أمير منطقة الرياض.. إدارة محلية وعلاقات دولية

مناسبة وطنية عزيزة مقرونة بالثقة والتفاؤل والطموح لصدور أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، بتعيين الأمير سطام بن عبد العزيز أميراً لمنطقة الرياض. مناسبة وطنية عزيزة تدعونا إلى مدارسة مجموعة من دروس الإدارة المحلية في مسيرة الأمير سطام في خدمة دينه ومليكه ووطنه من خلال ما جسده، يحفظه الله، خلال قرابة نصف عقد من الزمن من دور تاريخي رائد في مسيرة تنمية منطقة الرياض وتطورها بكل مقوماتها التعليمية، والصحية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية.
أصدر الملك فيصل بن عبد العزيز، طيب الله ثراه، في صبيحة السابع من ذي القعدة من عام 1387هـ أمراً بتعيين الأمير سطام بن عبد العزيز وكيلاً لإمارة منطقة الرياض. مهمة ليست باليسيرة تواجه ذلك الشاب اليافع في بداية مسيرته العملية في خدمة دينه ومليكه ووطنه بعد حصوله على درجة البكالوريوس في إدارة الأعمال من جامعة ساندياجو الأمريكية. مهمة ليست باليسرة تمثّلت بالعمل في مدرسة الأمير سلمان بن عبد العزيز الإدارية في تحويل عاصمة سياسية ناشئة إلى عاصمة سياسية عريقة تأخذ مكانها الطبيعي ضمن العواصم العالمية بما يتناسب ومكانتها السياسية والثقافية والدينية.
لعلي أعود بالذاكرة إلى أول حوار صحافي أجراه الأمير سطام بعد تعيينه وكيلاً لإمارة منطقة الرياض. نشر الحوار في صحيفة ''الجزيرة'' في عدد 183 وتاريخ 20/2/1968 تحت عنوان ''سطام يقول: سنقضي على معضلات الروتين.. فلا سلبية ولا مركزية بطيئة''. شمل الحوار على ملامح من التصور العام لاحتياجات الإدارة المحلية بإمارة منطقة الرياض ومنهجيته في أداء المسؤولية وكيلاً لإمارة منطقة الرياض. فأوضح جوابه على أفضل السبل إلى ترسيخ دعائم الإدارة المحلية، قائلا: ''لا شك أن السلبية والمركزية البطيئة تعوق الدول النامية على التقدم بسرعة. ولكن حكومة الملك لم تغفل هذا الجانب المهم جداً فأوجدت لجنة الإصلاح الإداري ومنحتها كل الصلاحيات لمعالجة وضع الإدارة في بلادنا وتقديم الدراسات التي سيأخذ بها. وهناك نظام المقاطعات الذي سيقضي على جزء مهم وكبير من معاضل الروتين والأيام القوادم ستحمل لنا كل بشائر الخير وكل شيء مرهون بوقته''.
تحمل الرياض رؤية مستقبلية طموحة تعطي تصوراً عاماً لها خلال الفترة من 2025 إلى 2050، بعون الله تعالى وتوفيقه. تتكون الرؤية من ست ركائز رئيسة تمثّل عناصرها. فالرياض عاصمة المملكة، ومدينة إنسانية، وواحة معاصرة، ومركز مالي وتجاري، ومركز إشعاع ثقافي وعلمي، ومدينة جميلة. رؤية مستقبلية تعتمد على ''تحقيق مبدأ الاستدامة في تنمية وبناء مدينة المستقبل في ظل مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، وتجسيد مفهوم علاقة الإنسان بخالقه، عز ووجل، (الخلافة في الأرض)، وكذلك علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقته بالطبيعة''. حددت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض هذه الرؤية المستقبلية الطموحة منتصف التسعينيات الميلادية من القرن الماضي لتعكس الرغبات والآمال والتطلع لمستقبل يكون امتداداً للمستوى الحضري والمعيشي الذي تشهده الرياض وسكانها.
