المرشح الجمهوري لرئاسة أمريكا ربما يهزم نفسه

المرشح الجمهوري لرئاسة أمريكا ربما يهزم نفسه

في ملاحظات كتبها على عجل أثناء اجتماعه بأحد المتبرعين في أوائل تسعينيات القرن الماضي، لخص نيوت جنجريتش مهنته السياسة باعتباره ''محدد الحضارة'' متسلحاً بدور ''عالمي'' يتجاوز نطاق الحدود الوطنية.
لبرهة من الوقت، ازدهرت رؤيته، حيث قاد الجمهوريين ليشكلوا الأغلبية في مجلس النواب في عام 1994 وذلك لأول مرة منذ أربعة عقود. وبعدها ببضع سنوات فقط، سقط مستقبله المهني في حفرة سوداء من الفضائح والاتهامات المتبادلة بين الحزبين. لذلك، فإن عودة جنجريتش المثيرة إلى مسرح الأحداث الرئيس في الأسبوع الماضي ملأت الطبقة السياسية في أمريكا بمزيج من الدهشة المهنية والرعب العميق. والشخص الوحيد الذي لا يبدو مندهشاً من انبعاثه هو جنجريتش نفسه.
''إذا كان الرجال من المريخ والنساء من كوكب الزهرة، فإن نيوت جنجريتش من كوكب ترانتور''، هذا ما قاله المؤرخ راي سموك، في إشارة إلى الكوكب الخيالي الذي اخترعه خيال إسحق أسيموف، الذي يعتبر إلهاما مبكراً لرؤية الرئيس الأسبق لمجلس النواب عن نفسه باعتباره شخصية عالمية تحويلية.
على الرغم من البنى التحتية الدنيا المتوفرة لحملته الانتخابية، يتقدم جنجريتش بأكثر من عشر نقاط مئوية على ميت رومني، حاكم ولاية ماساتشوستيس الأسبق الذي تقف خلفه آلة جيدة التمويل والتنظيم. وفي مناخ سياسي متقلب، يبدو أن اهتمام الناخبين بماضي جنجريتش المضطرب على صعيد السياسات وبفضائحه يقل عن اهتمامهم بشأن وضع قنبلة تحت واشنطن السياسية. لكن المؤسسة الجمهورية تخشى أن يكون سجل جنجريتش ساماً وحالته المزاجية غير منضبطة على نحو لا يؤهله ليصبح مرشحاً معقولاً للرئاسة.
جنجريتش، الذي يبلغ من العمر الآن 68 سنة، ولد في ولاية بنسلفانيا وانتخب لعضوية الكونغرس عن ولاية جورجيا في عام 1978، ثم استولى بالتدريج على مؤتمر الحزب المحافظ ونظم أفراده تحت راية ''العقد مع أمريكا'' وقادهم إلى النصر التاريخي في عام 1994. بلغت حياته المهنية ذروتها عندما هزمه بيل كلينتون خلال معارك الميزانية التي أدت إلى توقف عمل الحكومة مرتين في عام 1995 وعام 1996، وبعدئذ انهارت أثناء موجة الشكاوى الأخلاقية في عام 1997 والنتائج السيئة التي تحققت في الانتخابات بعد ذلك بعام. تنبع الدهشة من عودته من حقيقة أنه بعد بناء مستقبل له في الكونغرس والشركات في شارع كيه، وهو مركز جماعات الضغط في العاصمة، تمكن جنجريتش من تقديم نفسه كشخص خارجي شجاع في السباق.
الفزع الذي يدب في صفوف الجمهوريين له جذور مختلفة. ويحذر زملاؤه السابقون الذين شاهدوا أسلوب زعامته كرئيس لمجلس النواب بين عامي 1995 و1999 من أنه بينما يمكن أن يكون جنجريتش قائد حملة انتخابية عظيماً، إلا أنه زعيم كارثي.
يقول ميكي إدواردز من معهد أسبين والذي كان في مجموعة القيادة الجمهورية في الكونغرس مع جنجريتش: ''سوف أشعر بالفزع إذا أصبح رئيساً للجمهورية. وإذا توجب علي أن أفكر فيمن سيشعر بأكبر قدر من الفزع إزاءه، فيمكنني القول إنهما جيمس ماديسون وتوماس جيفرسون لأنه لا يوجد لديه أي احترام لنظامنا في الحكم. إنه يريد كل السلطة لنفسه''.
