لهذه الأسباب خططت إيران لاغتيال السفير السعودي عادل الجبير

عندما تود أن تعرف سياسة دولة عليك أن تلج نمط تفكيرها وأسلوبها الأمني، فأغلبية الدول تلتزم شكلا بالقانون الدولي واحترام دول الجوار، غير أنها عمليا تخرق هذا القانون وتمارس أنشطة غير قانونية وغير شرعية لخدمة أهدافها، وعندما تكون الأهداف غير مشروعة فإن تحقيقها لا يتم بوسائل مشروعة؛ لهذا فهي تنتهج نهجا مغايرا تقتل فيها قتلاها وتمشي في جنائزهم، وتدعي أنها تتعرض لهجمة دولية، وتدفع بمبررات عديدة لإقناع الشارع بصحة سياساتها وبزيف ادعاءات الآخرين ناحيتها.
ولإثبات ذلك علينا أن ندقق في المحاضرة الشهيرة للدكتور عبد الله النفيسي حول الربيع العربي ''موجة التغيير الشعبي في الوطن العربي السياق والدلالة في جامعة الكويت يوم الأحد 20/3/2011''، الذي يؤكد فيها أنه التقى أئمة شيعة في العراق وفي طهران، التي أقام فيها أكثر من عام لإتمام مطلبات أطروحته للدكتوراه التي كانت بعنوان ''دور الشيعة في التاريخ السياسي للعراق''، وقال إنه التقى العديد من الأئمة العرب في طهران وناقشهم في مسائل عديدة، من بينها ولاية الفقيه، والتشيع الإيراني لدرجة أن محمد باقر الحكيم عندما تحدث إليه أغلق الأبواب والشبابيك خوفا. ويضيف النفيسي ''لقد جمعتني سنة 2002 قبل احتلال العراق جلسة مع محمد باقر الحكيم، فبعد أن ألقيت محاضرتي السنوية في النادي الدبلوماسي في طهران، ورجعت إلى الفندق تلقيت اتصالا من محمد باقر الحكيم، واستضافني فأرسل إلي سيارة (جراند زادي) وأخذتني إلى بيته، وجلسنا معا بيننا طبق مأكولات إيرانية، فأغلق الباب والشبابيك، وقال لي: يا عبد الله نحن استضفناك ستة أشهر في بيتنا، أنا أحس أن الإيرانيين اضطهدونا، فطلبت منه أن يخفض صوته لئلا يسمعه أحد، وقلت له: نحن نعتبركم في العالم العربي والخليج عملاء لإيران، فقال: يا ليتهم يعاملوننا كعملاء لإيران، إنهم يذلوننا لأننا عرب، وقد اكتشفت بأنهم فرس، والتشيع بالنسبة لهم حصان طروادة لاختراق العالم العربي. فقلت له: وماذا ستفعل؟ فقال: أول خطوة سأقوم بها حين أعود إلى النجف أن أحوّل المرجعية إلى مرجعية عربية بدل المرجعية الفارسية''. وعليه يرى النفيسي أن اتهام القاعدة بمقتل محمد باقر الحكيم ليس صحيحا، فليس للقاعدة أي مصلحة في اغتيال الحكيم، ويؤكد النفيسي أن محمد باقر الصدر كان قد قتل بأمر من الخميني الذي رغب في الخلاص من العلماء ذوي الشأن، فأرسل رسالة إلى الإذاعة الإيرانية يطلب فيها من الصدر عدم القدوم إلى طهران؛ لأن الثورة في العراق قاربت على الحدوث؛ ما أدى إلى اعتقاله وإعدامه، وأكد ذلك كل من أحمد الكاتب والدكتور موسى الموسوي.
كما أن الخميني الذي عاد إلى طهران من باريس كان حانقا على كثير من علماء الشيعة ورموز الثورة الإيرانية فترة اشتعالها فهم من اكتوى بنارها، وبحسب كثير من الباحثين فإن الخميني أسهم في تصفية خصومه بالتعاون والمخابرات الفرنسية، وبخاصة علي شريعتي الذي كان من أبرز المحرضين على الثورة وأكثرهم حضورا ورقيا في طرح أفكاره، وقد اغتيل شريعتي عام 1977 بعد بدء الاحتجاجات في إيران، حيث كانت للخميني وجهة نظر قومية دينية مزجت التشيع بالمصالح الإيرانية، بينما كان علي شريعتي مناقضا لهذا التوجه الشعوبي وخصص كتابه ''التشيع العلوي والتشيع الصفوي'' للفصل بين النظرتين والتوجهين؛ الأمر الذي لم يرق للخميني كثيرا واعتبره تعديا على رؤيته ونقضا لها.