ارتكزت عناصر الرؤية المستقبلية للرياض على الركائز الست أعلاه. فالركيزة الأولى أن الرياض ''عاصمة المملكة'' تعكس الدور الفعلي للعاصمة باعتبار المملكة أرض الرسالة المحمدية والحرمين الشريفين ومركزاً دولياً ووطنياً للوظائف السياسية والثقافية والتاريخية. والركيزة الثانية أن الرياض ''مدينة إنسانية'' تحقق الرغبات الإنسانية الحميدة والعيش الرغيد الذي ينعكس في بيئة تعطي الأولوية للإنسان وتحقق للسكان السلامة والأمن وتشجع العلاقات الاجتماعية الحميدة. والركيزة الثالثة أن الرياض ''واحة معاصرة'' رائدة في التكيف مع البيئة الصحراوية من خلال تطوير التقنية المناسبة وتطبيقها لعمل نموذج بيئي وقاعدة لتصدير هذه التقنية إلى مختلف أنحاء العالم. والركيزة الرابعة أن الرياض ''مركز مالي وتجاري'' نشط ومنافس دولي متكامل مع الدور الوظيفي والسياسي على المستوى الوطني والإقليمي. والركيزة الخامسة أن الرياض ''مركز إشعاع ثقافي وعلمي'' رائد في الخدمات التعليمية والصحية ومركز للمعرفة ذو دور قيادي في الأبحاث العلمية والتقنية مع التركيز على مجالات الطاقة والدراسات الصحراوية. والركيزة السادسة أن الرياض ''مدينة جميلة'' تتمثل في شكل عمراني متوافق مع الحياة الاجتماعية والثقافية ومركز للثقافة والفنون الإسلامية العريقة.
أعقب تحديد الرؤية المستقبلية للرياض وضع ''استراتيجية التطوير الحضري لمدينة الرياض'' ذات العناصر الثلاثة. العنصر الأول ''الاستراتيجيات القطاعية''، والعنصر الثاني ''المخطط الهيكلي'' والعنصر الثالث ''خطة الإدارة الحضرية''. ركّز العنصر الأول على البعد التنموي برسمه خريطة طريق لكيفية نمو ستة قطاعات إنتاجية تستهدف الرياض تطويرها بما يؤهلها لتكون محركا رئيسا للعملية التنموية فيها. وركّز العنصر الثاني على البعد الجغرافي برسمة للتوزيع البيني لأراضي وأنشطة القطاعات الإنتاجية الستة. وركّز العنصر الثالث على البعد التنفيذي بإجراء التعديلات اللازمة لعمل الأجهزة الإدارية في الرياض بما يتوافق والرؤية المستقبلية واستراتيجية التطوير الحضري.
بلوغ رؤية الرياض المستقبلية واستدامة عملية وضعها في مكانها الطبيعي ضمن العواصم العالمية بما يتناسب ومكانتها السياسية والثقافية والدينية مهمة ليست باليسيرة مقرونة بالثقة والتفاؤل والطموح؛ إذ إن صدور قرار خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، بتعيين الأمير سطام بن عبد العزيز أميراً لمنطقة الرياض قرار مقرون بالثقة بإمكانات الأمير سطام في ترجمة مستهدفات رؤية الرياض المستقبلية الطموحة إلى واقع ملموس، وبالتفاؤل بتحقيق مستهدفات سياسات الحكم الإداري في المملكة، وبالطموح بمواكبة تطلعات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، يحفظه الله، وحكومتنا الرشيدة في الوصول إلى المزيد من التميز النوعي لمسيرة الرياض العاصمة والمنطقة والدولة، بعون الله تعالى وتوفيقه.
أسأل الله تعالى أن يوفق الأمير سطام ويعينه على أداء الأمانة، وتبعات الثقة، وأن يمده بالتوفيق والتسديد، والعون والتأييد، عضداً وسنداً لخادم الحرمين الشريفين، وولي عهده الأمين، وحكومته الرشيدة وأن يحفظ عقيدتنا، وقيادتنا، وأمننا، وإيماننا، واستقرارنا، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي