انظروا بعيداً أيها الخضر: أمريكا تدخل عصراً جديداً من الوفرة
قبل عامين، تفادى باراك أوباما الإحراج في الساعات الأخيرة من قمة الاحتباس الحراري الكوني في كوبنهاجن، وذلك عندما أنجز اتفاقية تحفظ ماء الوجه مع نظرائه من الصين، والهند، وجنوب إفريقيا. وفي الأسبوع الماضي، اجتمعت الحكومات في مدينة ديربان لإقامة الطقوس الأخيرة الخاصة ببروتوكول كيوتو - وهي الاتفاقية التي أبرمت في عام 1997 والتي لم تستطع كوبنهاجن أن تستبدلها رغم كل الجهود التي بذلتها أوروبا. وفي ضوء الآفاق الاقتصادية العالمية، فإن احتمالات التوصل إلى معاهدة لخفض الانبعاثات الكربونية تبدو أضعف من أي وقت مضى.
لكن أمراً مسلياً حدث في الطريق إلى مدينة ديربان. فبينما سقط تعبير التسخين الكوني من قاموس أوباما – ذكر الرئيس''التغير المناخي'' مرة واحدة فقط في الخطاب الوحيد الذي ألقاه حول الطاقة هذا العام – لقد حلت محله مفردة جديدة. انسوا مقولة آل غور'' الكوكب في خطر''، وانسوا أيضا الوعد الذي قطعه أوباما بأن تنظر أجيال المستقبل إلى الوراء وإلى ترشيحه باعتباره'' اليوم الذي توقفت فيه المحيطات عن الارتفاع''.
تقبلوا بدلاً من ذلك لغة رمال القار، والغاز الصخري، وتكسير النفط، والنفط المضغوط. ومن دون معرفة ما إذا كانت هذه العبارات، أدوات يدوية الصنع أو قواعد محتملة لتغيير اللعبة، تجاهل الجدل الدائر في واشنطن حتى وقت قريب إلى حد بعيد صدمات الإمداد المتصاعدة هذه. ولكنها معاً حولت آفاق الطاقة في أمريكا. فبسبب التكنولوجيا الأفضل، وبخاصة الاختراقات في مجال الحفر، أدركت الولايات المتحدة فجأة أنها تجلس على إمدادات غازية تكفيها لمدة قرن. وعندما تولى أوباما منصبه، واجه البلد توقعات بتزايد واردات الغاز الطبيعي من أماكن مثل قطر.
لقد كشفت التكنولوجيا نفسها تقديرات متنامية على الدوام تتحدث عن وجود النفط المضغوط الذي لم يكن بالإمكان الوصول إليه في وقت من الأوقات تحت الصخور الأمريكية. وفي المنطقة المجاورة لها مباشرة، تحتوي منطقة البيرتا من ''رمال القار'' الشاسعة على احتياطيات نفطية تضع كندا في المرتبة الثانية بعد السعودية. وفي البرازيل، فإن التطورات الحديثة في حفر الآبار النفطية البحرية سوف تخفض فنزويلا إلى المرتبة الثانية في المنطقة. من دون أن تبذل واشنطن أي جهد حقيقي، تظل الثروات المفاجئة تنهال على أمريكا. مرحباً بعصر جديد من الوفرة.
كل هذا يعطي تفاؤلاً جديداً فيما يتعلق بأمن الطاقة في الولايات المتحدة – وبخاصة لأنه أمر غير متوقع بالمرة. لقد بدأت النتائج تظهر للتو. فوفقاً لدانيال بيرجن، مؤلف كتاب ''البحث The Quest''، وهو عبارة عن تاريخ بارع للبحث الحديث عن الطاقة، فإن إمدادات أمريكا من النفط المضغوط توازي الآن انتاج ليبيا من النفط تقريباً. وفي غضون ثمانية أعوام سوف تصل هذه الإمدادات إلى ثلاثة ملايين برميل يوميا في مورد محلي متنام على الدوام سوف يخفض واردات أمريكا من النفط بنسبة تزيد على الثلث. لقد انخفضت الواردات بالفعل إلى ما نسبته 46 في المائة من الكمية التي تستهلكها أمريكا – وذلك من 60 في المائة في ولاية جورج دبليو. بوش الثانية. ومن المرجح أن يواصل هذا الرقم الانخفاض. إن أقل من خمس النفط الذي تستهلكه الولايات المتحدة يأتي من خارج نصف الكرة الغربي. ويمكن أن يتضاءل ذلك إلى مستويات لا تكاد تذكر في المستقبل القريب.'' سوف تقل أهمية منطقة الشرق الأوسط من حيث إمدادات الطاقة لأمريكا وسوف تتزايد أهيمتها بالنسبة إلى الصين والهند، '' كما يقول