ماذا يجب أن يراقب المستثمرون في 2012؟
ماذا يجب أن يراقب المستثمرون في عام 2012؟ ففي الوقت الذي حل فيه العام الجديد، هناك كثير من المشاكل قصيرة الأجل تلوح في الأفق، تراوح بين أزمة منطقة اليورو إلى المأزق المالي في الولايات المتحدة وحالات الجيشان في الشرق الأوسط.
لكن وسط تلك القائمة توجد مسألة أخرى غالبا ما يتم تجاهلها، وإن كان الواجب التوفق عندها والتأمل فيها، وهي ما إذا كان عام 2012 سيُنتج ''انهيارا خاطفا'' آخر، كالذي ضرب سوق الأسهم الأمريكية في السادس من أيار (مايو) عام 2010؟
لنفكر في المسألة لحظة واحدة. فقد مرت 18 شهرًا كاملة منذ تلك الحادثة الغريبة، التي هوت بمؤشر داو جونز 650 نقطة خلال نصف ساعة، وشطبت850 مليار دولار من أسعار الأسهم، قبل أن تتعافى. ومنذ ذلك الحين غابت المسألة وسط الأحداث الدرامية لمنطقة اليورو.
#2#
لكن حتى يومنا هذا، لم يوضح أي شخص بالكامل ماذا حدث فعليًا في السادس من أيار(مايو) من ذلك العام. ولا يوجد أي دليل كذلك على أن المشاكل الجوهرية التي سببت الانهيار الخاطف تم حلها. ومن شأن ذلك أن يترك بعض العلماء يخشون، ليس إمكانية تكرار ذلك الانهيار فحسب، وإنما كذلك احتمال أن يكون في الجولة الثانية أكثر دمارًا. كي نفهم ذلك، دعونا نلقي نظرة على بحث مذهل تم إجراؤه عبر الأطلسي، ونشره بنك التسويات الدولية*. أحد المؤلفين المشاركين في البحث هو ديف كليف، وكان في السابق متداولًا ماليًا، ويدير الآن مشروع أنظمة تكنولوجيا المعلومات المعقد كبير النطاق، التابع لحكومة المملكة المتحدة، وهو مشروع يحاول تحليل مخاطر أنظمة تكنولوجيا المعلومات في قطاعات تشمل الرعاية الصحية، والطاقة النووية، والتمويل. والمؤلفة المشاركة الأخرى هي ليندا نورثروب، وتدير مشروعًا مماثلًا في جامعة كارنيجي ميلون، بدأه الجيش الأمريكي قبل عقد مضى. خلال السنوات الأخيرة استخدم هذان الفريقان الهندسة والمهارات العلمية لتحليل ما أطلقا عليها المخاطر الاجتماعية الفنية، أو المخاطر التي تحدث حينما تنتشر الأنظمة التكنولوجية المعقدة وتولد ''أنظمة من الأنظمة'' لا يفهمها أي شخص. وفي أوائل عام 2010، قبل السادس من أيار (مايو) بكثير، قام الفريقان بنشر تقرير ذكي ومتعمق، تنبأ بأن هناك فشلًا في الأنظمة يلوح في الأفق.
ومنذ ذلك الحين واصل الفريقان أبحاثهما، لكن باستنتاجات متزنة. والملاحظ على وجه الخصوص، هو أن هذين الباحثين يعتقدان أن الانهيار الخاطف لم يكن حادثة منعزلة، بل على النقيض من ذلك، كان متوقعًا تمامًا بالنظر إلى الكيفية التي انتشرت بها أنظمة تكنولوجيا المعلومات لتولد نظامًا من الأنظمة تتفاعل الآن بطرق غير متوقعة، وليس بمقدور المنظمين والمستثمرين أن يفهموها، ناهيك عن السيطرة عليها. وفي العادة، ذلك الخطر ليس واضحًا للمستثمرين. ورغم كل شيء، تعمل الأسواق عمومًا على نحو جيد، وتترك الخبراء الماليين في قبضة ظاهرة أطلقت عليها عالمة الاجتماع، ديان فوغهان ''استواء الانحراف'' (بالاعتماد على عملها على كارثة مكوك الفضاء تشالنجر عام 1987): لأن الناس أبحروا قريبًا من الرياح ونجوا، فإنهم يفترضون أن بإمكانهم الاستمرار في فعل ذلك – ويغمضون أعينهم عن أي شيء يبدو غريبًا بشكل لا يدعو إلى الارتياح.
غير أن المخاطر والأخطاء الوشيكة تزداد مع مرور الوقت. ولنأخذ شهر أيار (مايو) 2010، مثلا. في ذلك الوقت كانت التحركات الجامحة في الأسعار تعتبر صدمة. لكن كليف ونورثروب يعتقدان أن الوضع كان من الممكن أن يكون أسوأ من ذلك بشكل كبير. فلو أن فشل الأنظمة حدث بشكل متأخر قليلًا في ذلك اليوم، ما كانت الفرصة ستسنح للأسعار كي تتعافى قبل إغلاق السوق الأمريكية، الأمر الذي كان من شأنه أن يسبب مذبحة حين تفتح الأسواق الآسيوية والأوروبية. ويقول الباحثان: ''كان السيناريو الحقيقي سيتحقق لو أن الانحدار الهابط 600 نقطة وتخفيض القيمة تريليون دولار حدث مباشرة قبل إغلاق الأسواق الأمريكية. وكان السبب الوحيد لعدم حدوث سلسلة الأحداث هذه هو مجرد التوقيت الموفّق (...) لقد تفادى النظام المالي العالمي رصاصة مباشرة''.
مثل هذا الحظ لا يمكن أن يتكرر. ومنذ السادس من أيار(مايو) حدثت سلسلة من الانهيارات الخاطفة الأخرى الصغيرة للغاية في أسواق السلع. وفي حين يدّعي المنظمون أن وضع حدود على التداول يحل المشكلة، إلا أن هناك دليلًا ضئيلًا على أن هذا سينجح فعليًا، بالنظر إلى نطاق هذا الابتكار التكنولوجي.
هل هناك أي حل؟ كليف ونورثوب يقدمان فكرة واحدة يمكن أن تساعد، وهي أن على المنظمين والمصرفيين تقليد ما فعله بعض العلماء في أماكن أخرى، وتوحيد الجهود لتوليد مراكز للحوسبة عابرة للحدود، وقادرة على المحاكاة المالية المتقدمة للغاية، وكبيرة النطاق. وتتمثل فكرتهما في أن ذلك يحاكي في الأساس ما يتم فعله في علم الأرصاد الجوية، أو الهندسة المعقدة لرسم خريطة للأسواق – وتوليد أنفاق رياح مماثلة، لاختبار المنتجات والأفكار المالية الجديدة والتحذير من أية مشاكل تلوح في الأفق. يبدو الأمر منطقيًا للغاية بالنسبة إليّ شخصيًا. وثمة برنامج واضح لهذه الغاية، إذ تؤسس الولايات المتحدة حاليًا مكتبًا للأبحاث المالية يمكن أن يستضيف مثل تلك الأداة. لكن لا تحبسوا أنفاسكم بانتظار حدوث ذلك قريبًا. وللأسف، مكتب الأبحاث المالية يتخبط في جهوده لتحديد دوره، وما زال معظم المنظمين يفضلون نسيان السادس من أيار(مايو)، بدلًا من الاعتراف علنًا بأنهم يصارعون لفهم الكيفية التي تعمل بها الأسواق المعاصرة فعليًا. وهذا للأسف، من غير المحتمل أن يتغير، ما لم يحدث انهيار خاطف آخر. وهذه فكرة لا تبعث على الراحة، ليس أقله بالنظر إلى ما يحدث في منطقة اليورو.
*The Global Financial Markets: an Ultra Large Scale Perspective, by Dave Cliff and