حان الوقت كي يقيم المثقفون أنديتهم المستقلة
أزمة في النادي الأدبي في جازان، وأزمة في نادي مكة المكرمة، وقبلهما أزمة مماثلة في نادي المنطقة الشرقية. وربما نسمع قريبا عن أزمات في أندية أخرى.
هل يستحق الأمر مناقشة صريحة لدوافع التأزم في الأندية الأدبية؟ هل هو مجرد خلاف شخصي على الرئاسة كما يوحي بعض أطراف النزاع، أم أن ما يظهر على السطح ليس سوى الدمامل الصغيرة التي تشير - دون تصريح - إلى علة تستشري في الداخل؟
الأدب والدولة عالمان مختلفان، هذا هو جوهر المشكلة. أقيمت الأندية الأدبية يوم كان البعض يشعر بحاجة إلى ''رعاية'' الحكومة لكل نشاط أهلي، أو ''رقابة'' الحكومة على كل نشاط أهلي. ولأن الحكومة المخرج والمنتج، فقد تحول النادي إلى ما يشبه هيئة حكومية. وهذا هو المأزق الكبير. الإدارة الحكومية عالم مستقر لا يحتمل التغيير ولا يقبل الجدل. إنه - كما وصفه أحد تلاميذ ماكس فيبر - عالم أوراق، كل جديد فيه مبني على قديم، كل ورقة ترجع بالضرورة إلى ورقة سابقة وكل قرار إلى قرار قبله.
أما عالم الثقافة والفكر والأدب فهو على النقيض، عالم يعيش على الاختلاف والجدل والتغيير الدائم. لا يمكن وضع حدود للفكر لأنه تمظهر للخيال. لو وضعت حدودا للخيال فقد وأدته، ولو قيدته فقد حولته من إنتاج متجدد إلى تكرار لما أنتجه السابقون. الحكومة عالم اتباع، أما الثقافة فهي عالم ابتداع، وشتان بين العالمين.
مع اتساع شريحة المشتغلين بالثقافة والأدب في المملكة، تفاقمت الأزمة. ليس سرا أن الأغلبية الساحقة من مثقفي المملكة ليسوا أعضاء في الأندية الأدبية. وليس سرا أن معظم النتاج الثقافي السعودي يطبع خارج البلاد، وهو يناقش ويثير الاهتمام خارج إطار الأندية الأدبية. وليس سرا أن السنوات الأخيرة شهدت قيام منتديات أهلية تعقد نشاطات تزيد أضعافا مضاعفة عما تقوم به الأندية الأدبية التي تمولها الدولة.
إذا أردنا مناقشة صريحة حول الأزمات المتنقلة بين الأندية الأدبية، فهذا السؤال الأول: لماذا لا يرغب مثقفو البلاد في العمل ضمن هذه الأندية؟ ولماذا لا يشكل نشاط النادي غير جزء هامشي من الحراك الثقافي على المستوى المحلي والوطني؟
أعضاء نادي الشرقية، مثل أعضاء نادي مكة ونادي جازان، يطالبون وزارة الثقافة والإعلام بالتدخل. حسنا، لقد كانت الوزارة المنتج والمخرج طوال السنوات الماضية، فلماذا لم ينجح الفيلم، ولماذا غاب الجمهور؟
جوهر العلة في الأندية الأدبية خضوعها لإشراف دائرة رسمية، ومطالبة الوزارة بالتدخل يشبه قول الشاعر ''وداوني بالتي كانت هي الداء''.
نعرف أنه لا يمكن اختلاق وظيفة رسمية اسمها ''كاتب'' أو ''أديب'' أو ''مفكر'' أو ''ناقد''، كذلك لا يمكن تصنيع حياة فكرية أو أدبية في دائرة رسمية أو تحت إشراف دائرة رسمية.
أعتقد أن الحل الجذري هو تخلي الوزارة عن ولايتها على الأندية والاكتفاء بدور الداعم والحامي. يجب أن يتحول النادي إلى مؤسسة أهلية كاملة. ويجب أن يسمح بفتح أندية مماثلة ومنافسة، سواء قررت الحكومة دعمها أو أعفت نفسها من هذا العبء.
حان الوقت كي يشعر مسؤولو الوزارة بأن حيوية الثقافة في المملكة تتوقف على تحرر المثقفين من وصاية الموظفين. وحان الوقت كي يشعر المثقفون أنهم قادرون على تدبير أمورهم وحل مشكلاتهم ولو بالخروج من هذا النادي وإقامة ناد منافس.