المورسكيوون
الهدف من هذه المقالة ليس سرداً إضافياً للتاريخ إنما الغرض الاستفادة من التاريخ بمعرفة سننه لنعيش حاضر أقل إرباكاً ونفيضَ على مقاومتنا في الحياة من جمال مقاومتهم عندما نرى (الفعل) و (ردة الفعل).
المورسكيوون هم مسلموا الأندلس الذين عاشوا فيها بعد سقوطها في يد الأسبان عام (897 هـ/1492م) المصطلح أوسع من هذا واختلف في تعريفه الباحثون لكن تم تكريسه لهذا المعنى بعد الإعلان الذي أعلنته السلطات الإسبانية في عام 1502 الذي يخير المسلمين بين اعتناق المسيحية أو النفي من إسبانيا. فالموريسكي تعني المسلم الذي عاش في أسبانيا مظهراً انتماءه للمسيحية ومبطناً انتماءه للإسلام.
بعد توقيع معاهدة غير متكافئة مع أبي عبدالله الصغير - آخر ملوك غرناطة في عام 1492م. وهي معاهدة ضمنت للمسلمين في الأندلس ممارسة حريتهم ولغتهم وشعائرهم الدينية وأنظمتهم وعاداتهم ، باستثناء حمل الذخائر الحربية. نكث الملكان الكاثوليكيان -فرديناند وإيزابللا - بالمعاهدة ونقضا الشروط التي أقسما على تنفيذها.
فعل : بدءَ الملك والملكة في القرن الخامس عشر الميلادي في طرد المسلمين من غرناطة. ونشط ديوان التحقيق أو الديوان المقدس الذي دعمته الكنيسة أيضاً في ارتكاب الفظائع ضد الموريسكيين , وصدرت عشرات القرارات التي تحول بين هؤلاء المسلمين ودينهم ولغتهم وعاداتهم وثقافتهم، فقد أحرقت عشرات الآلاف من كتب الدين والشريعة الإسلامية ولوحقَ المسلمون,وأسيئت معاملتهم وشرِّدَ الكثيرون منهم، وحُظر عليهم كل ما لهم من حقوق بموجب المعاهدة المذكورة.
ردة فعل : حمل المسلمون السلاح في انتفاضات كان من أبرزها انتفاضة البيازين عام 1499م وثورة البشرات عام 1501م.
فعل : جرى إخماد انتفاضتهم بصدور المرسوم 1502 الخاص بتنصير المسلمين يعني نهاية المجتمع الإسلامي في غرناطة وإسبانيا والتحول إلى مجتمع موريسكي. فأضحوا موريسكيين من الناحية القانونية. بمعنى أن إسبانيا قانوناً أصبحت دولة كاثولوكية 100% رغم وجود المسلمين فيها!
ردة فعل : بعد عام 1502م، كان من تبقى من المسلمين الذين غُلبوا على أمرهم ودخلوا النصرانية، مكرهين، يتظاهرون بقبولهم لهذا الدين الجديد، فيترددون على الكنائس والأديرة لكي يشاهدهم الأسبان ويرضوا عنهم,غير أنهم استمروا في ممارسة شعائرهم الدينية سرًا أيام الجمعة،وكانوا يؤدون فرائض الصلاة داخل بيوتهم بحذر شديد،وكانوا يغلقون على أنفسهم بيوتهم أيام الأحد من كل أسبوع، موهمين الطرف الآخر بأنهم يذهبون إلى الكنيسة.
فعل : أصدر فرديناند أمر ملكي عام 1511 يلزم جميع السكان الذي تنصروا حديثًا أن يسلموا سائر الكتب العربية التي لديهم ، ثم تتابعت المراسيم والأوامر الملكية التي منعت التخاطب باللغة العربية. ( 932 هـ/1526م) أول قانون يحرم التخاطب بالعربية على الموريسكيين ، ولكنه لم يطبق بشدة ؛ لأن هؤلاء الموريسكيين دفعوا له (100) ألف دوقة حتى يسمح لهم بالتحدث بالعربية ، ثم أصدر الإمبراطور فيليب الثاني سنة (964 هـ/1566م) قانونًا جديدًا يحرم التخاطب بالعربية ، وطبق بمنتهى الشدة والصرامة ، وفرضت القشتالية كلغة للتخاطب والتعامل.
ردة فعل : اخترع مسلموا الأندلس لغةً جديدة كان من يكتب بها يلاقي الإعدامَ استحقاقاً. لغة المورسكيين كانت تدعى الألخميادو(Aljamiado) أي الأعجمية هي أن تكتب بلغة أهل قشتالة - مدينة في أسبانيا - لكن بحروفٍ عربية علموها لأبنائهم وتناقلوها جيلاً بعد جيل. وقد لبثت زهاء قرنين سراُ مطموراً حتى ظفر بعض العلماء الأسبان بمجموعة من مخطوطاتها فى أوائل القرن التاسع عشر,وعندئذٍ ظهرت عنها المعلومات الأولى. وبذلك استطاعوا أن يحتفظوا بعقيدتهم الإسلامية، وألف بها بعض الفقهاء والعلماء كتبًا عما يجب أن يعتقد المسلم ويفعله حتى يحتفظ بإسلامه ، وشرحوا آيات القرآن باللغة الألخميادية , وكذلك سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان من أشهر كتاب هذه اللغة الفقيه المسمى "فتى أبيرالو" وهو مؤلف لكتب التفسير ، وتلخيص السنة ، ومن الشعراء محمد ربدان الذي نظم كثيرًا من القصائد والأغنيات الدينية.
فعل : بعد وفاة الملك الأب تولى الحكم ابنه فأبدى في بداية حكمه لينا - نسبياً - مع المسلمين , فشكوا له إرغامهم على التنصر وكانوا بهذا كالمستغيثِ من الرمضاءِ بالنارِ. فندب شارل محكمة كبرى من النواب والأحبار والقادة وقضاة التحقيق، لتنظر في شكوى المسلمين ، ولتقرر ما إذا كان التنصير الذي وقع على المسلمين بالإكراه، يعتبر صحيحًا ملزمًا ، بمعنى أنه يحتم عقاب المخالف بالموت.
وقد أصدرت المحكمة قرارها بعد مناقشات طويلة، بأن التنصير الذي وقع على المسلمين صحيح لا تشوبه شائبة ؛ لأن هؤلاء الموريسكيين سارعوا بقبوله اتقاء لما هو شر منه ، فكانوا بذلك أحراراً في قبوله.
وعلى أثر ذلك صدر أمر ملكي بأن يرغم سائر المسلمين الذين تنصروا كرهًا على البقاء في أسبانيا ، باعتبارهم نصارى ، وأن ينصر كل أولادهم ، فإذا ارتدوا عن النصرانية ، قضى عليهم بالموت أو المصادرة ، وقضى الأمر في الوقت نفسه ، بأن تحول جميع المساجد الباقية في الحالة إلى كنائس. وتم إحراق اثنين من المخالفين لهذه القوانين في حفل ديني.
انتهت محاكم التفتيش رسمياً بعد مرور أربعة قرون على سقوط الأندلس ، عندما أرسل نابليون حملته إلى أسبانيا وأصدر مرسوماً سنة 1808 م بإلغاء دواوين التفتيش في المملكة الأسبانية.لكن بعدها استطاع الملك فريديناند السابع أن يستعيد الحكم لذا فقد انتهت فعلياً في عام 1834م.
ردة فعل : انتقاماً من المحاكم العسكرية وقبل أن يستعيد فريديناند السابع السلطة قامت آلاف الحشود الغاضبة من مدريد بقتل 13 راهباً منهم رئيس اليسوعيين المكلف بالتعذيب وكاتم سره.
قال الشاعر مقارناً حكم مسلمي الأندلس بحكم الإسبان :
حكمنا فكان العدل منا سجيّة .. وحكمتم فسال بالدم أبطح
وحسبكُمُ هذا التفاوت بيننا .. وكل إناء بالذي فيه ينضح
كتبتُ المقال في الثاني من يناير 2012 في ذكرى سقوط الأندلس وواقع الربيع العربي.