كما أن الخميني أيضا كان وراء اغتيال الإمام موسى الصدر، الإيراني الأصل والمتجنس بطلب من شاه إيران بالجنسية اللبنانية، الذي دعمه شاه إيران لإيقاظ الدور الشيعي في لبنان بعد أن أقرت المخابرات الأمريكية قانون مكافحة الشيوعية وبناء الطوق الديني لمواجهة الاتحاد السوفياتي، وهو المبدأ الذي مهّد الطريق أمام الخميني وثورته، وأمام حكومة طالبان في أفغانستان، وهي نظرية ابتدعها مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي زبينجو بريجنيسكي، ويروي الدكتور عبد الغفور عبد الكريم (باحث عراقي) أن القذافي كان يدعم الحركات اليسارية ومنها الثورة الإيرانية، ولهذا دعا الصدر إلى طرابلس في 25/8/1978 وكان مرافقا له كل من الشيخ محمد يعقوب وعباس بدر الدين، ويقال أن المنسق لهذا اللقاء كان المسؤول الأمني مصطفى جمران عبر الجزائر، وجمران كان ضابط اتصال بين مخابرات الشاه والمخابرات الإسرائيلية؛ لأن مهمة الصدر كانت مكافحة الشيوعية في لبنان، خاصة أن قياديي الحزب الشيوعي اللبناني أغلبهم من شيعة لبنان مثل حسين مروّة ومهدي العامل، هذا على الرغم من صلة النسب بين الخميني والصدر إلا أن الصدر كان يرأس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان، وكان له تأثير واسع في إيران والعراق، ولهذا قتل الصدر بمباركة الخميني، وبحسب الرواية الإيرانية فإن الخميني كافأ مصطفى جمران بتعيينه وزيرا للدفاع الإيراني في حكومته الأولى، رغم أن عددا كبيرا من الأئمة الإيرانيين أكدوا له أنه كان ضابط ارتباط مع الموساد الإسرائيلي. ويقول الدكتور موسى الموسوي إن سبب حنق الخميني على موسى الصدر لأن الخميني كانت له ميول اشتراكية وأنه حنق على الصدر لمساهمته في مكافحة الشيوعية (انظر: مجلة ''لحوادث'' في عددها 8/2/2002 التي جعلت الموضوع الرئيس لها ''موسى الصدر.. الإمام الساحر الذي أفقد اليسار اللبناني قاعدته الشعبية).
ضمن هذا المنطق وضمن هذه السياسات وبحسب مسؤول يمني سابق أكد أن لقاءً تم بين وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي ووزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي على هامش اتهامات اليمن لإيران بدعم حركة الحوثيين، وعبر السفارة الإيرانية في صنعاء، وأن القربي قدم لمنوشهر متقي مستمسكات وأدلة وقرائن، جعلته يؤكد أن هذا العمل لا تقوم به وزارة الخارجية الإيرانية، وأن هذه الأعمال من طبيعة الحرس الثوري الإيراني. كذلك جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، التي تطول خيوطها كلا من إيران وسورية وكيف أكدت مجلة ''ديرشبيجل'' الألمانية أن جريمة اغتيال الحريري تم التدريب والإشراف عليها من قبل فيلق القدس الإيراني، إضافة إلى فرق الموت والاغتيال التي تعرض لها العلماء والطيارون العراقيون، التي تجاوزت ألفي قتيل، كما تمكنت إيران من تدمير قواعد بيانات هيئة المعلومات المدنية العراقية تحت سمع وبصر الأمريكان لتمكين مليون ونصف مليون إيراني من دخول العراق والتجنس والوصول إلى المناصب السياسية العليا، وكذلك أعمال التفجيرات الإرهابية.
