مصادر لـ "الاقتصادية" : خلط الذهب بالزجاج من أسباب انسحاب «المجلس العالمي» من السعودية
برزت أسباب جديدة، قالت لـ"الاقتصادية" مصادر مستقلة في تجارة الذهب: إنها قد تكون وراء تعليق مجلس الذهب العالمي لنشاطه في السوق السعودية والذي نشرته "الاقتصادية" أمس، يأتي في مقدمتها اكتشاف المجلس العالمي عيوبا ومخالفات لمعايير التصنيع العالمية في قطاع الذهب والمجوهرات داخل المملكة وضعها تحت تصنيف "نظم الإنتاج" مثل إضافة الزيركون (الزجاج) إلى المشغولات الذهبية، وأخرى تتعلق بالأوزان أو عمليات غش محتملة.
وبينت المصادر - تحتفظ الاقتصادية" باسمها - أن واحدة من القضايا التي ناقشها المجلس العالمي مع عدد المصنعين تناولت مسألة إضافة الزجاج إلى المعدن الأصفر مع الاعتماد على الأوزان الخفيفة، حيث يرى المجلس أن ذلك مخالف لما هو معمول به عالميا، مطالبين المصنعين بتغييرات جذرية في هذا الشأن، إلى جانب نظم التوزيع ومسألة الضريبة.
وأضافت المصادر: "إلا أن المصنعين أكدوا للمجلس حينها أن تلك العمليات تتم في إطار ثقافي لطبيعة المستهلكين في المملكة، وأنه من غير الملائم عدم تلبية طلبات المستهلكين الذي يفضلون بعض الألوان الإضافية والتي تتم باستخدام "الزيركون" أي الزجاج، كما أن مسألة الضريبة في السعودية والتي تعتمد على الزكاة تعد من الأدنى عالميا بعد أن هبطت من 12 في المائة إلى 5 في المائة".
ومن الاعتراضات التي ناقشها مجلس الذهب العالمي من خلال أرام شيشمانيان، رئيسه التنفيذي، وهو بريطاني من أصل إيراني، مع عدد من المصنعين المحليين قبل وقف نشاطه بالكامل، هي مسألة الأسواق الشعبية للذهب والمنتشرة في كل المدن السعودية، والتي من المحتمل أن تكون مكانا مناسبا للتلاعب بهذه التجارة وغير خاضعة للمعايير الدولية، وكان رد التجار حينها أن تلك الأسواق هي أيضا جزء من ثقافة المجتمع والذي يتعامل مع الذهب كأي سلعة أخرى، أي أنه ليس بالضرورة أن تكون في محال متخصصة وعالية الجودة وفي الأسواق الحديثة، مبينين أنه ليس بالضرورة أن تنتهج السوق السعودية الأساليب الغربية في تسويق المعدن النفيس.
#2#
"الاقتصادية" بدورها تواصلت أمس مع مجلس الذهب العالمي، ومقره لندن؛ للتأكد من مدى دقة تلك الأسباب، حيث تحاشت ستيفاني ماكريل، المتحدث الإعلامي باسم مجلس الذهب العالمي، الرد على تلك الأسباب، مكتفية بالتأكيد على خبر الانسحاب.
وأكدت ماكريل لـ"الاقتصادية"، أن مجلس الذهب العالمي لديه تاريخ طويل في دعم صناعة الذهب في الشرق الأوسط وفي المملكة، وأنها ستستمر في التعرف على قيمة وأهمية سوق الذهب السعودية بالتعاون مع شركائها في المملكة.
وأضافت" استعرضنا عملياتنا الاستراتيجية في وقت سابق من هذا العام، ورغم إيماننا بالفرص الكبيرة في المملكة، ولكن لأننا لا يمكننا نشر الموارد اللازمة في كل مناطق العالم قررنا إعادة تخصيص الموارد التي لدينا في المملكة للتركيز على أسواق أخرى.
وانتهى المتحدث الإعلامي باسم مجلس الذهب العالمي، بالتأكيد على أنه تم إغلاق مكتبهم في السعودية في نهاية آذار (مارس) من هذا العام، وأنه لم يعد لديهم أي نشاط آخر في البلاد منذ ذلك الحين.
#3#
انسحاب المجلس من السوق السعودية
ويأتي ذلك كله بعد أن كانت "الاقتصادية" علمت أمس الأول أن تكتلاً من المستثمرين السعوديين يقودهم مجموعة من كبار التجار والمصنعين للذهب وأعضاء في اللجنة الوطنية للذهب تحركوا وما زالوا للاعتراض على قرار مجلس الذهب العالمي ومقره لندن بتعليق نشاطه في السعودية.
وأبلغت "الاقتصادية" مصادر مقربة من مجلس الذهب العالمي، بأن قرار الرئيس التنفيذي الجديد للمجلس والذي أستند في قرار الانسحاب من السوق السعودية إلى تراجع الطلب محليا ونمو النشاط في أسواق أخرى رئيسة وكبيرة، وفي مقدمتها سوقا الهند والصين، غير منطقي وغير مقبول على الصعيدين السعودي وفي الشرق الأوسط بشكل عام، وأن هناك تحركات جرت وستجري من قِبل كبار التجار والمصنعين في المملكة للتصدي لهذا القرار، منها مخاطبات مع رئيس مجلس إدارة مجلس الذهب العالمي.
وزادوا: نفذت اجتماعات سرية في نيويورك وفي كندا ومخاطبات بين تجار سعوديين ومسؤولين كبار في إدارة مجلس الذهب العالمي للاعتراض على قرار الرئيس التنفيذي للمجلس، والذي وصفوه بالشخصي والمخالف لوعود قطعها شيشمانيان، إلا أنه حتى الآن لم ينتج من تلك الاجتماعات نتائج إيجابية".
وبينت المصادر - التي فضلت عدم ذكر اسمها، أن مجلس الذهب العالمي وهو منظمة دولية تعنى بتنمية وتحفيز ودعم سوق صناعة الذهب عالميا من خلال العمل مع الشركاء في قطاعات الاستثمار والمجوهرات والتكنولوجيا المرتبطة بها، قرر تعليق نشاطه في السوق السعودية منذ أيار (مايو) الماضي، وأنه برر ذلك بتواضع نظم التوزيع ونظم الإنتاج وبيئة الاستثمار، رغم أن السوق السعودية تتمتع وفق تقارير بحثية بأعلى معدلات الطلب على المعدن النفيس، بل وتتجاوز دولا عريقة في تجارة الذهب والمجوهرات مثل إيطاليا، كما أن البيئة الاستثمارية فيها تتبوأ مركزا متقدما ليس على صعيد المنطقة فحسب بل على الصعيد العالمي.
وأضافوا "السوق السعودية مع سوقي مصر والإمارات تشكلان نصف حجم الطلب في الصين ذات المليار ونصف المليار نسمة.. كما أن المملكة اليوم في المركز الـ12 عالميا في جاذبية الاستثمار في تقرير البنك الدولي حول سهولة ممارسة الأعمال 2012".
وأوضحت المصادر، أنه ورغم أن المملكة تعد من أهم أسواق الذهب عالميا، إلا أنه وفي حال كانت المبررات صحيحة، فإن واحدة من أهم أهداف مجلس الذهب العالمي هو وضع الحلول لدعم السوق، وخلق تحولات هيكلية في الطلب على الذهب في جميع أنحاء قطاعات السوق الرئيسة، وليس البحث عن الأسواق الجاهزة".
وهنا يشير مجلس الذهب العالمي في آخر تقاريره إلى أنه لا يزال يواصل عملياته بقوة في الهند والشرق الأقصى (الصين) وأوروبا والولايات المتحدة، ويضم في عضويته 22 عضوا على مستوى العالم من الشركات الرائدة في تعدين الذهب، وهو ما يمثل نحو 60 في المائة من الإنتاج العالمي من الذهب للشركات.
مصانع ومتاجر الذهب في المملكة
يذكر أن سوق الذهب السعودية تتكون من نحو ستة آلاف متجر لبيع المصوغات بالتجزئة، ونحو 250 ورشة تصنيع، من بينها 30 من ذوي التجهيزات الكبيرة، ونحو 700 ورشة إصلاح. وتتسم سوق الذهب السعودية بقدر كبير من التجزئة، حيث يهيمن على نشاط التصنيع عدد محدود من المصنعين يأتي على رأسهم مصانع لازوردي وطيبة والمصلي.
ويعتمد التصنيع المحلي ببساطة على التصميمات المحلية، إضافة إلى المزج بين التصميمات المحلية والأجنبية، وعادة تكون المصوغات من عيار 21 قيراطا. وفي الغالب ما تكون المصوغات من عيار 18 قيراطا مرصعة بالأحجار، وغالبا بالزركون، في حين ترصع المصوغات من عيار 21 عادة ببعض الأحجار شبه الكريمة والجواهر. وبتحليل تركيبة الطلب على الذهب حسب مستوى النقاوة، نجد أن المصوغات عيار 21 تشكل نحو 58 في المائة، تليها القوالب من الذهب الصرف (سبائك عيار 24) والعملات الذهبية بنسبة 32 في المائة، ثم المصوغات عيار 18 قيراطا بحصة 10 في المائة.
ويشتري عدد محدود من المستهلكين في المملكة الذهب لغرض الاستثمار، في حين يشكل الطلب على المصوغات الذهبية نحو 95 في المائة من إجمالي استهلاك الذهب في البلاد. ولا تتوافر بيانات حول استخدام الذهب للأغراض الصناعية في المملكة؛ مما يشير إلى أن تصنيع الذهب في البلاد يحتاج إلى قدر كبير من التطوير.
الاستهلاك والطلب على الذهب محليا
ووفق مراقبين، فإن استهلاك الذهب لأغراض الزينة ضخم للغاية حينما يقارن على أساس متوسط دخل الفرد؛ إذ يقدر متوسط طلب الفرد من الذهب سنوياً بنحو ثمانية جرامات في عام 2001، مقارنة مع 1.65 جرام للفرد في السنة في الولايات المتحدة واليابان، و1.1 جرام في ألمانيا، و1.04 في ماليزيا، و0.68 جرام في الهند التي تحتل مرتبة أكبر دولة مستهلكة للذهب في العالم من حيث الوزن الكلي.
وارتفع استهلاك السعودية من الذهب في العام 2008 بنسبة 17 في المائة من حيث القيمة الدولارية، ليتجاوز حاجز 16.5 مليار ريال مقارنة بـ13.8 مليار ريال في عام 2007، وفي المقابل انخفض إجمالي الطلب من ناحية الوزن في العام الماضي بنسبة 4 في المائة ليصل إلى 122.4 طن. كما انخفض ترتيب المملكة في الربع الأخير من عام 2008 إلى المرتبة السابعة عالميا من ناحية الطلب على المجوهرات والمصوغات الذهبية، وتراجع مع ارتفاع الأسعار خلال العامين الماضيين إلى مستويات أقل من ذلك.
وانخفض إجمالي استهلاك الذهب (مجوهرات، مصوغات، سبائك وجنيهات) في منطقة الشرق الأوسط بشكل إجمالي في عام 2008 بنسبة تقدر بـ2 في المائة مقارنة بـ2007، حيث انخفض في السعودية والإمارات بنسبة 4 في المائة، وفي بقية دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 13 في المائة، ولكن كانت مصر الاستثناء الوحيد؛ إذ شهدت استقرارا وأداء جيدا في الفترات الأخيرة من 2008 وارتفع إجمالي الطلب فيها بنسبة 11 في المائة.
وتوضح أرقام الاستهلاك، أن الطلب قد ازداد على الاستثمار بالتجزئة في المعدن الأصفر (سبائك وجنيهات). فقد شهدت المنطقة ارتفاعا كبيرا في حجم الاستثمار في الذهب في الربع الأخير من 2008 مقارنة بالفترة نفسها من 2007، حيث ارتفع في السعودية بنسبة 300 في المائة ومصر 67 في المائة والإمارات 38 في المائة، وبقية دول الخليج 2 في المائة.
إلا أن مجلس الذهب العالمي توقع في 2010 أن يتراوح استهلاك المملكة من الذهب ما بين 90 و100 طن، مقارنة بـ94 طنا في 2009، والتي كانت أقل بنحو 24 في المائة، عن 2008، بسبب الأزمة المالية العالمية.
وقال المجلس حينها: إن السعودية تأتي في المركز الرابع عالميا لناحية استهلاك الذهب، إلا أن مبيعات الذهب في المملكة تأثرت بدءا من الربع الثالث من 2010، بسبب ارتفاع الأسعار في المقام الأول والذي سجل خلال العام 2011 رقما قياسيا عند 2200 دولار للأوقية، حيث شهدت المبيعات انخفاضا بسبب تراجع الطلب.
مسار أسعار الذهب عالميا
هبطت أسعار الذهب أمس أكثر من 1 في المائة في أعقاب أفضل أداء أسبوعي في شهر بعد أن تدخلت اليابان في سوق الصرف؛ ما دفع الدولار لمواصلة ارتفاعه بعد صعوده، مستفيدا من أزمة منطقة اليورو. وتدخلت اليابان بشكل منفرد في سوق الصرف أمس للحد من ارتفاع الين؛ ما دفع الدولار للارتفاع بأكثر من 1 في المائة أمام سلة عملات.
ويجعل ارتفاع الدولار السلع المقومة به أعلى تكلفة على المشترين بعملات أخرى؛ ما دفع كذلك أسعار الفضة والنحاس والنفط الخام للانخفاض. وبحسب "رويترز" هبط سعر الذهب في السوق الفورية 1.1 في المائة، مسجلا 1720.20 دولار للأوقية (الأونصة) بعد ارتفاعه بنسبة 6 في المائة الأسبوع الماضي واقترابه من تسجيل ارتفاع بنسبة 5.8 في المائة هذا الشهر بعد انخفاضه بنحو 11 في المائة في أيلول (سبتمبر) الماضي عندما بلغ سعره مستوى قياسيا مرتفعا عند 1920.30 دولار للأوقية. وفيما يتعلق بالمعادن النفيسة الأخرى انخفض سعر البلاتين 2.3 في المائة إلى 1605.99 دولار للأوقية ونزل سعر البلاديوم 1.9 في المائة إلى 652.25 دولار للأوقية وهبط سعر الفضة 2.5 في المائة إلى 34.32 دولار للأوقية.