ما هو طموحك؟
في بداية كل فصل دراسي أسأل الطلاب: ماذا لو كنت سائق تكسي، وركب معك شخص وسألته: إلى أين تريد؟ فقال: لا أدري! فهل ستنزعج؟. يجيب جميعهم بأنهم سينزعجون. فأقول لهم: ولكن معظمنا يعمل مثل هذا الراكب، فنحن لا ندري أين نريد أن نذهب في هذه الحياة! أليس كذلك؟ فيهزون رؤوسهم بالإيجاب. فأقول لهم: حسناً، ربما لم ينبهكم أحدٌ إلى ضرورة تحديد وجهتكم في الحياة. وها أنا ذا، ونحن في اليوم الأول من الدراسة وقبل أن تنشغلوا، سأعطيكم واجباً، لا أريد منكم أن تكتبوه بسرعة، بل فكروا فيه طوال الأسبوع، في ليلكم ونهاركم، بل فليذهب أحدكم إلى شاطئ البحر ويجلس منفرداً متأملاً مفكراً ثم يكتب الواجب، الذي هو ببساطة: ما هو طموحك؟
ثم أوضح لهم بأن مَن مَرّ قبلهم رأوا الأستاذ بلحية بيضاء فكتب بعضهم: طموحي أن أدخل الجنة! نعم إنه طموح، لكن ما هي الخطوات؟ وهل تظنون أن دخول الجنة يكون بالتخلي عن الدنيا؟ وهل مدير الشركة محروم من الجنة؟ أم إنه يستطيع أن يدخل الجنة من أوسع أبوابها إذا أخلص النية وأتقن العمل؟ كيف لا و "التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء" كما جاء في الحديث.
وأطلب منهم ألا يكتبوا الأمور العامة التي يريدها كل الناس، وفي ذهني ما قرأته عن أمريكي سأل شاباً من دول العالم الثالث: ما هو طموحك؟ فأجابه: أريد أن أجد عملاً، وأتزوج، وأشتري داراً. فقال الأمريكي: أنا لا أسألك عن حقك، بل عن طموحك!
ولابد لي من أن أسألهم عن الفرق بين الطموح والحلم، وأجد دوما من يجيبني منهم بأن الطموحات هي أحلام، لكن أصحابها يسعون للوصول إليها، وإلا بقيت أحلاما وأمنيات.
وفي كل مرة هناك من يسألني: ماذا تريدني أن أكتب؟ فأجيب بأني لا أريد شيئا لنفسي، وإنما لكم، وعندما يتحقق طموح أحدكم فلا أدري أأكون فوق الأرض أم تحت أديمها. فمن تذكرني حينها فلن أنال منه بأكثر من دعوة صالحة في ظهر الغيب.
وفي جملة معترضة أقول بأن بعضهم يسرّ إلي بأنهم فعلاً عملوا سائقي تكسي على سيارات والديهم، ربما لتحقيق شيء من الشخصية بإثبات القيام بعمل شاق، أو لإراحة الوالد في يوم من الأيام، أو للتكسب.
ما يكتبونه ينقسم إلى ثلاثة أقسام. قسم لا يخرج عن طموحات ذاك الشاب من العالم الثالث، وقسم معقول الطموح، وقسم ينم عن تفكير عميق لما يحب صاحبه أن يكون. وهؤلاء يذكروني بأصحاب الطموحات الكبيرة الذين سعوا إلى تحقيق طموحاتهم ووصلوا إلى ما خططوا له.
أحد الطلاب مثلاً كان طموحه أن يكون مهندساً ناجحاً، إضافة إلى أن يكون مثل الكابتن الطيار الشيخ العالم الحافظ الدكتور محمد موسى الشريف، والذي له عدة برامج على قنوات التلفاز، وصاحب المؤلفات التي بلغت أكثر من سبعين، منها كتيب "الهمة طريق إلى القمة". وآخر يود أن يكون صاحب مصنع كبير للأجهزة الطبية مستغلاً بذلك تخصصه في الهندسة الطبية، وثالث يطمح بأن يكون مديراً عاماً لإحدى الشركات الكبرى، وقد سمّاها، لكني لن أذكرها خوفاً عليه من مديرها الحالي أن يمنع توظيفه فيها بعد تخرجه.
ولعلي أذكر هنا قصة فرِد سميث مؤسس شركة فيدرال إكسبرس أو فيدكسfedex الذي (عندما كان طالباً في الجامعة) طلب أحد أساتذته منه كتابة طموحه، فكتب عن مشروع لنقل الطرود في وقت قصير لا يتعدى يومين حول العالم. فحكم أستاذه على مشروعه بأنه فكرة ساذجة لن يحتاج إليها أحد، وأعطاه درجة مقبول، واعداً إياه بتحسين درجته إن جاء بفكرة أخرى! فرد عليه الشاب الذي تشبّع بطموحه: احتفظ أنت بدرجتك وسأحتفظ أنا بطموحي.
ثم إنه بدأ مشروعه بمجموعة بسيطة من الطرود، وخسر في بداية المشروع، ولكنه صبر واستمر إلى أن صارت شركته من أكبر الشركات في العالم في هذا المجال. والتاريخ لم يذكر اسم أستاذه، لكن اسم شركته انتشر في كثير من بلدان العالم حيث تجوب طائراتها وشاحناتها الأصقاع.