عاداتنا السبع «المتخلفة» .. كيف نغيرها؟ (2 من 3)
عزيزي ستيفن..
العادة الأولى: الفوضوية
من أهم مظاهر ''فوضويتنا'' أننا لا نحب النظام ولا التنظيم. نعيش على البركة. بل نكاد نكون الشعب الوحيد في العالم الذي يتباهى بالفوضوية والاستهتار ومخالفة النظام معتقدين أنها دليل ''قوة''. حتى المقيمين الأجانب تطبعوا بفوضويتنا وعاداتنا!
نقطع إشارة المرور على مرأى من رجل المرور الذي سلبناه الاحترام والهيبة. ندخن تحت لوحة ''ممنوع التدخين''. ولا يحلو لنا ركن السيارة إلا عند ''ممنوع الوقوف'' و''مواقف المعوقين''. تسأل عن السبب، يقولون لك: ''لا أحد يلتزم بالنظام، فلماذا ألتزم به!''. فيا له من عذر أقبح من ذنب!
وبدلا من أن نلتزم بالنظام ونتبع التعليمات، نشغل أنفسنا في كيفية مخالفة النظام والتحايل عليه. ألا ترى إلى الذين يخربون ''ساهر''، وإلى الذين يهربون ويتداولون الأجهزة التي تنبههم إلى مواقع كاميراته؟
لا نحب الإعداد ولا الاستعداد. ننام طوال العام ثم نصحو في اللحظة الأخيرة. وكم نقدس هذه اللحظة. نكتشف أن غدا هو موعد سفرنا، فنبحث عن ''واسطة'' تسرع تجديد جوازاتنا. وعن واسطة لتجديد رخصة السياقة. وعن ''ألف'' واسطة لحجز تذاكر الطيران. وما إن تثبت ''رؤية الهلال''، إلا ويتدافع الناس مذعورين إلى الأسواق لشراء مستلزمات رمضان أو ملابس العيد!
لسنا منظمين. نكره الوقوف في الطوابير. لا أدري إن كان ذلك ''عقدة نفسية'' بسبب ''حوادث'' طابور المقصف المدرسي! وإذا أكرمنا الله ووقفنا في الطابور، فإننا نقف بطريقة فوضوية في طابور أسميه ''الطابور المحقاني'' (نسبة إلى المحقان أي ''القمع''). طابور بامتداد نحيف يأخذ في التوسع كلما اقتربت من شباك الموظف. عندئذ تبدأ معارك الوصول إلى يده الكريمة. الغلبة فيها لصاحب الذراع الأقوى واللسان الأطول. وألا أن ''النظاميين'' هم الخاسرون..
العادة الثانية: انعدام اللباقة
نحن شعب ُجبل البعض منه على الفظاظة والصلافة والجلافة و''الدفاشة''، حيث يفتقر إلى اللباقة والتهذيب والبشاشة والمعاملة الحسنة. لا نجامل ولا نهتم بالذوق العام أو مشاعر الآخرين. نلوم دوما بيئتنا الصحراوية والجبلية ومناخنا القاسي في أنها وراء تشكل سلوكياتنا الفظة. مع العلم أن المناخ والبيئة لم يؤثرا في بقية جيراننا الخليجيين، فنحن وإياهم في ''البر والحر'' سواء!
يندرج ضمن ''الفظاظة'' أنك قلما تجد أحدنا مبتسما أو بشوشا. كل الوجوه ''مكفهرة''. وإن ألقيت عليها السلام، فهي ترد عليك من طرف الأنف. لو تفحصت وثائق الهوية الخاصة بنا، فستجد أن ''العلامة الفارقة'' ليست ''ندبة'' في الوجه، وإنما وجها ''عبوسا قمطريرا''. فلا أحد يستجيب لمطالب المصور الذي ُبحّ صوته من كثرة قول (Say cheese)!
من فظاظتنا، تسفيه الطفل واحتقار أسئلته البريئة. نرتكب بحقه جرائم الإخراس (أسكت.. أنت ما تفهم.. فشلتنا). يفقد الطفل ثقته بنفسه ويبدأ بقضم أظافره. يصاب بالتأتأة والعقد النفسية. يكره أهله ومدرسته. ثم نبحث عمن يداويه من العين والسحر. يتحول الطفل المقموع إلى نسخة مكررة من بقية الأقران، بعد أن شاركنا عمدا في مجزرة استئصال نبوغه ومواهبه الكامنة!
من مظاهر ''التخلف'': إلقاء المهملات في الشوارع والمتنزهات والشواطئ، وعدم تنظيف الطاولة بعد الأكل في مطاعم الوجبات السريعة، والبصق على الأرض، وعدم مسك الباب للداخلين إن كنت خارجا، واستخدام مفتاح السيارة لـ ''تنظيف الأذن''، واللجوء إلى حك الـ (...) في الأماكن العامة، والخروج بملابس النوم (أو السروال والفانيلة)، والتنابز بالألفاظ البذيئة، والتشنج عند النقاش والسواقة.. ويا لكثرة ''الشواهد'' وقلة ''أدبنا'' فيها..
العادة الثالثة: عدم احترام الوقت
نحن نتأخر عن الدوام، ونتأخر عن حضور اجتماعات العمل ومناسبات الأسرة. لا نلتزم بالوقت ولا نحترمه. نحب التسويف والتأجيل وتضييع الوقت. نهدر وقت العمل ''الثمين'' في الإفطار الجماعي، ثم مناقشة نتائج مباريات الأمس، وحال سوق الأسهم اليوم، ثم نبدأ بالتدخين، وبعدها ندخل لنتوضأ بـ ''الحركة البطيئة''. ونعود أخيرا إلى مكاتبنا لنواصل مشروعات النميمة والغيبة وبث الشائعات قبل التوقيع بالانصراف!
ورغم أننا لا نهتم بالوقت، ترانا دائما متوترين، وعلى ''عجلة'' من أمرنا. نسابق السيارات، فتظن أن أحدنا يهرع لحالة طارئة، لنكتشف أنه يريد الحظوة بجلسة مع ''شلة الاستراحة''!
نحن مراوغون عند تحديد مواعيدنا. نفتقر إلى الدقة. لو قررنا اللقاء، سنحدد لك موعدا ''بعد'' صلاة العشاء (فترة تمتد إلى ما قبل أذان الفجر = ثمان ساعات تقريبا)، وما عليك إلا أن تنتظرنا. وإن قلنا لك ربع ساعة ونكون عندك، فاعلم أنها أربعة أرباع. لن تجد من يحدد لك موعدا بالساعة والدقائق رغم ''الماركات'' التي ترتديها معاصمنا!
العادة الرابعة: النقد غير البناء
عزيزي ستيفن..
نتلذذ بالنقد ''غير البناء'' ونشعر بنشوة عند ''العذربة'' (إظهار العذاريب = العيوب). فمن ''زين'' طبائعنا أنه لا شيء يعجبنا. نستمتع بإظهار العيوب بسبب وبدون سبب لمجرد أن نبين للآخرين أننا نفهم. تجد أن الواحد منا ''يعذرب'' في فلان من الناس ويحتقره ويقلل من شأنه. تجد الواحد منا ''يعذرب'' في سلعة أو خدمة رغم أنه يستعملها يوميا، ولا أحد يرغمه على استعمالها، وبإمكانه البحث عن خيارات أخرى.
ننسى أن لكل شيء في الدنيا محاسن ومساوئ. نتجاهل الجانب الآخر: المحاسن، ونركز دوما على المساوئ. مع العلم أن العقل يقول إذا ''طغت'' محاسن الشيء على مساوئه فعليك باختياره. لكننا للأسف نحب إظهار ''عذاريب'' الآخرين، والاحتفاء بهزائمهم، والتشفي بفضائحهم، ولا نبالي بإنجازاتهم أو نجاحاتهم. فهل هذا ''حسد وغيرة'' أم ''جهل'' أم هما معا؟
.. غدا نستكمل الجزء الثالث..