عندما تنظر للموضوع من الجهة الأخرى
من طرائف القصص الحقيقية التي سمعتها قصة معلم كان ولده في إحدى السنوات طالباً عنده في الفصل، فكان المعلم يطلب من الطلاب أن يشتروا بعض الدفاتر الخاصة وبعض الأدوات التي يحتاجونها للتعلم. وفي البيت يطلب منه ولده أن يشتري له ما طلبه المعلم، فكان صاحبنا يتذمر من تلك الطلبات الكثيرة التي لا تراعي ظروف الناس!
في المدرسة ينظر إلى الموضوع من وجهة نظر معلم، فيطلب ما يراه ضرورياً، أو ما تفرضه إدارة المدرسة، وفي البيت ينظر إلى الموضوع من وجهة نظر أب عليه أن يوزع راتبه على متطلبات الحياة ومتطلبات كل أفراد الأسرة بشكل معقول.
لكن الأغرب منه ما قرأته عن أحد وزراء التعليم الذي استلم وزارةَ المالية بالنيابة لفترة مؤقتة إضافة إلى وزارته، وفي يوم دوامه في وزارة المالية جاءه خطاب من وزارة التعليم بتوقيعه هو يطلب منه زيادة ميزانية بند من البنود، فما كان منه إلا أن رفض الطلب!
في وزارة التعليم نظر إلى الموضوع من زاوية زيادة كفاءة الأداء لتنفيذ العمل على أتم الوجوه، ولكنه في وزارة المالية نظر إليه من زاوية توزيع الأموال على مختلف الوزارات لتقوم كل منها بأعمالها، فرفض الزيادة للتعليم لأنه سيكون على حساب وزارات أخرى.
العامل المشترك بين هاتين القصتين هو الغرابة. لكن الدرس المستنتَج منهما عظيم، وهو أن ثنائي النظرة, وهو مَن ينظر إلى الموضوع من جهته ومن الجهة المقابلة أيضاً يكون أكثر إنصافاً من أحادي النظرة.
أحادي النظرة يظن دوماً أن وجهة نظره هي الصحيحة وأن الآخرين ليس لديهم وجهات نظر، أو أن وجهات نظرهم سخيفة ولا داعي لبحثها. أما ثنائي النظرة فيدرك أن لكل إنسان وجهة نظر، وعندما تختلف وجهة نظره مع وجهة نظر المقابل له، فإنه يؤمن بأن النقاش الهادئ يوصل إلى وجهة نظر مشتركة، والتي قد تكون وجهة نظره هو أو وجهة نظر الآخر، أو قد تكون في الوسط بين الوجهتين.
في حياتنا اليومية ينظر المدرسون إلى الطلاب أنهم مقصرون، في حين يرى الطلاب أن المدرسين لا يقدّرون أن الواجبات أكثر من الأوقات. كذلك هي العلاقة بين سائقي السيارات وشرطي المرور. فهم يرون أن سوء تصرف الشرطي هو سبب الازدحام وتكدس السيارات، بينما يرى الشرطي أن السائقين لا يتقيدون بالأوامر فيسببون الزحام. وما ذاك إلا بسبب أحادية النظرة. ولو نظر كل فريق إلى الموضوع من جهته ثم من الجهة الأخرى لأنصف، وَلَعَلِمَ أن وجهة نظره تمثل جانباً واحداً من الحقيقة، وأن الصورة لا تكتمل إلا بالنظر من كل الجوانب.
بينما كان مدير شركة يقود سيارته إذ بشاحنة متوقفة في الطريق بشكل غير مناسب. فنزل من سيارته مزمجراً وأراد أن يلقن سائق الشاحنة درساً! فلما وصل إليه وجده مستلقياً تحت شاحنته وقد تلوثت يداه وثيابه وهو يحاول إصلاح عطل، كما قرأ على باب الشاحنة "حياتي كلها عذاب". فرثا لحاله ولم يكلمه.
التعاملات الناجحة في الدنيا هي التي توصف بحالة (الكل رابح). ولا تحصل هذه الحالة إلا عندما يدرك كلٌّ من الطرفين وجهة نظر الآخر. في حين أن أحادي النظرة لا يعجبه إلا أن يكون هو الرابح ولا علاقة له بالآخرين.
وأكاد أجزم أن كل الخلافات، بدءاً من الخلافات الأسرية، وانتهاء بالخلافات الدولية، سببها أحادية النظرة. فإذا كان أحد الطرفين يمتلك القوة ولا يقبل أن يعترف بوجهة نظر الطرف الآخر فهل نتوقع أحداثاً غير ما نراه على شاشة التلفاز من قتل ودمار ؟