المعارضة الإيرانية في باريس أعلنت في بداية العام الجاري أن المخابرات الإيرانية أعدت بنكا للأهداف السياسية لاغتيال عدد من القيادات العربية والزعماء العرب، ووضعت قائمة لشخصيات خليجية سعودية وبحرينية وكويتية وإماراتية، والتخلص من بعض القيادات الشيعية التي تحظى بشعبية وترفض الانضواء تحت العباءة الإيرانية، فيما كشف موقع ''ويكيليكس'' أن المخابرات الإيرانية ركزت أخيرا على مدربي الألعاب القتالية لضمهم إلى الحرس الثوري الإيراني وجهازه الاستخباري، وذكر ''ويكيليكس'' أن مدرب ألعاب قتالية إيرانيا يعرف باسم (نينجا) حذر مسؤولين أمريكيين معنيين بالملف الإيراني من استخدام طهران مراكز التدريب على الفنون القتالية في تجنيد أشخاص لتنفيذ اغتيالات سرية، حيث كشفت الوثيقة الصادرة من السفارة الأمريكية في العاصمة الأذربيجانية باكو، المؤرخة بعام 2009 (أن مراكز التدريب على لعبة الكاراتيه في إيران تتعرض لضغوط شديدة للتعاون مع المخابرات الإيرانية ومنظمات الحرس الثوري في تدريب أعضاء جدد والعمل كقوة في قمع المحتجين وتنفيذ عمليات اغتيال سياسي).
ضمن هذه القوالب نكتشف أن الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس لهما سيطرة كبيرة على البعثات الدبلوماسية الإيرانية، وأن ارتباطهما مباشر مع فيلق القدس وليس مع وزير الخارجية، واتضح ذلك جليا أثر الاتهامات بالتورط بالتجسس على السنغال ودعم جهات معارضة فيها بالسلاح؛ ما دعا وزارة الخارجية السنغالية لإصدار بيان أكدت فيه قطع علاقاتها بطهران بسبب مقتل جنودها في كازمانس بأسلحة من إيران زودت بها المتمردين الانفصاليين التي أسهمت في إقالة متقي الذي كان يقوم بزيارة لها لوقف تداعيات تلك العملية على بلاده.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد نشرت ''الاقتصادية'' في 8 حزيران (يونيو)2011 خبرا نقلا عن وكالات إخبارية أكدت فيه وجود مخطط إيراني - سوري لاستهداف قيادات عربية وشيعية، وقالت ''الاقتصادية'': ''حذرت مواقع استخبارية إسرائيلية من وجود مخطط إيراني - سوري لاستهداف قيادات عربية وقيادات شيعية بهدف خلط الأوراق في المنطقة، وقال موقع ديبكا فايل: إن محاولة اغتيال الرئيس اليمني لا تؤكد أنها ناجمة عن حالة الصراع الداخلية اليمنية، إنما تفيد بأن جهة خارجية قد تكون إيران أو سورية خلفها بغية دفع اليمن إلى الحرب الأهلية.
ففي حزيران (يونيو) الماضي وتجنبا لخلاف دبلوماسي مع الأرجنتين الساعية إلى محاكمته على خلفية دوره في هجوم تفجيري عام 1994، طردت بوليفيا وزير الدفاع الإيراني أحمد وحيدي، الذي كان يقوم بزيارة رسمية إليها. وكانت وزيرة الدفاع أماريا سيسيلي قد دعت وحيدي لحضور مراسم عسكرية، لكن الحكومة قالت بعد ذلك إن الدعوة وجهت دونما علم بمذكرة اعتقال صادرة من جانب الشرطة الدولية (الإنتربول) في حق الوزير. وقال وزير الخارجية البوليفي ديفيد تشوكيوانكا في خطاب لنظيره الأرجنتيني: نحيطكم علما بأن بوليفيا اتخذت التدابير اللازمة لجعل أحمد وحيدي يغادر أراضيها على الفور. وقال تشوكيوانكا: يؤسفنا إعلامكم بأن وزارة الدفاع لم تكن على علم بخلفية القضية.
