الابتكار في الطاقة المتجددة كاستراتيجية وطنية

الطاقة المتجددة renewable energy هي عبارة عن الطاقة التي يمكن الحصول عليها من خلال مصادر غير قابلة للنضوب، ومن أمثلتها الطاقة الشمسية، والطاقة والرياح أو جريان مياه الأنهار، فكل هذه مصادر يمكن أن توفر الطاقة والاستفادة منها لا يؤثر في نقص هذه الموارد.
أما رأس المال المغامر venture capital، أو ما يسمى برأس المال المخاطر أو الجريء أو المجازف، هو إحدى أدوات الاستثمار المعروفة، ويقصد به التمويل الذي يستهدف الابتكارات التي لديها فرص كبيرة للنجاح، وفي الوقت نفسه مخاطرة الاستثمار فيها عالية، فهي معرضة بشكل كبير إلى عدم تحقيق نجاح على المستوى التجاري. وهذا المشاريع غالبا نوعية وجديدة وتعتمد بشكل رئيس على الابتكار، فهي تبدأ في الجامعات، أو مراكز البحث، أو تكون أفكار اكتملت لدى بعض المبدعين، وبدأت تظهر في صورتها النهائية.
وكثير من الدراسات تشير إلى أن بعض الابتكارات في التقنية التي طورت كثيرا فيها كان دعمها المالي من خلال رأس المال المغامر، الذي كان جزءا رئيسا في انتشار هذه الشركات وتوسعها. ومن هذه الشركات شركات مثل Google, Youtube, Facebook، وغيرها من الشركات التقنية، وكثير من الأمثلة التي تذكر عند الحديث عن رأس المال المغامر هي شركات تقنية. لكن من المؤكد أن كثيرا من الشركات التي ابتكرت في أي مجال كان وراءها شخص مبدع وجد دعما ماديا وبيئة تشريعية وتنظيمية محفزة أسهمت في نجاح فكرته وابتكاره. فالتركيز على الأمثلة في مجال التقنية لا يعني أنها المجال الذي يوجد به أكثر الفرص.
بالمناسبة انعقد في أسبوع واحد مؤتمر الطاقة المتجددة في 27/3/1433هـ الذي احتضنته جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وملتقى استثمارات رأس المال الجريء في 29/3/1433هـ الذي نظمته الهيئة الإسلامية العالمية للاقتصاد والتمويل، ولعل في هذين الموضوعين عناصر التقاء كبيرة، والمملكة بما تمتلكه من خصائص قد تكون مهيأة لأن يكون لديها تميز في مجال الطاقة المتجددة.
الطاقة المتجددة عندما يقرأ عنها البعض يرى أنها بالنسبة للمملكة تحدٍ وليس فرصة، إذ إننا نعلم جميعا أن المملكة أكثر المستفيدين من النفط وإنتاجه في العالم، فهي تمتلك أكبر مخزون، وهي الأكبر في إنتاج النفط، وتعتمد بشكل رئيس في دخلها القومي على النفط ومشتقاته، فنشاطها في مجال الطاقة المتجددة قد يأتي بأثر سلبي عليها مستقبلا، بسبب أنه قد يؤدي إلى قلة الطلب على النفط. والحقيقة أن هناك أمر مهم يعلمه الجميع وهو أن النفط اليوم أصبح يدخل في جميع تفاصيل احتياجاتنا، بشكل أصبحت فيه أكثر المنتجات تعتمد بشكل رئيس على النفط، ولذلك أصبح النفط اليوم ليس مصدرا للطاقة فقط، بل لكثير من المنتجات، حيث أصبح سببا في انخفاض كبير الأسعار، وتخفيف الضغط على الموارد الطبيعية التي أصبحت تقل وترتفع أسعارها.
يضاف إلى ذلك أن المملكة مهما عملت فلن تستطيع أن تحد من التوجهات لكثير من الدول الصناعية في البحث عن موارد أخرى للطاقة، والتي حقق العالم فيها تقدما خصوصا في مجال الطاقة الشمسية. ولذلك ولتستمر المملكة في المحافظة على مركزها الريادي في مجال الطاقة، من المهم أن يكون هناك عمل على الابتكار في مجال الطاقة المتجددة، ولا ننسى أن النفط مورد قابل للنضوب وحتى لو افترضنا أن ذلك سيكون بعد أمد بعيد فإن من مسؤولياتنا أن نساير ما يحدث في العالم من تطورات، وأن نهيئ حياة أفضل للأجيال المقبلة. ولذلك من المهم العناية بهذا المجال خصوصا أنه وبوجود مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة ـــ الذي أنشئ في عام 1431هـ/ 2010 ــــ فرص كبيرة في هذا المجال، وبما أنها أصبحت استراتيجية وطنية فإنه من المهم تعزيزها في المناهج الدراسية في التعليم من جهة البناء المعرفي واهتمام الطالب بها كمجال واسع للفرص في هذه البلاد، إضافة إلى أهمية تعزيز البرامج العلمية الأكاديمية والابتعاث في مجالات لها ارتباط بالطاقة المتجددة، كما أن رأس المال المغامر شريك رئيس لتعزيز هذا المجال، فدخول الشركات في دعم هذه الابتكار أحد أهم العناصر الرئيسة لتتحول هذه الأفكار إلى منتجات يستفيد منها العالم.
ومن المهم أيضا تهيئة البيئة التشريعية والتنظيمية والقضائية لحماية الابتكارات وتسهيل إجراءات دعمها وإنتاجها. كما أنه من المقترح أن تتبنى مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية مركزا للهواة من المخترعين والمبدعين والمبتكرين يحتوي على المعامل والاحتياجات التي تساعدهم على صناعة ابتكاراتهم.
فالخلاصة أن مجال الطاقة المتجددة أصبح استراتيجية وطنية لتعزيز مركز المملكة الريادي في مجال الطاقة، ويتحقق ذلك من خلال الاستمرار في دعم هذا المجال وتهيئة البيئة المحفزة للابتكار فيه، ورأس المال المغامر قد يكون داعما كبيرا لتحقيق قصص نجاح قد تغير في حياة البشر في مجال استخدام الطاقة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي