الأمم المتحدة: اقتصاد العالم يحسم مساره بين الركود أو النمو في «العام الجديد»
عدلت الأمم المتحدة توقعاتها بشأن النمو الاقتصادي العالمي، مبينة أن معدل نمو الاقتصاد العالمي سيصل في أفضل الأحوال خلال العام الجاري إلى 2.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، ثم إلى 3.2 في المائة في 2013.
وقالت المنظمة الدولية في تقريرها الدوري بعنوان ''الموقف الاقتصادي للعالم وآفاق 2012'': إن خبراء الاقتصاد في الأمم المتحدة يتوقعون أن يكون عام 2012 عاما حاسما بالنسبة لمواصلة التعافي البطيء للاقتصاد العالمي أو السقوط في دائرة الركود.
وأضافت أن توقعات 2012 مشروطة ''باحتواء أزمة ديون منطقة اليورو وعدم اتخاذ المزيد من الخطوات في اتجاه التقشف الصارم في الدول المتقدمة''.
وأشار التقرير إلى أن تباطؤ النمو الاقتصادي في الدول الغنية سيؤثر في الموقف في الدول النامية، وأن الدول النامية والاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية ستكون قاطرة النمو، حيث من المتوقع أن تسجل نموا يتراوح بين 5.4 في المائة عام 2012 و5.8 في المائة من إجمالي الناتج المحلي عام 2013.
وأكد التقرير، أنه وبعد عامين من الانتعاش الضعيف وغير المتكافئ بعد الأزمة المالية العالمية، فإن الاقتصاد العالمي يتأرجح على حافة الانكماش، وخصوصا في البلدان المتقدمة، مشيرا إلى أن النمو الضعيف المتوقع في 2012 قد يكون غير كافٍ للتعامل مع الأزمات، والتي يأتي في مقدمتها مسألة الوظائف، وأن الانكماش يلوح في الأفق بسبب الضعف المستمر في الاقتصادات المتقدمة الرئيسة.
وبيَّن التقرير أن المشاكل المتصلة بالاقتصاد العالمي تركت دون حل في أعقاب الكساد الكبير 2008 - 2009، وأن التحديات الأكثر إلحاحا هي استمرار أزمة الوظائف وتراجع النمو الاقتصادي، ولا سيما في البلدان المتقدمة؛ فالبطالة لا تزال مرتفعة فيما يقرب من 10 في المائة، يصاحبها ركود في الدخل بسبب نقص الطلب الكلي، وأزمات الديون في منطقة اليورو، والمشاكل المالية في أماكن أخرى. أزمات الديون السيادية التي ساءت في عدد من البلدان الأوروبية في النصف الثاني من عام 2011، وتفاقم نقاط الضعف في الميزانيات العمومية، تدابير التقشف المالي التي اتخذت استجابة لضعف النمو؛ مما يجعل التكيف المالي وإصلاح ميزانيات القطاع المالي الأكثر تحديا.
وأوضحت الأمم المتحدة، أن اقتصاد الولايات المتحدة يواجه أيضا تحدي استمرار معدلات البطالة العالية، والتي هزت ثقة المستهلكين والأعمال التجارية والمالية، مبينة أن التشابك بين أكبر اقتصادين في العالم الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، يمكن أن يحدث ركودا عالميا، وأن الطريقة الوحيدة لإنقاذ الاقتصاد العالمي من الوقوع في منحدر خطير هي اتخاذ جهود متضافرة، مع إعطاء أولوية أكبر لتنشيط الانتعاش في الإنتاج والتوظيف على المدى القصير من أجل تمهيد الأرض أكثر صلابة لسن الإصلاحات الهيكلية اللازمة لتحقيق نمو مستدام ومتوازن على المديين المتوسط والطويل.
وقال التقرير: ''في أعقاب سنتين من الانتعاش الاقتصادي الضعيف والمتعثر بعد اندلاع الأزمة المالية العالمية، يترنح الاقتصاد العالمي في الوقت الحاضر مرة أخرى على حافة هاوية ركود اقتصادي كبير. أثناء عام 2011 كان نمو الناتج يعاني أصلاً تباطؤا لا يستهان به، خصوصاً في البلدان المتقدمة. ونتوقع في السيناريو الأساسي الذي تقوم عليه توقعاتنا استمرار النمو الاقتصادي الضعيف خلال العامين 2012 و2013. ونود أن نشير إلى أن النمو الذي من هذا القبيل أبعد ما يكون عن كونه كافياً للتعامل مع أزمات العمل المتواصلة في معظم البلدان المتقدمة، وسيؤدي إلى جرجرة وتثاقل مسيرة نمو الدخل في البلدان النامية''.
وتابع ''حتى هذه النظرة الكئيبة ربما تكون مبالغة في التفاؤل فوق الحد؛ إذ تلوح في الأفق بوادر ركود اقتصادي آخر بسبب الضعف المتواصل في البلدان المتقدمة الرئيسة، والناتج من المشاكل التي ظلت دون حلول في أعقاب الركود العظيم عامي 2008 ــــ 2009. يشار إلى أن المشاكل التي تقض مضجع الاقتصاد العالمي هي مشاكل متعددة ومرتبطة فيما بينها. ومن أهم التحديات الملحة في هذا المقام هو استمرار أزمة البطالة والآفاق المتراجعة للنمو الاقتصادي، خصوصاً في البلدان المتقدمة. وفي الوقت الذي تظل فيه معدلات البطالة مرتفعة عند مستوى 10 في المائة، وجمود الدخل، فإن الانتعاش يمر في حالة تعثر على المدى القصير بسبب الافتقار إلى الطلب الإجمالي. لكن في الوقت الذي يبقى فيه المزيد من الناس دون عمل لفترات طويلة، خصوصاً العاملين الشباب، فإن آفاق النمو على الأجل المتوسط ستتأثر كذلك سلباً بسبب الأثر السلبي التي تتركه البطالة على مهارات وخبرة العاملين''.
وترى الأمم المتحدة إن الاقتصاد المتباطئ بصورة سريعة هو سبب وفي الوقت نفسه نتيجة لأزمات السندات السيادية في منطقة اليورو، ولمشاكل المالية العامة في بلدان أخرى. وفي النصف الثاني من عام 2011 ازداد الوضع سوءاً في أزمات السندات السيادية في عدد من البلدان الأوروبية، وأدى إلى تفاقم نقاط الضعف في الميزانيات العمومية في البنوك التي تقتني موجودات ذات صلة بالسندات السيادية. وحتى الخطوات الجريئة التي اتخذتها حكومات بلدان منطقة اليورو في سبيل التوصل إلى حل منظم لأزمة السندات السيادية في اليونان، هذه الخطوات ووجهت بجيشان متواصل في الأسواق المالية وتعمُّق المخاوف من وقوع حالات الإعسار في بعض البلدان الكبيرة في منطقة اليورو، وعلى وجه الخصوص في إيطاليا.
ويضيف التقرير ''إن الإجراءات التقشفية التي اتُّخِذت في المالية العامة استجابة للأزمة تعمل بصورة متزايدة على إضعاف آفاق النمو وآفاق التوظيف، على نحو يجعل التعديل في المالية العامة وإصلاح الميزانيات العمومية في القطاع المالي من الأمور الشاقة بالفعل. كذلك يواجه الاقتصاد الأمريكي في الوقت الحاضر نسبة عالية من البطالة، واهتزاز ثقة المستهلكين والشركات، إلى جانب الوضع الهش في القطاع المالي''.
يذكر أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعتبران معاً أكبر اقتصادين في العالم وبينهما علاقات قوية متشابكة وروابط عميقة. ويمكن لمشاكلهما بكل سهولة أن تغذي بعضهما بعضاً، وأن تنتشر لتصبح ركوداً عالميا آخر. أما البلدان النامية، التي تعافت بقوة من الركود العالمي عام 2009، فسيقع عليها الضرر من خلال القنوات التجارية والمالية. كذلك فإن الجيشان المالي الذي جاء في أعقاب المناحرة السياسية في آب (أغسطس) 2011 في الولايات المتحدة بخصوص السقف الأعلى للدين، إلى جانب الوضع المتردي لأزمة السندات السيادية في منطقة اليورو، أدى إلى عمليات بيع مكثفة انتشرت كالعدوى في أسواق الأسهم في عدد من البلدان النامية الكبيرة، ما أدى إلى عمليات سحب مفاجئة لرأس المال والضغط على عملات تلك البلدان.
وتدعو الأمم المتحدة إلى إجراءات قوية في السياسة الاقتصادية، لكن هذه الإجراءات تتعرض للإعاقة بفعل الخلافات السياسية حول كيفية التعامل مع هذه المشاكل، ما يؤدي إلى المزيد من التآكل في الثقة المحطَّمة أصلاً في الشركات والمستهلكين. كذلك تعمل هذه الخلافات على تعقيد جهود التنسيق الدولي في مجال السياسة الاقتصادية والنقدية والمالية العامة. مع ذلك، وحيث إن هذه المشاكل متشابكة فيما بينها بصورة عميقة، فإن السبيل الوحيدة أمام صناع السياسة لإنقاذ الاقتصاد العالمي من الوقوع في حركة لولبية خطرة إلى الأسفل هي في اتخاذ إجراءات منسقة، مع إعطاء الأولوية لبعث الروح في حركة الانتعاش في الناتج والتوظيف على المدى القصير، وذلك بهدف تمهيد المزيد من الطريق أمام تفعيل الإصلاحات الهيكلية اللازمة للنمو المستدام والمتوازن على الأجلين المتوسط والطويل. وتقول الأمم المتحدة ''نحن نفترض أنه ضمن النطاق الزمني لفترة التوقعات، سيتم احتواء أزمة السندات السيادية في أوروبا، وأنه سيتم اتخاذ تدابير مناسبة للحؤول دون وقوع أزمة في السيولة يمكن أن تؤدي إلى حالات من انعدام الملاءة في البنوك الكبيرة أو عودة الانقباض الائتماني. تشتمل هذه الإجراءات على عملية منظمة لإعادة هيكلة الديون اليونانية، ودرجة معينة من إعادة رسملة البنوك، وتعزيز مَرفق الاستقرار المالي الأوروبي على نحو يجعل الأسواق تعتقد وتدرك أن هناك قوة مناسبة تكفي للتعامل مع إمكانية الإعسار من قبل أحد البلدان الأعضاء الكبيرة. وفي رأينا أن البرنامج الذي تم الإعلان عنه في الفترة الأخيرة، والذي تم الاتفاق عليه في مؤتمر قمة زعماء اليورو في تشرين الأول (أكتوبر)، لو أنه طبق بصورة تامة فإنه يغطي، وإن كان ذلك بصورة ناقصة، معظم هذه القضايا''.
ويتابع التقرير'' فضلاً عن ذلك، من المفترض أن الخطط التي أعلِن عنها والتي تهدف إلى تصويب أوضاع المالية العامة وإعادة الهيكلة سيتم تطبيقها في البلدان المتأثرة بالأزمة. وفي الولايات المتحدة، نفترض أن لجنة الكونجرس المكلفة بتخفيض العجز في الميزانية ستتوصل إلى اتفاق حول برنامج لاختصار مبالغ تصل إلى 1.2 تريليون دولار من الإنفاق الحكومي على مدى السنوات العشر المقبلة، وفي حالة عدم التوصل إلى اتفاق، نفترض أنه سيتم التوصل إلى خطة طوارئ لتخفيض العجز في الميزانية بمقدار مماثل لكن على أساس سنوي بمبلغ 120 مليار دولار. بصورة أرحب، نفترض أنه سيتم اتباع الخطط المزمَع تنفيذها في الاقتصاد الكلي في البلدان الرئيسة على المدى القصير (2012 ــــ 2013)، الموجودة كذلك في خطة عمل كان لتحقيق النمو والوظائف، التي تم تبنيها بتاريخ الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) من قبل زعماء بلدان مجموعة العشرين''.
السياسة المالية العالمية
فيما يتعلق بالافتراضات الخاصة بالسياسة المالية العالمية في البلدان الرئيسة، تفترض الأمم المتحدة أن البنك المركزي الأمريكي سيبقي على أسعار الفائدة الرئيسة عند مستواها المتدني الحالي، الذي يقع بين صفر في المائة و0.25 في المائة، حتى نهاية عام 2013. وسيطبق المركزي الأمريكي خطته المعلنة والرامية إلى مبادلة مقتنياته من سندات الخزانة بقيمة 400 مليار دولار على الأجل القصير، سيتم مبادلتها بسندات حكومية طويلة الأجل، وأنه كذلك سيعيد استثمار مقبوضاته من الموجودات التي بلغت تاريخ استحقاقها، وذلك بهدف المحافظة على حجم مقتنياته الحالية من الموجودات. ونفترض أن البنك المركزي الأوروبي سيقرر تخفيض أسعار الفائدة مرة أخرى بنسبة 25 نقطة أساس في قراره حول أسعار الفائدة الرئيسة في نهاية العام الحالي. كذلك من المتوقع أن يستمر المركزي الأوروبي في تقديم السيولة للبنوك خلال عدد من التسهيلات، مثل عمليات إعادة التمويل لشراء سندات سيادية ذات تواريخ استحقاق مختلفة بموجب برنامج أسواق الأوراق المالية. ونفترض أن يحافظ البنك المركزي الياباني على أسعار الفائدة الرئيسة عند 0.05 في المائة وأن يستمر في استخدام ميزانيته العمومية لإدارة السيولة ـــ من خلال برنامج شراء الموجودات ــــ لشراء الموجودات الخطرة، مثل الأوراق التجارية وسندات الشركات، إضافة إلى السندات الحكومية. ونفترض كذلك أن البنك المركزي الصيني سيواصل تعليق التشديد في السياسة النقدية بموجب افتراض مؤقت مفاده أن التضخم في الاقتصاد سيبدأ في الانخفاض. وفي منطقة اليورو، إلى جانب معظم بلدان أوروبا الغربية، نفترض أن الخطط المعلَن عنها والرامية إلى التقشف وتصويب أوضاع المالية العامة سيتم تطبيقها بصورة تامة. ونقدر أن التكاليف التقديرية في الحجم الكلي لخطة إعادة إعمار اليابان في فترة ما بعد الزلزال ستبلغ 19 تريليون ين، أي ما يعادل 4 في المائة من الناتج المحلي الياباني، وسيتم تمويل معظم هذه المبالغ عن طريق زيادة الضرائب. ونتوقع أن تظل الحكومة الصينية نشطة في زيادة الإنفاق على التعليم والرعاية الصحية والبرامج الاجتماعية.
وفيما يتعلق بأسعار الصرف بين العملات الرئيسة، نفترض أن اليورو سيتقلب حول متوسط سنوي يبلغ 1.36 دولار في عام 2012 و2013، ما يعني انخفاضاً مقداره 2.5 في المائة في قيمة العملة عن مستواها في عام 2011. ونفترض أن سعر الين الياباني في مقابل الدولار سيكون في المتوسط 78 يناً خلال بقية فترة التوقعات، ما يشكل ارتفاعاً بنسبة 2.4 في المائة في قيمة الين في عام 2012، مقارنة بمتوسط سعر الصرف في عام 2011. يشار إلى أن سعر الين ارتفع من قبل بنسبة 8.9 في المائة خلال عام 2011. ونفترض أن الرنميبي الصيني سيعادل 6.20 في مقابل الدولار في عام 2012، أي بزيادة مقدارها 3.9 في المائة، و6.02 في عام 2013، أي بزيادة مقدارها 2013 .وبالنسبة لأسعار النفط نتوقع أن يبلغ السعر في المتوسط 100 دولار للبرميل خلال العامين 2012 و2013، بعد أن كان سعره في المتوسط 107 دولارات للبرميل في عام 2011.
توقعات النمو
من المتوقع أن تظل البلدان النامية والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية مستمرة في تحريك عجلة الاقتصاد العالمي، وأن تنمو بمعدل يبلغ في المتوسط 5.6 في المائة في عام 2012 و5.9 في المائة في عام 2013 في التصور الأساسي. وهاتان النسبتان تقعان إلى الأدنى عن معدل 7.5 في المائة الذي تم تحقيقه في عام 2010، حين كان النمو في الناتج قوياً بصورة خاصة في البلدان الرئيسة في آسيا وأمريكا اللاتينية، مثل البرازيل والصين والهند. وحتى في الوقت الذي تتعزز فيه الروابط الاقتصادية بين البلدان النامية، فإنها تظل عرضة للظروف الاقتصادية في البلدان المتقدمة. واعتباراً من الربع الثاني من عام 2011 بدأ النمو الاقتصادي في معظم البلدان النامية بالتراجع بصورة ملحوظة إلى معدل 5.9 في المائة. في البداية كان بعض السبب في ذلك هو التشديد في السياسة الاقتصادية الكلية، في المحاولات التي كانت ترمي إلى كبح فقاعات الموجودات وإلى التضخم المتسارع، الذي اشتعل بدوره بسبب التدفقات الرأسمالية العالية وارتفاع أسعار السلع العالمية. واعتباراً من منتصف عام 2011 تراجع النمو أكثر من ذي قبل بسبب ضعف الطلب الخارجي من البلدان المتقدمة وتراجع أسعار السلع الأساسية وبعض الحركات الخارجة في التدفقات الرأسمالية. وفي حين أن العاملين الأخيرين يبدو أنهما أديا إلى التخفيف من بعض التحديات الماثلة أمام السياسة الاقتصادية الكلية التي كانت موجودة في مرحلة مبكرة من العام الماضي، وسط المزيد من عوامل اللبس والتقلب، إلا أنهما عملا في الواقع على تعقيد الأمور وكانا من العوامل المعيقة للاستثمار والنمو.