اغسل أطباقك
اعتادت أم أحمد أن تدرب أولادها على المشاركة في تولي بعض المسؤوليات العامة تجاه الأسرة والمجتمع من وقتٍ لآخر هذا بالطبع إضافة إلى اعتمادهم على ذواتهم وتوليهم شؤونهم بأنفسهم. لم تكن الحاجة ملحة لفعل هذا الأمر في الوقت الحاضر، لكون الخادمة مع ابنتها الكبرى تتوليان جزءاً من هذه المسؤوليات، إلا أن دافع أم أحمد لتعريض أولادها لهذا النوع من التدريب ناجم عن استشعارها أهمية أن يكون لدى الأسرة الاستعداد لإجراء سياسة متقشفة بعض الشيء في المستقبل، وبشكل قسري وليس اختيارياً، إذ ليس من المتوقع أن تظل الأسرة في رخاء دائم كما هو الوضع الآن! لذا كانت أم أحمد تفرض على أولادها هذه السياسة المتقشفة ليتدربوا على ظروف مشابهة في المستقبل، وليستشعروا حاجة غيرهم من الفقراء، بل ربما أن يقوموا بتلبية احتياجات آخرين من المفتقرين لأشياء لم يعد أولادها بحاجة إليها، عن طريق دفعها لهم، إلا أن الأمر الذي لم يكن لأولادها خيارٌ فيه هو جهات الصرف حين يتعلق الأمر بالمال، إذ كان يجب على الأولاد في كل مرة أن يتأكدوا أنهم يصرفون أموالهم ضمن القنوات المقبولة والمتفق عليها مسبقاً في إطار الأسرة، إذاً بكل بساطة كان لدى أبي أحمد وزوجه خطة مالية يسيران وفقاً لها. يغيب هذا النوع من المسؤولية الاجتماعية على الكثيرين منا، بل أكثر من هذا إن مسؤوليتنا عن طريق الشراكة مع المؤسسات الرسمية غائبة هي الأخرى، إذ إننا قد لا ندرك كيف من الممكن أن تعمل هذه الشراكة على تسهيل قيام هذه المؤسسات الرسمية بالدور المطلوب منها على أكمل وجه. ولا تقتصر هذه الشراكة مع مؤسسات الدولة الرسمية على الأفراد عبر المحافظة على المكتسبات الحضارية، وعدم العبث بها وتشويهها؛ بل تندرج تحت هذه المسؤولية الاجتماعية، شراكة القطاع الخاص في التنمية ومختلف مناحي الحياة المتعلقة بالوفاء بحاجات المجتمع المدني، وبشكل غير اختياري تفرضه الدولة على هذا القطاع المهم، انطلاقاً من دوره في التنمية الحضارية والاقتصادية للبلد وقدرته على ذلك، وأهمية أن يكون رائداً في هذا الجانب وليس تابعاً لإملاءات معينة. ومن الضروري ألا تكون هذه المسؤولية الاجتماعية عشوائية وكيفما اتفق، بل يجب أن تكون ملتزمة بالسير وفق خطط استراتيجية ملزمة ومتسقة مع توجهات القيادة العليا والإرادة السياسية، بل أكثر من ذلك، أن تكون هذه الشراكة قادرة على إضافة الجودة النوعية الممزوجة بنكهة القطاع الخاص المشهود لها بالتميز من الجميع، إذ من الملاحظ أن ما يستقطعه القطاع الخاص للوفاء بمسؤوليته تجاه المجتمع، على الرغم من كون هذه الاستقطاع غير ملزم، فإن إنفاقه في معظم الأحيان لا يحقق أهدافاً غير تقليدية وتصب في مصلحة المجتمع بشكل مباشر، هذا إن كان لهذه المسؤولية الاجتماعية أهدافاً من الأساس، سوى الجانب الدعائي المحض! بل أكثر من ذلك، إن الكثير من مساهمات بعض شركات القطاع الخاص لا تعدو أن تكون شكلاً آخر من مظاهر الثقافة الاستهلاكية في المجتمع، فمعظم هذه المساهمات تغيب عنها صفة الديمومة، والكثير منها منتهي الصلاحية وغير استراتيجي.
وباختصار فإن من حق الدولة والمجتمع على القطاع الخاص أن يكون أكثر استشعاراً لمسؤوليته الاجتماعية، ويكون في غاية الكرم تجاه التسهيلات التي منحتها له الدولة حين كان غضاً طري العود حتى استوى على سوقه، ويستشعر أن الوقت قد حان لكي يفي لمن وفى له، وأن يترك بصمة دائمة على جبين التاريخ تبقى جيلاٍ تلو جيل ولا تقدر على محوها عوامل التعرية.