لا يبالي جنجريتش بالنقد الذي يوجه لأسلوبه الشخصي باعتباره ثمن الزعامة، وقد ازدادت ثقته بنفسه مع استطلاعات الرأي. فبعد أيام من تجاوز رومني الذي طالما كان الشخصية المفضلة للترشيح، أعلن جنجريتش: ''سأكون أنا المرشح''.
عندما تمت مضايقته بشأن تلقيه أموالاً من مؤسسة فريدي ماك، مباشرة قبل أن يتم إنقاذ هذه المؤسسة التي تقدم قروض الرهن العقاري والمدعومة من الحكومة من خلال عملية إنقاذ فدرالية في عام 2007، أصر على أنه لم يكن بحاجة إلى تلك الأموال قط: ''كنت أتقاضى 60 ألف دولار عن كل خطاب ألقيه، وكان عدد الخطابات في ازدياد وليس في انخفاض''.
منذ الآن أخذ جنجريتش باستحضار صورة زوجته المثيرة للجدل، كاليستا بايسيك التي حملها مساعدوه مسؤولية استقالتهم الجماعية من حملته قبل ثمانية أشهر، لتتخذ صورة السيدة الأولى. فقد قال: ''إنها فعلاً تصف نفسها بأنها شخصية وسط بين نانسي ريجان ولورا بوش، مع قليل من شخصية جاكي كندي''.
زوجته الثالثة، السيدة بايسيك، مساعدة سابقة له في الكونغرس، وأقام معها علاقة غرامية عندما كان يقود الجهود الرامية لإدانة كلينتون بسبب مزاعم عن سوء سلوكه الجنسي. يبدو الاثنان متلازمين وهو يدعوها بأهم مستشار له. وبعد استقالتهم في شهر نيسان (أبريل)، قال فريق حملته الانتخابية إنها رفضت السماح للسيد جنجريتش بالقيام بالحملة الانتخابية، بينما أصرت على أن يقوما برحلة مقررة إلى الجزر اليونانية.
يدعي ريك تايلور، الذي عمل في السابق سكرتيراً صحفياً له لفترة طويلة، إنه كان من الخطأ توجيه اللوم لها: ''فقد استقال كبار مستشاريه لأنهم كانوا يريدون أن يتحكموا بكل نواحي حملته، وبرنامجه واستراتيجيته، ولم يكن نيوت ليسمح بذلك''.
عندما انسحب العاملون لدى جنجريتش كان هناك شعور بأنه سيخرج من الحملة، لكن تبين أن تلك اللحظة كانت نقطة تحول بالنسبة لحملته. يقول ريتش جالين الذي عمل لفترات متقطعة على مدى عقد من الزمن مع جنجريتش: ''كانت فائدة ذلك أنه لم يكن لديه أي شيء يديره وتلك بالضبط هي البيئة التي يمكن أن يتألق فيها''.
وحيث لم تكن لديه أموال ينفقها، استخدم جنجريتش العدد القياسي من المناقشات الجمهورية المتلفزة لإعادة بناء مركزه. ونظراً لتمتعه بالذكاء الفكري وبسبب سياساته المتقلقلة، برز جنجريتش في مجال يفتقر إلى الحيوية.
لقد قدم كثيراً من الإغراءات التي تقرِّبه من حزب الشاي، حيث هاجم وسائل الإعلام السائدة في كل المناسبات. نسي الناس عمليات الطلاق العابثة التي قام بها وخياناته الزوجية، والملايين التي حصل عليها من عمله لدى جماعات الضغط، وتحولات مواقفه المتطرفة حول قضايا كالتغيير المناخي والرعاية الصحية، مع أنه رغم النشوة، يتوقع كثيرون أنه سوف يدمر نفسه على أية حال. وفي معرض حديثه عن البطالة في الأسبوع الماضي، اقترح جنجريتش إعطاء الأطفال وظائف كعمال نظافة في مدارسهم بهدف تعليمهم قيمة العمل. وقد عدل ملاحظاته فيما بعد قائلاً: ''لا ينبغي أن يعمل الأطفال في مناجم الفحم''.
كل هذا مشجع للجمهوريين الذي يرغبون في التخلص منه. يقول أحد كبار مساعديه من الجمهوريين: ''هناك شخص واحد فقط يستطيع أن يهزم نيوت جنجريتش الآن، وهو نيوت جنجريتش. وإنني واثق كل الثقة بأنه سيفعل ذلك''.

الأكثر قراءة