب أن تكون هناك زيادة دائمة في الأموال الأساسية. لكن بعد تجربة بنك اليابان مع التسهيل الكمي، تم سحب جميع الاحتياطيات التي تمت إضافتها بسرعة في أوائل عام 2006. والمقلق أكثر بالنسبة لبرنانكي، مهما كانت الآثار في المدى الطويل، أنه لم تكن هناك أية زيادة في النمو الاسمي طيلة فترة التجربة التي دامت خمسة أعوام.
لم يعط بنك الاحتياطي الفيدرالي أية إشارة على أن الزيادات الضخمة الحالية في احتياطيات البنوك الأمريكية ستكون دائمة. ووعد بعدم السماح للتضخم بأن يرتفع فوق مستواه المستهدف العادي. ولذلك، كي يكون التسهيل الكمي فعالاً، يتعين على الاحتياطي الفيدرالي أن يعد بجعل هذه الاحتياطيات دائمة وأن يسمح بالارتفاع المؤقت في التضخم الذي سيكون مطلوباً لرفع مستوى الأسعار بصورة دائمة بتلك النسبة.
وتؤكد حجة سيقت منذ عهد أقرب، تسويغاً للتسهيل الكمي ليس على الزيادة في الاحتياطيات، بل على التغيير في تركيبة الأصول التي يحتفظ بها الاحتياطي الفيدرالي. لكن من غير المحتمل أن تؤثر التداولات المتواضعة الحجم في الأصول من قبل بنك مركزي في الأسعار إلا إذا توقفت الأسواق المعنية. لقد صدق هذا على مشتريات الاحتياطي الفيدرالي في أوائل عام 2009 التي وجهت بشكل كبير إلى الأوراق المالية المدعومة بالرهون، في وقت شهد متاعب كبيرة في تلك السوق. ربما تكون جولة التسهيل الكمي التي نفذها برنانكي خفضت فروقات العوائد وساعدت الأسواق المالية وعادت بالفوائد على الاقتصاد الأوسع. لكن هذا كان أقل مناسبة بالنسبة لمشتريات الاحتياطي الفيدرالي في جولة التسهيل الكمي الثانية، نظراً لعدم وجود دليل على انعدام سيولة السوق الخاصة بسندات الخزانة. والشيء نفسه صحيح اليوم.
ويقول بعضهم إنه حتى لو كانت الآثار ضئيلة، فالأمر يستحق محاولة جولة التسهيل الكمي الثالثة في ضوء الآفاق الكئيبة لاقتصاد الولايات المتحدة. لكن جولة أخرى من التسهيل يمكن في حقيقة الأمر أن تلحق الضرر، عبر إعطاء صانعي السياسات عذراً لعدم اتخاذ الإجراءات التي يمكن أن تفعل أكثر لمساعدة الاقتصاد. فقد سمح قرار شراء الأصول في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، مثلا، للاحتياطي الفيدرالي بتجنب الدعوات المطالبة بمزيد من الوضوح فيما يتعلق بأهداف سياسته المستقبلية.
وإذا كان هناك أي أثر لجولة التسهيل الكمي الثانية، فيحتمل أن يكون قد جاء من الإشارة التي أعطاها حول سياسة الاحتياطي الفيدرالي المستقبلية. فقد ازدادت توقعات التضخم بعد الإعلان، لأنه بدا أن أعضاء لجنة السوق المفتوحة الذين أرادوا العودة إلى سياسات أكثر تشدداً خسروا المناظرة. لكن من المؤكد أن هذه ليست طريقة مثالية لإرسال إشارة: يمكن تشكيل التوقعات بفاعلية أكبر بكثير عبر الحديث مباشرة عن السياسة المستقبلية، بدلاً من تركها للاستنتاج من الإجراءات التي ليست لها إيحاءات محددة بالنسبة للمستقبل.
ومن باب الإنصاف، سعت لجنة السوق المفتوحة لتشكيل التوقعات في آب (أغسطس)، عبر القول إن معدلات الفائدة المستهدفة على أموال الاحتياطي الفيدرالي ينبغي أن تظل من دون تغيير ''على الأقل حتى منتصف عام 2013''. هذا الأسلوب معقول أكثر من عمليات الشراء الجديدة للأصول، لكن من المؤسف أن أثره سيكون محدوداً من جراء غموضه. وكي نكون واضحين، فإن برنانكي لم يعد في الحقيقة بالإبقاء على معدلات الفائدة منخفضة لمدة عامين. وبدلاً من ذلك، فإن التزامه محاط بالمؤهلات التي تجعل معناه غير أكيد بالمرة.
بالطبع، ليس من المعقول أن تعد لجنة السوق المفتوحة بالإبقاء على معدل فائدة محدد لمدة عامين بغض النظر عما يمكن أن يحدث. لكن برنانكي يستطيع، ويتعين عليه، أن يشرح كيف أن نواياه على صعيد السياسات تتوقف على التطورات المستقبلية.
إن الإيضاح يمكن أن يساعد الاقتصاد بطريقتين. أولاً، يستطيع برنانكي أن يعطي إشارة بأنه سيتم السماح بحدوث زيادة متوقعة في التضخم قبل التأكيد على تشديد السياسات. وهذا يحفز الإنفاق عبر خفض معدلات الفائدة. وتحديد حجم أية زيادة دائمة في مستوى الأسعار من شأنه أن يتجنب زيادة في انعدام اليقين بشأن مستوى الأسعار في المدى الطويل. ومن شأن هذا بدوره أن يحول دون حدوث زيادة في علاوات خطر التضخم التي يمكن بغير ذلك أن تعمل ضد الأثر المرغوب للزيادة في توقعات التضخم في الأجل القريب.
من المحتمل أن يكون انعدام اليقين بشأن الآفاق الاقتصادية الآن أهم عقبة أمام تعاف أقوى. ولا تقتصر المشكلة على انعدام اليقين بشأن سياسة الاحتياطي الفيدرالي، لكن حقيقية أن ''قراءة'' الاحتياطي الفيدرالي أصبحت أكثر صعوبة أمر لا يساعد. إن التواصل الأفضل من جانب الاحتياطي الفيدرالي، وهو مدرج على الأجندة منذ وقت طويل، سيكون مساعداً بشكل خاص في هذه المرحلة.
الكاتب أستاذ في جامعة كولومبيا ومؤلف كتاب ''الفائدة والأسعار: أسس لنظرية في السياسة النقدية''.