الهيئة العامة للأوقاف .. كيف الحال؟

قبل ما يقرب من ١٨ شهراً وتحديداً في جلسة مجلس الوزراء المنعقدة في ٢٦ نيسان (أبريل) ٢٠١٠م أقر مجلس الوزراء السعودي إنشاء هيئة عامة للأوقاف ذات شخصية اعتبارية مستقلة، ووفقاً لقرار مجلس الوزراء تسمى هذه الهيئة ''الهيئة العامة للأوقاف''، وتلغى وكالة وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف، وتنقل المهمات المتعلقة بالأوقاف من الوزارة ومن مجلس الأوقاف الأعلى والمجالس الفرعية إلى الهيئة العامة للأوقاف. وقد فصل القرار المهام الرئيسية للهيئة وهي: اقتراح الخطط والسياسات العامة والأنظمة المتعلقة بنشاط الأوقاف وتنفيذها بعد إقرارها ومراجعتها وتقويمها والعمل على تطويرها وتحديثها، وإدارة الأوقاف التي تكون الهيئة ناظرة عليها واستثمارها على أسس اقتصادية، وحصر الأموال الموقوفة وتسجيلها باستخدام أفضل الأساليب، كما حدد القرار رأس هرمها، حيث سيكون للهيئة العامة للأوقاف مُحافظ بالمرتبة الممتازة يعين بأمر ملكي.
طال الانتظار لانطلاق هذه الهيئة والتي كانت مطلباً ملحاً للكثير من المهتمين، وأذكر في أكثر من مناسبة جمعتني بوكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد لشؤون الأوقاف سابقاً الشيخ الفاضل الدكتور عبد الرحمن المطرودي - رحمه الله، أهمية قيام هذه الهيئة، وكانت قناعاته الشخصية والمهنية والعلمية بأن الأوقاف لا يمكن أن تتطور وتنمو بالشكل الصحيح إلا باستقلالية الأوقاف وإدارتها بشكل منفصل تماماً عن أي أجهزة أخرى، وأعلم أنه عمل عملاً جباراً خلال فترة توليه مسؤولية الوكالة وكان أحد أهم أهدافه هو قيام الهيئة بشكل مستقل عن الوزارة، والحمد لله الذي أقر عينيه بالمرسوم الملكي لإنشاء الهيئة، فيما اختاره الله قبل أن يرى الحلم يتم على أرض الواقع.
في حديث مع وزير الشؤون الإسلامية نشر في جريدة اليوم في أيار (مايو) ٢٠١٠، أكد معاليه على أن الهيئة تنتظر انطلاقتها بصدور النظام والذي يراجع حالياً في شعبة الخبراء.
بعد مرور عدة أشهر وفي حديث آخر مع معاليه نشر في جريدة الشرق الأوسط في آب (أغسطس) ٢٠١٠، أكد معاليه أن نظام الهيئة سيصدر قريباً وهو في الخطوات النهائية، الجديد في هذا اللقاء أن الوزير أكد على أن الهيئة لم تفصل عن الوزارة، وبحكم النظام (الذي لم يصدر) فإن وزير الشؤون الإسلامية هو الذي سيرأس مجلس إدارتها!
طبعاً وكما يعلم الجميع على أرض الواقع لم يتم شيء حتى الآن، وعلى الرغم من مرور أكثر من سنة على حديث معالي وزير الشؤون الإسلامية فالذي تحقق هو جزء من الحلم وهو القرار، ولكن على أرض الواقع لم ينفذ منه شيء!
أما الأمر الآخر فإن رئاسة معالي الوزير لمجلس إدارة الهيئة - إن تم ذلك - لا تعني أن الهيئة غير مفصولة عن الوزارة مثلها في ذلك مثل الكثير من الهيئات والمؤسسات العامة والتي يرأس مجالس إدارتها شخصيات اعتبارية بحكم الوظيفة، ولكنها غير تابعة لوزارتهم بأي حال من الأحوال وإلا فإنها كما يقال (يا بو زيد ما كنك غزيت).
وإذا علمنا إن أصول الأوقاف تزيد على عشرة مليارات ريال، وهذا مبلغ يزيد على رأسمال ثمانية من البنوك السعودية منفردة، فسنعرف أهمية فصلها والمطالبة باستعجال تنفيذ هذا الأمر، حيث إن دخلها يفترض أن يكون دخلاً ضخماً أيضاً متناسباً مع حجم هذه الأصول.
فصل الأوقاف عن الوزارة مطلب أساسي ليس من حيث الشكل فقط، بل وحتى في الآليات وفي الحوافز وفي الأنظمة وفي الرقابة، ولا يعني ربط رئاسة مجلس إدارتها بوزير ما تبعية الهيئة لوزارته إلا إذا نص النظام على ذلك، وإن تمت تلك التبعية فإن فصلها ليس ذا معنى!
نتوقع من الهيئة بعد إطلاقها أن تتمتع بديناميكية ومرونة القطاع الخاص في العمل، مع مستوى عال من الشفافية مع الجمهور والمهتمين ووسائل الإعلام، ورقابة عاليه المستوى عن طريق لجان المراجعة المشكلة من المختصين والمراجعة الخارجية من كبار المكاتب المحاسبية المرخص لها والهيئة العامة للرقابة والتحقيق، كما يجب أن تطبق الهيئة مستويات رفيعة من الحوافز لأجهزتها الاستثمارية، وهيكل للرواتب ينسجم مع الكفاءات المتميزة التي يجب أن تعمل فيها والتي تكون منافسة لأكبر شركات القطاع الخاص.
أتمنى من أصحاب الشأن في ديوان مجلس الوزراء وفي شعبة الخبراء وكذلك من معالي وزير الشؤون الإسلامية نفسه وكل ذي علاقة من معالي رئيس الديوان وحتى الكاتب والسكرتير في شعبة الخبراء؛ أن يعملوا على سرعة إنفاذ القرار وصدور التنظيمات المتعلقة به، مخلصين النية لله وحده وهو كفيل بإعانتهم، والساعي في الخير كالفاعل في الأجر، وهو ميدان للمسابقة فمن يسبق إليه؟ وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي