عمالقة ضعفاء في قلب الآمال المصرفية
''إذا توافرت لديك الأموال، عليك أن تخرج وتشتري أسهم البنوك في الحال''.
كانت النصيحة المقدمة من بان جونسهينج صريحة نموذجياً. وبعد تقديم نتائج مذهلة بشأن بنك الصين الزراعي قبل أسابيع قليلة، شعر نائب رئيس البنك المقرض أن ثمة سببا جوهري لأن يكون متشائماً.
كان جونسهينج يتحدث حول المؤسسات الصينية، وليس الأسهم الهابطة لنظيراتها الغربية – وبالمثل، أحاطت مشاعر الاندفاع في قطاعات المصرفية في الأسواق الناشئة الكبيرة الأخرى، وعلى وجه الخصوص أسواق البرازيل، وذلك خلال العامين الماضيين.
تحولت الأزمة المالية التي عصفت بمعظم العالم قبل ثلاث سنوات إلى أزمة ديون سيادية بجولة ثانية من الآثار السلبية على البنوك في أوروبا، والولايات المتحدة. وفي غضون ذلك، فإن أداء نظرائها في اقتصادات ''بريك'' عالية النمو، البرازيل، وروسيا، والهند، والصين – تحديداً البرازيل، والصين اللتان أظهر اقتصاداهما اتجاهات نمو قوية – كان في وضع جيد للغاية.
ازدهرت البنوك المحلية. ودفعت البنوك الأجنبية – من ''إتش إس بي سي''، إلى ''سانتاندر''، و''سيتي جروب'' – بقوة باتجاه التوسع في تلك الأسواق، حيث لا تجذبها توقعات النمو فحسب، وإنما كذلك حقيقة أن مثل تلك الاقتصادات، التي تأثرت على نحو أقل بالأزمة العالمية، اتخذت عموماً اتجاهاً أقل وطأة بالاندفاع نحو الإصلاحات التنظيمية التي تقيد الأرباح في الغرب.
في الآونة الأخيرة، على أية حال، هنالك دليل على أن وتيرة زخم قصة نمو البنوك تبرهن على أن من الصعب استدامتها. وكانت الدعوة من جانب بان، من البنك الزراعي، بمثابة محاولة لدعم هبوط نسبته 20 في المائة في أسعار أسهم البنوك الصينية هذا العام، أكثر من كونها صرخة انتصار للثقة في سوق مزدهرة. ويبدأ المتشككون بالسؤال: هل سينتهي كل ذلك بالدموع؟
اعتمد التطور السريع للبرازيل، والصين خلال العقد الماضي أو نحوه، على توسع جذري في قطاعيهما المصرفيين اللذين اعتمدا بدورهما على التطور السريع لسوق الإقراض التي كانت تعمها الفوضى في الماضي.
يتذكر باولو خوزيه كيف جاء الائتمان إلى البرازيل، ومهد الطريق لسوق عقارات فاعلة. ويقول وسيط العقارات المخضرم إن التغيير الحاسم جاء عام 1997، حين تمت الموافقة على قانون يسمح للمقرضين باستعادة العقارات من المتخلفين عن السداد. وفي الوقت ذاته، بدأ صانعو السياسة بمحاولة الحد من التضخم الجامح، وأسسوا نطاقاً في الأجل الطويل لإجراء تخفيض تدريجي على معدلات الفائدة. وهكذا ولدت سوق القروض العقارية في البلاد.
في غضون أكثر من عقد بقليل، نمت القروض العقارية البرازيلية من الصفر فعلياً، إلى 17 في المائة من ديون الأسر، أو حوالي 4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأصبحت القوة الدافعة للاقتصاد. ويتذكر خوزيه الذي يعمل في ضاحية جاردينز للنخبة في ساو باولو، قائلاً: ''في السابق، حينما كان التضخم جامحاً، كان من الصعب للغاية أن يحصل الناس على تمويل. وكان الأمر سخيفاً، ومجنوناً. وأما الآن، فقد استقرت الأمور''.
هذا مجرد توضيح واحد للكيفية التي تغيرت بها صناعة المصرفية في البرازيل، واقتصادها، خلال العقد الماضي. وساعد سجل البلاد المتمثل في الإدارة الاقتصادية المستقرة، والنمو الثابت، وبروز طبقة وسطى أدنى جديدة، والارتفاعات في الأجور، على إنتاج أحد أقوى القطاعات المالية في الأسواق الناشئة. وفي أوائل تسعينيات القرن الماضي، كان يتم قياس التضخم بآلاف النقاط المئوية. وأما اليوم، فإنه بأرقام من خانة واحدة.
تتفاخر البنوك البرازيلية بملاءمة نسب رأس المال بكونها من أعلى النسب في العالم، حيث أن معدل الطبقة الأولى منه يعادل بالمتوسط 17 في المائة من أصولها الموزونة بالمخاطر. وتعتبر ربحيتها موضع حسد من جانب نظرائها الغربيين.
تطورت قصة مماثلة – مع أكثر بقليل من النفوذ الحكومي – في الصين. ومن كونها لا تتمتع بأي ملاءة فعلية قبل عقد مضى، إلى ظهورها كأكبر مؤسسات مالية في العالم، وممهورة بنمو أرباح برقم من خانتين، وميزانيات عمومية تتمتع بحالة جيدة بامتياز، فربما نغفر للبنوك الصينية كونها تمشي بخيلاء.
مرة أخرى تم تنظيم المؤسسات في أواخر تسعينيات القرن الماضي حينما حقنت بكين 100 مليار دولار في أكبر البنوك التي تملكها الدولة، وفصلت قروضها المتعثرة إلى شركات لإدارة الأصول. وساعد هذا الأمر على تحويلها من بقايا غير مرنة من التخطيط المركزي على الطراز السوفيتي، إلى شركات أكثر مرونة بتركيز تجاري أكثر حدة. وفي خضم دفعها نحو الكفاءة، قامت بتخفيض أعداد الفروع، وتسريح مئات الآلاف من الموظفين. وبوجود مقرات جديدة براقة، وشبكات آلات النقد الموسعة، بدأت تشبه البنوك في أي مكان آخر في العالم المتقدم.
كانت ذروة هذه التحولات موجة من الاكتتابات العامة الأولية بدأت في عام 2005. وتبقى الحكومة مالكة حصة الأغلبية في البنوك، ولكن الإدراج فرض عليها أن تصبح أكثر شفافية – وكذلك الرد على مساهمي القطاع الخاص، في خطوة تهدف إلى مواصلة دفع عملية الإصلاح.
أثبتت النظرية صحتها – إلى حد ما . ويعكس نمو مصرفية الإنترنت، والبطاقات الائتمانية، ومجموعة من المنتجات الاستثمارية المقدمة إلى المدخرين، المستوى المتزايد للمنافسة. غير أن البنوك الصينية ما زالت تستنبط نحو 70 في المائة من عوائدها من هوامش صافي الفائدة السهلة التي تقدمها بكين على طبق من فضة، بتحديد حد أدنى على معدلات الفائدة على الإقراض، وسقف أعلى على معدلات الفائدة على الودائع، الأمر الذي يسمح لها بالاقتراض بأسعار رخيصة، وتقديم القروض بكلفة عالية. وعمل الانفجار في الاقتراض خلال الأعوام الثلاثة الماضية – مع قيام الدولة باستخدام البنوك كمؤسسات وسيطة لإدارة حافز مالي ضخم – بمثابة تذكير على أن الحكومة، وليست السوق، هي السيد الأعلى.
وفقاً لبيانات البنك المركزي، فإن إجمالي القروض في الصين أعلى بنحو 80 في المائة من مستواه قبل الأزمة. ومع ذلك، جاء ذلك النمو إلى حد كبير بناءً على أوامر صادرة من بكين لفتح الائتمان. ويقول المتشائمون إن من شأن ذلك أن يؤدي إلى تعطيلها – وسبب مهم ينظر لأجله المستثمرون القلقون إلى البنوك الصينية وكأنها عمالقة ضعيفة.
من بين وكالات التصنيف الائتماني الرئيسة، قرعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني جرس الإنذار بصوت أعلى، وحذرت من أن أكثر من نصف القروض الجديدة جميعها منذ عام 2008، ذهبت إما إلى قطاع العقارات زائد السخونة، أو إلى الحكومات المحلية المدينة، وربما يصارع الطرفان لتسديد الدفعات المستحقة.
تقول شارلين تشو، من وكالة فيتش: ''ثمة احتمال كبير بأننا سنشهد بعض التدهور في جودة الأصول خلال الأعوام القليلة المقبلة. وأما مدى شدة هذا التدهور، وما إذا كان الدعم السيادي سيكون مطلوباً، فيبقى أمر يتعين رؤيته''.
جاءت الإشارة على تراجع ثقة المستثمر في اتجاه الإصلاحات خلال الشهر الماضي حينما باع بنك بانك أوف أمريكا حصة نسبتها 5 في المائة في بنك الإعمار الصيني، ثاني أكبر مقرض في البلاد – وفي العالم – حسب القيمة السوقية. وقالت مصادر مطلعة على الصفقة إن ''بانك أوف أميريكا'' – بضغط محلي لدعم الميزانية العمومية المتعثرة – صارع لتحفيز المؤسسات الأجنبية على الشراء، وانتهى الأمر ببيع المركز إلى مؤسسات صينية تملكها الدولة. وقبل بضع سنوات، كان المشترون الغربيون سيصطفون للحصول على مثل ذلك الأصل الثمين.
توجهت التوقعات المثقلة بالكآبة نحو البرازيل كذلك، حيث عاد النمو السريع للبلاد هذا العام إلى مستويات طبيعية على نحو أكثر، بعد ارتفاع بتحفيز مالي في عام 2010 بلغ 7.5 في المائة، وسط إحياء مقصود للتضخم.
يجادل مديرا صندوقي التحوط، بول مارشال، وأميت رايبال، من ''مارشال واس''، بالقول إن سوق الائتمان في البرازيل تتجه نحو أزمة على غرار أزمة الولايات المتحدة. وكتب الاثنان في شهر تموز (يوليو): ''إننا حاليا نخاطر بالانتقال من الطفرة إلى الانفجار''. ويجادلان بالقول إن سداد الديون يستهلك قرابة 28 في المائة من دخل الأسر المعد للإنفاق، بينما كان المستهلك الأمريكي ينفق 14 في المائة على الديون حينما ضربت أزمة القروض العقارية المقدمة إلى ضعاف الملاءة في عام 2008.
يشيران كذلك إلى أن معدلات الفائدة العالية في البرازيل – تبلغ 47 في المائة، ولكن تصل إلى قرابة 205 في المائة بشأن نوع واحد من قروض البطاقات الائتمانية – الأمر الذي يزيد معدلات التخلف عن السداد، ويثير المشاكل في بعض البنوك الأصغر حجماً. وفي واقع الأمر، وصلت معدلات التخلف عن سداد القروض إلى أعلى مستوى منذ 17 شهراً في شهر تموز (يوليو)، وارتفعت القروض المعلقة لمدة تسعين يوماً أو أكثر إلى نسبة 5.2 في المائة من القروض المقدمة، مقارنة بنسبة 5.1 في المائة في شهر حزيران (يونيو). (في الولايات المتحدة قبل الأزمة، تجاوزت نسبة القروض المتخلفة عن السداد نسبة 10 في المائة). وارتفع معدل التخلف عن السداد بالنسبة إلى الأفراد إلى 6.6 في المائة من القروض في شهر تموز (يوليو)، بارتفاع عن نسبة 6.4 في شهر حزيران (يونيو)، بينما لم يتغير معدل الشركات عن نسبة 3.8 للشهر الثالث.
تقول سيرلينا، التي تعمل خادمة في بيت ثري في مدينة سالفادور في شمال شرق البرازيل المزدهر، وانتهى الأمر بشقيقها وزوجته على القوائم السوداء لوكالة الائتمان بصفتهما متخلفين عن السداد: ''منذ عامين، كان الأمر سهلاً فعلياً لاقتراض النقود''. وبالنسبة إلى الفقراء، تبرز المشكلة حينما تضطرهم نفقات غير متوقعة، مثل حالة طبية طارئة، إلى تأجيل دفعة ما. وتقول سيرلينا: ''ينفق معظم الناس دخلهم الإضافي على سداد الديون''.
لكن مجموعة من المعلقين ترفض المقارنات ''المبسطة'' بين البرازيل، والولايات المتحدة، ويجادلون بالقول إن الزيادة في معدلات التخلف عن السداد في البرازيل سببها جزئياً دورة الائتمان حينما يعتدل النمو الاقتصادي، ويرفع البنك المركزي معدلات الفائدة – بنحو 175 نقطة أساس هذا العام – لاحتواء التضخم. ويقولون إن معدلات التخلف عن السداد تبقى أدنى من المستويات العالية التي شهدتها البلاد عام 2009، وبالتوازي مع الاتجاهات طويلة الأجل.
جادل بيت التمويل المحلي في البرازيل، ''داينامو''، في ورقة مستثمرين حديثة، بالقول ''صحيح أن الائتمان يتزايد في البرازيل بمعدلات مرتفعة، ولكن أساس، ونشاط النمو قائمان على أسس سليمة''. وهذه الشركة مستثمرة أجل طويل في رائدة السوق البرازيلية، ''إيتاو يونيبانكو''، كما أنها أكبر بنك قطاع خاص في أمريكا اللاتينية.
من أحد الجوانب، فقد بنيت الفقاعة الأمريكية عن إغفال المخاطر التي غذت أسعار الأصول – ولا سيما العقارات – حيث كان باستطاعة المستهلكين الاقتراض بأسعار فائدة متدنية للغاية. وأما في البرازيل، فيحدث العكس، حيث تعني معدلات الفائدة المرتفعة من قبل البنوك أن المخاطرة مأخوذة في الحسبان بصورة سليمة، الأمر الذي يحد من قدرة المقترضين على مراكمة الديون. ويضاف إلى ذلك أنه ما زال أمام الاقتصاد طريق طويل ليصل إلى معدل انتشار الائتمان لدى جيران أمريكيين لاتينيين، مثل تشيلي، حيث يبلغ ائتمان القطاع الخاص 70 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وأما النسبة في البرازيل، فهي 47.3 في المائة، مقابل 26 في المائة عام 2002.
بعد أن قلنا ذلك، يتساءل البعض ما إذا كان بإمكان الائتمان في البرازيل أن يستمر في النمو بهذه السرعة العالية. ويجادل توني فولبون، من نومورا، بأنه ستكون هنالك ضرورة لآجال استحقاق أطول، ومعدلات فائدة أدنى لاستدامة نمو ائتماني أسرع.
تراجعت قيمة أسهم ''إيتاو'' الذي كان واحداً من الأسوأ أداء في سوق الأسهم البرازيلية، بنسبة 33 في المائة هذا العام. وعمل على جرها نحو الأسفل وجود ديون أسوأ من المتوقع في وحدة الشركات الصغيرة التي أصابت المستثمرين بالفزع. ويقول فولبون في هذا الصدد: ''إننا نرى مستهلكين برازيليين توسعوا كثيراً في استهلاكهم بالفعل، وهم معرضون لأي صدمات غير متوقعة فيما يتعلق بتوافر الائتمان، ونمو الدخل''. غير أنه يقول كذلك:''لا نتوقع حدوث فقاعة ائتمان في البرازيل''.
تأمل الصين بوضع ملائم مماثل. ويفاخر جيم أتونز، من ''ميزوهو سكيوريتيز''، بكون الشركة ''أكثر المحللين سلبية بخصوص البنوك الآسيوية في العالم''، حيث لا توجد توصيات ''شراء'' على أي من المقرضين الصينيين. ورغم ذلك، فإنه ينفي أي توقع بأن الصين على حافة أزمة ائتمان ذات أسباب محلية. وقال أنتوس: ''إنهم بحاجة إلى المحافظة على الاستقرار الاجتماعي، وهذا هو المحرك الرئيس لكثير من الأمور المتعلقة بالقطاع المصرفي. وستكون لديهم عمليات إنقاذ هادئة للغاية للمؤسسات الأضعف''.
غير أنه سواء إذا أكانت الأوضاع سهلة أم صعبة، فإن أي تباطؤ مستدام، أو رد فعل عكسي للطفرات الائتمانية في البرازيل، والصين يمثل أنباءً سيئةً للبنوك الغربية التي تتطلع إلى نمو الأسواق الناشئة لتعويض توقعات الأعمال المكافحة في بلدانها.
هنالك تحذير جديد، كما يقول أحد الرؤساء التنفيذيين لبنك أوروبي ذي طموحات منذ فترة طويلة في السوقين ''لقد انتهت القوة الدافعة الكبرى. وهنالك نوع من الفقاعة، كما لا بد من معالجة بعض القضايا في الوقت الراهن، ولا سيما فيما يتعلق بالقروض سيئة الأداء''. ورغم ذلك يستخلص قائلاً ''ما زلنا نريد أن نكون هناك''.