هل أصبح ما بعد 11 سبتمبر وصمة عار على جبين الأمريكان وحلفائهم؟
الكتابة عن أحداث 11 أيلول (سبتمبر) ليست من الأمور السهلة. وعندما قررت أن أكتب سلسلة مقالات عن هذه الحادثة، ولا سيما ما جرى من استغلال فظيع لها من قبل الأمريكان وحلفائهم، لم يراودني شك أنني قد أتعرض إلى انتقاد من بعض الأوساط التي ما زالت تراوح مكانها فكريا وذهنيا وفلسفيا وسياسيا ولا تقبل أن تقرأ الحدث من خلال سياقه وما جرى بعده.
ويؤسفني القول إن الكثير من الكتاب العرب والمسلمين قد أصابهم الجمود الفكري حيث إنهم ما زالوا أسرى للرواية الأمريكية والغربية للحدث كما وقع قبل عقد من الزمن.
وما يسعدني هو أن الكثير من الكتاب الغربيين خرجوا من الشرنقة التي أرادت حكوماتهم وأنظمتهم وضعهم فيها. انتفض الغربيون في نظرتهم إلى هذا الحدث وكسروا الأغلال التي وضعت على أفكارهم وأبصارهم وتقوقع الشرقيون في شرنقتهم مرددين كالببغاوات ما أرادت الأنظمة الغربية غرسه في أدمغة البشر من مفاهيم وأفعال صارت كما قلنا في الأسبوع الفائت أكثر "شرانية" بمئات لا بل آلاف المرات من الشر الذي وقع في 11 أيلول (سبتمبر) قبل عشرة أعوام.
والخروج من الشرنقة الفكرية والأغلال التي تحدد المفاهيم الإنسانية ضمن الإطار المؤسساتي في الغرب لم يعد استثناء بل صار نسقا وقاعدة يتبعها كبار الصحفيين والفلاسفة والكتاب والأشخاص المتنورين.
وسآخذ الشق الفلسفي في هذه الرسالة وما سأقوله لن يدهش القراء لأن العرب أذكياء بالفطرة. الدهشة ستأتي لأن القراء سيثيرون سؤالا مهما وهو: لماذا غابت هذه الأفكار عن الصحافة والإعلام العربي؟
يثير الفلاسفة معادلات أساسية عند تعريفهم للشر والأسباب التي تجذب البشر نحو اقترافه. وهذه المعادلات والمفاهيم تظهر "شرانية" الأحداث التي وقعت بعد 11 أيلول (سبتمبر) وشرانية الأشخاص والمؤسسات والنظم التي كانت وراءها.
أخرجت أحداث 11 أيلول (سبتمبر) كل الحقد الدفين والضغائن والكره الذي يحمله الغرب للعرب والمسلمين واتخذوا من أحداث أيلول (سبتمبر) ذريعة لإذلال العرب والمسلمين لدرجة أن سعادتهم وغبطتهم تزداد بزيادة التدمير والأذى الذي يلحقونه بهم. والقرآن يحذر من أمثال هؤلاء البشر بأية تجمع وتختصر ما أتى به الفلاسفة من مفاهيم ونظريات لدراسة مكنونات الشر لدى الإنسان: "أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم" (محمد).
القلوب المريضة قلوب شريرة تستقي فرحتها ورفاهيتها بوضع نفسها في موقف الضحية وهي الظالمة ولن يرتاح لها بال حتى تجعل من الآخر الضحية الحقيقية لأضغانها. والفلاسفة عند مناقشتهم الأسباب التي تجعل كائنا عقلانيا مثلنا يقترف فظائع رهيبة لا يعزونها لمفهوم السادية بل لمفهوم آخر يشبعونه نقاشا وهو اللامبالاة.
وكل إنسان قد يصاب بمرض اللامبالاة، أي فقدان الشعور والإحساس بواقع وحالة الإنسان المقابل مهما كان مقدار الأذى والعذاب والألم الذي يلحقه به. واللامبالاة بما يلحقه الإنسان من عذاب بأخيه الإنسان يعده الفلاسفة شرا ووبالا على البشرية ونمطا من الوحشية يفوق وحشية الحيوانات المفترسة.
ويزداد خطر اللامبالاة عندما تتحول إلى جزء من المؤسسة والنظام الذي يدير البشر حيث تنساب اللامبالاة من القمة في المؤسسة والنظام وتصل إلى القاعدة حيث يقوم الجندي البسيط بإلحاق أذى فاحش غير مبرر بإنسان آخر دون اكتراث أو مبالاة ويمنح نفسه من التبرير والعذر الذي لا تنفك المؤسسة والنظام من ترديده.
اللامبالاة هذه هي أكبر خطيئة يقترفها البشر وهي الخطيئة التي جعلت من قتل اليهود والغجر وغيرهم من الشعوب ممكنة ومستساغة على يد النازيين الغربيين وذلك بإحراق الملايين منهم وهم أحياء. وهذه اللامبالاة تجعل من القتل دون سبب متعة لدرجة أن الأشرار يقتربون من ضحاياهم الأبرياء ويولجون سكاكينهم في بطونهم كما كان يفعل الصربيون بضحاياهم من المسلمين.
واللامبالاة هذه تجعل من اقتراف جرائم شنيعة وفظيعة أمرا مستساغا مثل الاغتصاب الجماعي للفتيات والنساء أمام أهلهم وجعلهن يحبلن ومن ثم إطلاق سراحهن كما حدث في كوسوفو من قبل الصرب. واللامبالاة تجعل من الإنسان أن يولج في الشر لدرجة اقتراف فظائع تقشعر لها الأبدان كما فعل الغزاة الأمريكان في سجن أبو غريب في العراق وكما فعل ويفعل الغزاة في أمصار العرب والمسلمين إن في العراق أو فلسطين أو أفغانستان أو غيرها من البلدان.
واللامبالاة شر ومرض لا يقتصر على فئة دون غيرها ولكننا لاحظناه وتحسسناه نحن الأحياء أكثر فأكثر في الأحداث التي تلت 11 أيلول (سبتمبر) كما سنبرهن على ذلك في الرسائل القادمة.
وإلى اللقاء.