فريق دولي يدرس التغيّرات المناخية في مناطق سعودية
كشف لـ ''الاقتصادية'' البروفيسور مايكل بتراليا أستاذ كرسي عصور ما قبل التاريخ وزميل أول في الأبحاث والمدير المشارك لمركز علم الآثار والفن والثقافة في منطقة آسيا التابع لكلية الآثار في جامعة أكسفورد، عن أنهم وجدوا في منطقة جبة في صحراء النفود بقايا بحيرة قديمة، مشيراً إلى أن الأبحاث عن هذا الموضوع بدأت خلال الفترة من 2008 - 2011.
وأوضح بتراليا في حوار مع ''الاقتصادية'' أجرته، أمس الأول، من مقر عمله في لندن، أن الهيئة العامة للسياحة والآثار السعودية منحت جامعة أكسفورد إذناً لمدة خمس سنوات لإجراء دراسات أثرية في المملكة، وكانت أول زيارة ميدانية لفريق البحث العلمي الذي يجري دراسة في شبه الجزيرة العربية عن شبكة قديمة من الأنهار والبحيرات بقيادة البروفيسور بتراليا، في منطقة جُبَّة في صحراء النفود.
وألمح إلى أنه من أهم التحركات المقبلة للفريق البحثي لخدمة قضية المناخ والتغيرات التي شهدتها أحوال الطقس في العالم من تقلبات بين الرطوبة والجفاف، ''سندرس منطقتي الدوادمي في نجد السعودية ووادي فاطمة بالقرب من جدة الساحلية.
في مايلي مزيد من التفاصيل:
كشف لـ «الاقتصادية» البروفيسور مايكل بتراليا الذي يعمل في منصب أستاذ كرسي عصور ما قبل التاريخ، وزميل أول في الأبحاث، والمدير المشارك لمركز علم الآثار والفن والثقافة في منطقة آسيا التابع لكلية الآثار في جامعة أكسفورد، ورئيس فريق البحث العلمي الذي يجري أبحاثا علمية في شبه الجزيرة العربية عن شبكة قديمة من الأنهار والبحيرات؛ عن أنهم وجدوا في منطقة جبة في صحراء النفود بقايا بحيرة قديمة، مشيرا إلى أن الأبحاث عن هذا الموضوع بدأت خلال الفترة من 2008 إلى 2011.
وأوضح في حوار أجرته معه «الاقتصادية» أمس الأول من مقر عمله في لندن، أن الهيئة العامة للسياحة والآثار في السعودية منحت جامعةَ أكسفورد إذناً لمدة خمس سنوات لإجراء دراسات أثرية في المملكة. و«كانت أول زيارة ميدانية لنا إلى منطقة جُبَّة في صحراء النفود».
وتطرق البروفيسور بتراليا في هذا الحوار إلى العديد من النقاط المهمة التي لم ترد في التقرير الذي أصدره فريق البحث عن مهمتهم في صحراء النفود.. فإلى محصلة الحوار:
ما الأسباب الرئيسة التي دفعتكم إلى إجراء بحثكم في هذه المنطقة بالذات؟
حين كنتُ أعمل في معهد سميثسونيان في واشنطن العاصمة، دُعيت إلى السعودية في عام 2001. وأمضيت شهرين أعمل فيهما مع هيئة المتحف الوطني في الرياض بصفتي زميلاً في منحة فولبرايت. كنتُ مهتماً بالسفر إلى السعودية حتى أرى المواقع الأثرية لعصور ما قبل التاريخ، وكنتُ مهتماً كذلك بأنماط الهجرة البشرية في الماضي. وتوفر شبه الجزيرة العربية صلة جغرافية مهمة للغاية بين إفريقيا والهلال الخصيب وجنوب آسيا. لكننا لا نعلم إلا القليل عن السجل المبكر لما قبل التاريخ. وأثناء وجودي في منحة فولبرايت في المملكة، تعلمتُ عدة أمور حول الدراسات وعمليات التنقيب الأثرية التي تم تنفيذها من قبل، وقد قمت بتجميع وتوحيد هذه المعلومات في أبحاث نشرتها في المجلات الأكاديمية المتخصصة.
#2#
#3#
متى بدأ عملكم في هذه المنطقة؟ وما الجهة السعودية التي قمتم بالتنسيق معها في هذا الشأن؟
كانت أبحاثي خلال الفترة من 2008 إلى 2001 تتركز في الدرجة الأولى على ترتيب وتوحيد المقالات والدراسات الأثرية عن المنطقة وفحص السجل مقارنة بالمناطق المحيطة. وفي عام 2009 اقترحت مشروعاً لدراسة بعض المواقع المهمة في العصر الباليوليثي. وقد منحت الهيئة العامة للسياحة والآثار جامعةَ أكسفورد إذناً لمدة خمس سنوات لإجراء دراسات أثرية في المملكة. وكانت أول زيارة ميدانية لنا في منطقة جُبَّه في صحراء النفود.
ما النتائج البحثية التي خرجتم بها منذ البداية؟ وما الخطوة القادمة في مشوار بحثكم في هذه المنطقة؟
في منطقة جُبَّه وجدنا بقايا بحيرة قديمة. وعند دراسة الموقع الذي يعود إلى العصر الباليوليثي، وجدنا مواقع أثرية مدفونة، يعود أحدها إلى العصر الباليوليثي الوسيط. وقد اشتمل الموقع على أساليب متميزة من الأدوات الحجرية واستطعنا تحديد تاريخه، الذي يعود إلى 75 ألف سنة. ونحن نجري الآن أبحاث متابعة حول موقع البحيرة في جُبَّه، وتعرفنا على مواقع أخرى تعود إلى العصر الباليوليثي الوسيط. وهذا دليل على أن البشر الأوائل، الذين كانوا على الأرجح من الصيادين والحصادين، كانوا يعسكرون على شواطئ البحيرة. كذلك استطعنا تجميع بيئة البحيرة، التي أظهرت أن بعض الأشجار والأراضي العشبية كانت موجودة أثناء هذه الفترة الرطبة.
#4#
ترى ما الأسباب التي أدت إلى تجاهل الباحثين هذه المنطقة على الرغم من أنها منطقة حيوية واستراتيجية؟
كثير من علماء الآثار افترضوا أن المواقع الأثرية في البيئات الصحراوية لم تكن محفوظة جيداً، وأنه لم يكن بمقدورها بالتالي أن تفيدنا بالكثير حول الماضي لأنها كانت مندثرة. لكن الأبحاث الأثرية الجديدة تشير إلى أن السعودية تشتمل على مواقع تعود إلى العصر الباليوليثي ويمكنها أن تنبئنا بالكثير حول نشاطات البشر السابقين.
لماذا حددتم التركيز في هذه الدراسة للعصرين البليوسيني والهولوسيني؟
نحن ندرك الآن أننا نستطيع قول الكثير حول العلاقة بين التغيرات المناخية وتاريخ الاحتلال البشري في منطقة شبه الجزيرة العربية، وذلك بفضل العثور على مواقع محفوظة جيداً ورسوبيات عميقة تُظهِر التغيرات في البيئات. ونحن نعتقد أن الفترات الرطبة في الماضي كانت ستكون مثالية للاحتلال البشري. لكن هناك سؤال مهم يتعلق بماذا حدث للبشر حين أصبحت هذه المناطق قاحلة. الأشخاص الذين كانوا يتجولون بحثاُ عن الطعام دون مساعدة الجمال ودون وجود التكنولوجيا اللازمة لحفر آبار المياه العميقة كانوا سيعانون من ظروف شاقة بمجرد أن أصبح المناخ جافاً وقاحلاً. وحين أصبح قاحلاً أكثر من ذي قبل فلا بد أن الناس اضطروا إلى التقلص ضمن بيئة أفضل، أو أنهم ربما هاجروا إلى بيئات وظروف معيشية أفضل.
هل يستمر بحثكم في هذه المنطقة فترة طويلة؟ وكيف يتم تقسيم جدول العمل؟
نحن نعمل الآن في خطة مدتها خمس سنوات لإجراء دراسة جديدة مع الهيئة العامة للسياحة والآثار. وسنعمل معاً كفريق على مدى السنوات الخمس المقبلة، ونأمل أن نقوم بالكثير من الاكتشافات والحقائق العلمية في مختلف أنحاء المملكة. إن خطتنا هي دراسة البحيرات التي تعود إلى العصر الباليوليثي والمواقع الأثرية في مناطق مختلفة، مثل ساحل البحر الأحمر والربع الخالي. إن هذا مشروع قائم على التعاون الدولي وسيشتمل على كثير من الخبراء والعلماء في مختلف التخصصات.
ذكرتكم في التقرير الأخير أن التركيز الرئيس لفريق البحث سيكون بشكل أوسع على شبه الجزيرة العربية، ترى لماذا؟ وهل حددتم مناطق بعينها في السعودية؟
تمثل المملكة بالطبع جزءاً مهماً من الصحراء العربية، وبالتالي فإن معظم عملنا سيتركز ضمن المملكة. لكننا مهتمون كذلك بفهم جميع أجزاء الصحراء العربية والتغيرات البيئية التي حدثت عبر الزمن، وبالتالي فإن هذا المشروع يمكن أن يجعلنا نتوجه إلى مناطق أخرى. بصورة عامة نحن نسعى إلى مقارنة الصحراء العربية بالآثار التي وجدناها في الصحراء الكبرى وفي صحراء ثار في باكستان والهند. وسيجعلنا هذا نتوصل إلى تقدير أفضل لأوجه التشابه والاختلافات بين الصحاري المختلفة في العالم وكيفية استجابة الناس بصورة مختلفة للتغيرات في بيئاتهم.
كيف أثبتم وجود كميات مياه في شبه الجزيرة العربية منذ زمن بعيد وتسببت في هجرة مجموعة بشرية بأنواع مختلفة إلى هذه المنطقة؟
كشفت الصور التي التقطتها وكالة ''ناسا'' و''جوجل إيرث'' عن مجاري أنهار قديمة وبحيرات تعود إلى العصر الباليوليثي. فقد كان في المملكة أنهار وبحيرات نشطة مرات كثيرة في الماضي السحيق. ويغلب على ظننا أن موجات الهجرة البشرية كانت مرتبطة بموارد المياه، وستنبئنا الدراسات الميدانية في المستقبل لهذه المناطق عن الدرجة التي استخدم فيها البشر هذه المناطق.
هل يمكن أن تسمي المناطق التي تم التقاط صور بالأقمار الصناعية لتحديد شبكة المياه الكاملة من وديان الأنهار والبحيرات جغرافيا؟
إن الصور التي التقطتها وكالة ناسا تغطي كامل شبه الجزيرة العربية. وقد ركزنا على مناطق معينة على وجه الخصوص، مثل البحيرة التي تعود إلى العصر الباليوليثي في جُبّة في صحراء النفود. وهناك مثال آخر هو بحيرة مُندفن التي تعود كذلك إلى العصر الباليوليثي في الربع الخالي. بطبيعة الحال كانت الأنهار الكبيرة نشطة عبر شبه الجزيرة العربية في الماضي، وهذا يفسر وجود مواقع أثرية في مناطق صحراوية غير مأهولة في الوقت الحاضر، مثل الربع الخالي.
كيف توضح القصص التي ذكرتها في تقاريركم الأخيرة عن أثر التغييرات المناخية؟
نعتقد أن المناخ تعرض لكثير من التغيرات في الماضي، حيث كان يتقلب بين فترات الرطوبة وفترات الجفاف. ونحن ندرس الآن المليون سنة الماضية من تاريخ الإنسان. وكانت أقدم المواقع الأثرية التي عثرنا عليها، ونقوم الآن بدراستها، عند منطقة الدوادمي ووادي فاطمة، بالقرب من جدة. وحتى في الـ 100 ألف سنة الأخيرة، كانت هناك فترات من التقلب بين الأطوار الرطبة والأطوار الجافة.
كيف عرفتم أن هناك أسماكا تعيش في هذه المنطقة بطول متر واحد؟
هناك تقارير تشير إلى وجود مستحاثات في صحراء النفود، وهي مستحاثات تم استخراجها ودراستها وكتابة أبحاث حولها. كذلك تشتمل مكتشفات المستحاثات على السلاحف والحيوانات الثديية الأخرى، مثل القطعان البرية والفيلة والبقر الوحشي الإفريقي وبعض الحيوانات اللاحمة.
ما الشيء المثير الذي لفتكم من خلال رحلة البحث التي نفذتموها في هذه المنطقة باعتباركم علماء في علم الآثار وذلك من واقع تجربتكم السابقة في هذا المجال؟
إن الوفرة العامة للمواقع الأثرية في السعودية تثير الذهول. كما أن المواقع الأثرية في المملكة هي مواقع من الدرجة الأولى على المستوى العالمي ومهمة للغاية في زيادة معرفتنا عن الماضي. إننا الآن نتفحص جزءاً صغيراً للغاية من محصول وفير للغاية، بمعنى التعرف على المواقع الأثرية المحفوظة جيداً من العصر الباليوليثي في المملكة. إن هذه البلاد تتمتع بنعمة كبرى بالفعل فيما يخص السجل الأثري.
هل بالإمكان أن تساعد رحلة البحث التي قام بها فريقكم إلى المنطقة أن تفتح الباب إلى فرق بحثية أخرى مجالات علمية مثل التنقيب عن البترول أو المعادن؟
إن أكثر الجوانب التطبيقية المثيرة للاهتمام في أبحاثنا هي أن نفهم طبيعة التغير المناخي على مدى فترات طويلة، والاستجابات البشرية لهذا التغير. بطبيعة الحال هذا أمر يهم المنطقة وبقية العالم الأرحب. إن السجل الأثري في المنطقة العربية يمكن أن يعلمنا الكثير حول التغير المناخي ومدى السرعة التي حدثت فيها التغيرات في الماضي. وهذا يمكن أن يعطينا أدلة حيوية في غاية الأهمية من حيث فهمنا للتغيرات المناخية بصورة عامة.
هل تزورون جامعات سعودية أو مراكز بحثية في المنطقة لمناقشتها حول بحثكم عن هذه المنطقة؟
وقعت جامعة أكسفورد اتفاقية مع الهيئة العامة للسياحة والآثار. ونحن نعمل كذلك بالتعاون مع جامعة الملك سعود.
هل قابلتكم ظروف بحثية مشابهة مثل التي تعاملتم بها في الجزيرة العربية في أي منطقة أخرى من مناطق العالم؟
إن شراكتنا مع الهيئة العامة للسياحة والآثار هي تجربة وخبرة إيجابية للغاية. ويعتبر التعاون بيننا مرضياً تماماً وإلى أقصى حد من حيث العمل العلمي المشترك. كما أن العاملين في قسم الآثار هم من المهنيين المتمكنين من عملهم والمخلصين فيه إلى حد كبير. وبالنسبة لي فإن هذه تعتبر تجربة شخصية ماتعة من حيث العمل مع علماء الآثار السعوديين.
أخيرا هل لديكم أي إضافات جديدة عن هذا الموضوع ؟
ترغب جامعة أكسفورد في إنشاء شراكات أخرى وبرامج تعاون مع الزملاء والمؤسسات في المملكة. وإن أحد أهدافنا هو إنشاء برامج تبادل علمي مع زملائنا السعوديين، وأن نعرض فرصاً تعليمية للسعوديين للدراسة في جامعة أكسفورد. ونحن نسعى بصورة نشطة للحصول على مساعدة مالية للبعثات الدراسية في جامعة أكسفورد.
بتراليا .. وضع يده على المواقع الأثرية في خريطة العالم
المطلع على السجل الشخصي والوظيفي والعملي للبروفيسور مايكل بتراليا يؤكد أن هذا العالم استحق لقب البروفيسور بحق وحقيقة، وذلك من واقع رحلات مكوكية للعديد من المواقع الأثرية في مختلف دول العالم، فالرجل تعمق في التعامل مع الصخور والرمال وأنواع التربة الموجودة في الأرض منذ قديم الزمان، فقد وضع يده بحكم طبيعة عمله على أي نقطة أثرية موجودة في خريطة العالم ورفع الكثير من الأحجار من أجل تقديم، بحوث عن الآثار المختلفة في القارة الإفريقية وشبة القارة الهندية وشرق وشمال أمريكا ومكث فترة طويلة في القارة الآسيوية التي كانت نقطة انطلاق له في الصحراء العربية وقدم بحوث عن صحاري أستراليا منذ عام 2008 وحتى الآن.
فالرجل غني عن التعريف إذا ذكرنا أن بتراليا يعمل في منصب أستاذ كرسي عصور ما قبل التاريخ، وزميل أول في الأبحاث، والمدير المشارك لمركز علم الآثار والفن والثقافة في منطقة آسيا، التابع لكلية الآثار في جامعة أكسفورد.
كما أنه زميل أول للأبحاث في كلية ليناكر في جامعة أكسفورد، وعضو في برنامج الأصول البشرية في معهد سميثسونيان في واشنطن.
وكل هذه المناصب التي تنصب في تخصصه تدل على أن لديه مسيرة ومشوار كبير في علوم الآثار وخاصة أنه يتخذ من جامعة أكسفورد العريقة والتاريخية مقرا لعمله.
فالبروفيسور مايكل بتراليا قدم العديد من البحوث وشارك في كثير من ورش العمل التي كانت محل تقدير ونجاح، وخرج منها الباحثون العاملون في تخصص الآثار بنتائج أسهمت كثيرا في مساعدة العلم والعلماء لتطوير علم الآثار.