اليابان بحاجة ماسة إلى إعادة تصور لتلافي صدمة المستقبل
اليابان ميالة بصورة خاصة إلى النمطيات. في أحيان كثيرة نقرأ عن ''الثقافة الفريدة'' لليابان، وعن ''العقود الضائعة''، والهياكل ''المقاوِمة للتغير، ومجتمعها الذي يتقدم في السن ويسوده الشيب ويقترب من نهاية حياته''. وأفضل ما فعله محررو هذه المجموعة من المقالات هو أنهم طلبوا من الأشخاص الثمانين الذين ساهموا في هذا الكتاب إعادة تصور اليابان. وكثير منهم قبلوا هذا الطلب من قلوبهم، وأعادوا تصور – أو تفسير – ماضي اليابان وحاضرها ومستقبلها بطرق تلقي ضوءاً جديداً بحق على الموضوع.
بطبيعة الحال نلقى في الكتاب الترنيمة المعتادة من الشكاوي. بالنسبة لكثير من المؤلفين، تعتبر اليابان مفلسة، ولا ترى إلا نفسها، وبحاجة ماسة إلى أفكار جديدة حول الهجرة والدبلوماسية والابتكار التكنولوجي والسياسة المالية العامة والتنظيم السياسي. ويستشهد كثير من المشاركين بالتراجع في عدد الطلاب اليابانيين في الخارج على أنه دليل على أن اليابان تتقوقع على نفسها. لكن يرى آخرون أنه ينبغي اتباع منهج أقرب إلى نهج شومبيتر بالنسبة لتنظيم الشركات، على نحو يسمح لبعض الشركات بالإخفاق بحيث تستطيع أن تحل محلها الشركات ذات القدرة الإبداعية الأكبر.
بعض هذه الحجج تتمتع بالمتانة والوجاهة. لكن قوة الكتاب هي في تنوع الآراء. على سبيل المثال يجادل مؤلفون آخرون بأن التراجع الرشيق هو بالضبط ما تحتاج إليه اليابان، أو حتى أن من الأفضل بالنسبة إليها أن يكون عدد السكان أقل مما هم عليه. ويقول ناتسومي إيواساكي، الذي كتب حكاية تخيلية عن أثر بيتر دراكر، صاحب النظريات في علم الإدارة، على لعبة البيزبول في اليابان، إن اليابان أصبحت ''مدركة لمغالطة النمو غير المحدود''. وهو يجادل بأن هذا يجعلها زعيمة في السعي لتعظيم نوعية الحياة حتى وسط الجمود والانكماش الاقتصادي وتراجُع عدد السكان.
أما آدم بوزِن، وهو عضو في لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي البريطاني وزميل أول في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن، فهو يجادل بأن أخطاء السياسة في التسعينيات بعد انفجار الفقاعة تفسر أداء اليابان الفاتر. وهو يقول إنه عندما تم إصلاح هذه السياسات، على سبيل المثال من خلال تنظيف النظام البنكي في عام 2002، تفوقت اليابان في أدائها على جميع البلدان المتقدمة من حيث النمو الحقيقي في معدل دخل الفرد. ويقول: ''الانطباع الخاطئ المتواصل عن الطابع الاستثنائي لليابان يعني أن كثيراً من المعلقين ''يغضون النظر أو يطرحون جانباً مستوى الأداء الطيب للاقتصاد في العقد الأول من القرن الحالي إلى أن وقعت الأزمة المالية العالمية''. من وجهة نظر بوزِن، مستقبل الاقتصاد الياباني سيكون على شاكلة الاقتصاد البريطاني، بمعنى أنه لن يعود لاعباً مهيمناً، ويفتقر إلى القدرة على استعادة أمجاد الماضي المبالَغ فيها وغير القابلة للاستدامة. ربما لن يكون الاقتصاد مثيراً. لكنه أبعد ما يكون عن كونه اقتصاداً لا أمل يرجى منه. إلا إذا خسرت بريطانيا كذلك بطبيعة الحال.
هناك أمر لم يستطع أن يتوقعه أي شخص، وهو الزلزال الهائل الذي ضرب اليابان إلى جانب إعصار سونامي والأزمة النووية قبل فترة قصيرة من إرسال الكتاب إلى المطبعة. وكانت النتيجة في كثير من المقالات إضافة قسم كُتِب على عجل يفسر كيف أن هذه الأزمة الثلاثية تعمل على تضخيم التحديات أمام اليابان وفي الوقت نفسه تجعل الحاجة إلى مستقبل أعيدَ تصوره أكثر إلحاحاً من ذي قبل. لكن الكتاب ينجو – بل وحتى يستفيد – من هذا التوقيت الصعب.
على سبيل المثال، يقول يُوْوِتشي فوناباشي، رئيس التحرير السابق لصحيفة ''أساهي شيمبون''، إن أزمة الحادي عشر من آذار (مارس) أدت إلى ''إعادة توحيد صاعقة للصفوف'' إلى درجة أن اليابان لا بد أنها اهتزت بقوة وأفاقت من ''أوهام التراجع الرشيق'' التي كانت تفكر فيها. وهو يقول على نحو دراماتيكي إن خيار اليابان هو ''إما أن تولَد من جديد أو تتعرض للدمار''. ويتفق معه في ذلك بيل إيموت، رئيس التحرير السابق لمجلة ''إيكونومست''. فهو يجادل بأنه لا بد لليابان أن تعيد اختراع نفسها بأن تصبح عاملاً مساعداً للتكامل الإقليمي ومركز خدمة لآسيا، وهو تحول من شأنه أن يتطلب اعتناق المبادئ اللبرالية في جميع الجوانب دون استثناء. وهو يتوقع أنه في حالة عدم حدوث ذلك فإن مستقبل اليابان سيكون مستقبلاً يتسم بتلاشي أهمية ومكانة اليابان.
وهناك قدر كبير من الآراء المتنوعة والمختلفة حول التوزيعات والأنماط السكانية في اليابان. ويرسم براد جلوسمان، المدير التنفيذي لفرع المنتدى الباسيفيكي لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، يرسم صورة قاتمة عن مجتمع يكثر فيه كبار السن وقد جفت منه ''الحيوية الاقتصادية''، وتتحرك فيه مشاعر الاستياء والسخط بين الأجيال، وتتركه أفضل المواهب الشابة للسفر إلى الخارج. هناك الكثير من الآراء المتضاربة في هذه المقالات، لكن جلوسمان يبدو أنه واحد من القلة التي تشعر بالقلق في آن معاً من أن الشباب الياباني لا يهتم بالعالم الخارجي وأنه في سبيله إلى مغادرة اليابان بأعداد ضخمة.
مع ذلك، بحلول عام 2055 من الممكن أن يكون 41 في المائة من السكان في اليابان فوق سن الخامسة والستين. يقترح بعض المؤلفين الهجرة الجماعية – وهو حل يصفه أحد المعترضين على الفكرة بأنه ''ذهب الحمقى'' (بمعنى أنه يلمع كالذهب لكنه لا قيمة له، في إشارة إلى كبريت الحديد، الذي يشبه الذهب في مظهره) – في حين يتوقع آخرون مجتمعات بأكملها من العجائز اليابانيين يعيشون حياة مريحة نسبياً في جنوب شرق آسيا. أما إزرا فوجل، الذي أثار كتابه الممتاز اليابان باعتبارها صاحبة المرتبة الأولى توقعات مبالَغ فيها حول القوة الاقتصادية اليابانية، فإنه يشك في أن يكون التقدم في السن مشكلة كبيرة على هذا النحو. وكما يقول فوجل، الأستاذ الفخري لعلم الاجتماع في جامعة هارفارد: ''عمري 80 سنة وما أزال أقوم ببعض الأمور''.
ومن أفضل المقالات في الكتاب مقالة كتبها ماساهيرو يامادا، الذي وضع تعبير ''الأعزب الطفيلي'' في وصف الشباب الذين يعيشون في منازل أهليهم للمحافظة على مستوياتهم المعيشية العالية. وهو يتحدث بصورة مقْنِعة عن الحاجة إلى إحداث تغيير جذري في الطريقة التي تقوم فيها الشركات اليابانية بالتوظيف، وذلك في سبيل القضاء على نظام يقسم العمال إلى عمال دائمين يتمتعون بمنافع مدى الحياة و ''عمال سائلين'' لا يعملون بصفة دائمة.
كذلك نجد في الكتاب مكاناً للأفكار الشاذة الخارجة عن المألوف. تكتب هانا بيتش عن إمكانية أن تتفتح اليابان وتظل يابانية في آن معاً، وذلك في دراسة لها لرياضة السومو، وهي لعبة قديمة يهيمن عليها الآن المنغوليون وأهل أوروبا الشرقية. كما أن المؤلف الناجح لإحدى قصص الرسوم المتحركة، التي تدور حول رجل أعمال ذي توجهات دولية، يناقش كيف أن الشعار الذي تنادي به الشخصية الرئيسة في القصص، وهو ''يجب التفكير بطريقة عالمية''، يمكن تطبيقه على العالم الحقيقي خارج الرسوم الكرتونية. كما أن تايلر بروليه، وهو صحفي يعمل في ''فاينانشيال تايمز''، يتحدث عن الطريقة التي أصبحت بها اليابان زعيمة عالمية في عالم الأزياء مرة أخرى من خلال رفضها لسوق السلع الفاخرة الأوروبية والتحول بدلاً منها إلى التصاميم اليابانية. بمعنى أنه يريد أن تسير المرأة اليابانية دون أن تحمل في يدها بصورة لازمة حقيبةً من تصميم لويس فيتون. ألا تلاحظ معي أن هذا يعتبر فعلاً إعادة تصور لليابان؟