ييرجن.'' ومن المحتمل أن تكون لهذا تداعيات جيوسياسية كبيرة''. اعتماد أمريكا المتنامي على نفسها في مجال الطاقة يعتبر خبراً جيداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وربما كان أقل جودة بالنسبة إلى إسرائيل). والخبر السيئ هو أن هذه الاحتياطيات المتزايدة يمكن أن تؤثر سلباً على ما لدى أمريكا من رغبة ضئيلة في لعب دور طليعي في معالجة التسخين الكوني. ذلك أن من الأصعب أن تجادل من أجل فرض ضريبة كربون على الإيرادات التي تذهب للمنتجين المحليين منها إلى ''الدكتاتوريات الأجنبية الفاسدة''. وإذا كان لنا أن نحكم من خلال تكتم أوباما، فإنه لا يتهيأ للقيام بمحاولة ثانية لتحديد سقف للانبعاثات الكربونية في الولايات المتحدة إذا أراد أن يفوز في العام المقبل. فإذا أردت أن تحاول أمراً كبيراً كهذا، يجب عليك أولاً على الأقل أن تتحدث عنه. فمنذ ريتشارد نيكسون، تحدث كل رئيس أمريكي، بمن فيهم جورج دبليو. بوش، بتملق عن الهدف المتمثل في وضع حد ''لإدمان أمريكا على النفط''. ومنذ جورج بوش الأب، أضاف كل رئيس أمريكي، باستثناء بوش الابن معظم الوقت، الهدف المتمثل في خفض التسخين الكوني.
بالفعل، فكثيراً ما كانت الطاقة الخضراء، والاستقلال في موضوع الطاقة يعتبران الشيء نفسه. ومن الأسهل بكثير الآن أن ترى مدى الفرق بينهما. لقد أوضح حدثان وقعا في الشهر الماضي مدى السرعة التي تغيرت بها الأمور. في الحدث الأول، ألقى إفلاس شركة سوليندرا لصنع الألواح الشمسية بظل من الإحباط على سياسة أوباما الخاصة بالطاقة النظيفة. فقد كانت واشنطن قدمت مبلغ 535 مليون دولار على شكل ضمانات. ورغم أن الجمهوريين قدموا مذكرة تتألف من 186,000 صفحة، فقد كشفوا عن وجود علاقة غير لائقة بين القرض وبين المتبرعين لحملة أوباما الانتخابية. لكن ما زال من المحتمل أن تؤدي هذه القصة إلى ضغط على تمويل الطاقة النظيفة. أما حقيقة أن الصين، وكوريا الجنوبية، وألمانيا، وغيرها من الدول مستمرة في زيادة استثماراتها في هذه الطاقة، فليست لها أهمية كبيرة.
تمثل الحدث الثاني في القرار الذي اتخذه أوباما لتأخير الحكم حول ما إذا كان سيوافق على خط أنابيب كيستون إكس ال الذي سينقل النفط من البيرتا إلى تكساس، فسوف يتم اتخاذ قرار في هذا الشأن بعد الانتخابات المقبلة. ويشك كثيرون في أنه سيحصل على الضوء الأخضر من الشخصية التي سوف تفوز في الانتخابات، كائنة من تكون. من المنبع إلى المحرك، فإن النفط المستخرج من حقل البيرتا يصدر انبعاثات كربونية تزيد بنسبة تصل إلى 15 في المائة عما تصدره الطرق التقليدية لإنتاج النفط.
لقد ذهب جيمس هانسن، وهو أشهر علماء التغير المناخي في أمريكا، بعيداً إلى حد القول إن اللعبة ستكون قد انتهت بالنسبة لمناخ العالم إذا مضى مشروع كيستون إكس إل قدما.
لا يحتاج المرء للاشتراك في تحذير هانسن لكي يستوعب أن تحليل الكلفة – الفائدة في أمريكا قد تغير في العامين الماضيين، ولست في حاجة لأن تكون خبيراً اقتصادياً لتعرف سبب شعور أوباما بالقلق من مناقشة موضوع التسخين الكوني . لكن انعطافة القدر هذه توجب أن نتوقف عندها بالتأكيد. وينبغي على أولئك الذين ما زالوا يعتقدون أن رجال الدولة يشكلون الأحداث بقدر ما تشكلهم الأحداث أن يلقوا نظرة على القطب الشمالي. إن عدداً متنامياً من اللاعبين يتدافعون على نفط القطب الشمالي مع تراجع الجبال الجليدية – ومن بين هؤلاء اللاعبين الشركات الأمريكية. ويبدو أن حقبة جديدة من الوقود الأحفوري تطل علينا من دون أن تلحظ أية جهة أنها مقبلة.