ولأن إيران برعت في تجارة الحشيش مثلما برع حزب الله في تجارة الماس والحشيش في أدغال إفريقيا، فلم تبتعد إيران كثيرا عن أمريكا اللاتينية، حيث حذرت دراسة أمريكية الإدارة الأمريكية من أن إيران لم تعد بعيدة عن حدودنا، بل إنها قريبة منا ومجاورة لنا ويقصد وجود إيران في أمريكا اللاتينية، ورصدت مراكز الدراسات وجود لحزب الله أيضا The Mounting Hezbollah Threat in Latin America. تؤكد هذه الدراسة الصادر في تشرين الأول (أكتوبر) 2011 الدور الكبير الذي يقوم به حزب الله في عمليات تهريب البشر والحشيش والسلاح إلى داخل أمريكا، وتأكيد وزارة الأمن الداخلي دخول النشطاء عبر الحدود الجنوبية مع المكسيك، وهنا نتوقف عند أحداث عملية اغتيال السفير السعودي في واشنطن، وكيف أن جزءا من المؤامرة رسم في بغداد (وطبقا للمصادر ذاتِها فإن خطة العمل في أوروبا والولايات المتحدة كانت قد عُرضت على المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي قبل أكثر من أربعة أشهر، وكانت تقوم على تجنيد عناصر غير إيرانية وعلى علاقة بحركات ليست إسلامية إلى جانب استخدام تُجارِِ المخدات وعناصر الجريمة المنظمة في المكسيك والأرجنتين ودول أخرى في أمريكا اللاتينية، إلى جانب عناصر نائمة موجودة في تركيا والعراق ولبنان).
ولو دققنا فيما كتبته صحيفة ''لوس أنجلوس تايمز'' بتاريخ 1 أيلول (سبتمبر) 2011 بعنوان Four arrested in alleged scheme to smuggle stolen cars to Iraq وكيفية قبض الأجهزة الأمريكية على عصابة تقوم بتهريب سيارات الهمر الأمريكية إلى العراق عبر كندا وتركيا، وأن الأجهزة الأمنية استطاعت القبض على عدد من العراقيين الكلدان ممن يبيعون هذه السيارات لجهات متنفذة داخل العراق Two weeks ago, San Diego authorities announced the arrest of 60 people allegedly involved in a drug- and gun-smuggling operation centered at a social club in El Cajon for Chaldeans -- Iraqi Christians -- who have emigrated to eastern San Diego County.
وفي 19/8/2011 تمت مداهمة هذه العصابة وقد تكتمت حينها الإدارة الأمريكية عن تفاصيل هذه العملية، خاصة بعدما رصدت الاستخبارات الأمريكية أن هذه السيارات استخدمت في العراق للتمويه وهي تحمل هوية الجيش الأمريكي، غير أنها ربطت الأمر بتجارة المخدرات واستبعدت أن تكون لهذه العصابة علاقة بحركات إرهابية؛ لأن القائمين عليها كلدان مسيحيون من العراق.
ما علاقة هذه العصابة بإيران، وفيلق القدس وحزب الله؟ العلاقة لم تعلن بعد إلا جانبا منها يفيد أن الكلدان المسيحيين ممن يعملون مع هذه العصابة اتضح أن بعضا منهم ليس كلدانيا، إنما يتبع فيلق القدس الإيراني ويتبع أحد الأحزاب الشيعية العراقية ممن ساعدوا الجيش الأمريكي في الدخول إلى العراق، وتحديدا أحمد الجلبي الذي أصبح جزءا من منظومة التخطيط في فيلق القدس، والذي دعي أخيرا لاحتفال أقامه حزب الله حول البحرين؟
أما لماذا استهدفت إيران عادل الجبير؟ المسألة بالطبع ليست شخصية، إنما مخطط لها بهدف تحقيق سلسلة من النتائج، لعل من بينها، أولا أن تشكل عملية الاغتيال إحراجا أمنيا وسياديا لأمريكا، والثانية أن تسهم في زعزعة الثقة وتوتير العلاقات السعودية - الأمريكية، والثالثة أن يصدر تنظيم مرتبط بإيران مسؤوليته عن الحادث يؤكد فيه أن العمل تم انتقاما لأسامة بن لادن، وبالتالي تعاد القاعدة للأضواء من جديد، والرابعة إعادة تأكيد وربط الإرهاب بالعالم السني وقدرته على اختراق الأمن والسيادة الأمريكية، وخامسا الاستفادة من الإثارة الإعلامية لتقديم إيران والرهان عليها في المنطقة، أو على الأقل خلط الأوراق وتأجيل أي تغيير في إيران.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي