الأرواح والتجنيد الإجباري
تقابل شخصاً لأول مرة فينقبض قلبك من رؤيته وتنفر روحك منه وتشعر بأن المكان يضيق بك وبه رغم اتساعه وتحاول تفسير الأمر فتعجز، وتقابل شخصاً آخر لأول مرة فينشرح قلبك لرؤيته وتقترب روحك منه بسعادة وتشعر أن المكان يتسع لكما رغم ضيقه وتحاول تفسير الأمر فتعجز!
في الرؤية الشرعية يراها لأول مرة، تلك الفتاة الجميلة الخلوقة التي رشحتها له والدته من بين فتيات العالم والتي لو وضعها تحت مجهر البحث عن ''العذاريب'' ما وجد فيها عيباً واحداً ورغم ذلك ينفر منها حين يراها لأول مرة ويرفض الاقتران بها ولو اضطر للبقاء أعزب طوال حياته.. ويحاول تفسير نفوره منها فيعجز!
تفرح والدتها ووالدها وأشقاؤها لأن مثل هذا العريس ''اللقطة'' طرق بابهم خاطباً ابنتهم، فهو شخص ثري من عائلة معروفة وأخلاقه عالية وفوق ذلك يتمتع بوسامة مميزة، وفي موعد ''الشوفة الشرعية'' تراه لأول مرة فينقبض قلبها وتنفر منه روحها وترفضه وقبل أن يطلب منها الأهل سماع رأيها تقسم لهم أيماناً مغلظة أنها لن توافق ولو ظلت طوال عمرها ''عزباء'' من دون زوج.. وتحاول تفسير نفورها منه فتعجز، أما الأهل فيلقون باللائمة على ''العين اللي ما صلت على النبي''.
لكن ما التفسير الحقيقي لهذه الظاهرة التي تشعرك بانجذاب فوري أو نفور فوري لشخص تقابله لأول مرة؟
يقول النبي عليه الصلاة والسلام (الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف).
قال الخطابي في معنى هذا الحديث: يحتمل أن يكون إشارة إلى معنى التشاكل في الخير والشر والصلاح والفساد، وأن الخيّر من الناس يحن إلى شكله، والشرير يميل إلى نظيره، فتعارف الأرواح يقع بحسب الطباع التي جبلت عليها من خير وشر، فإذا اتفقت تعارفت، وإذا اختلفت تناكرت!
وقال الشاعر (شبيه الشيء منجذب إليه)، وفي الأمثال الشعبية ''الطيور على أشباهها تقع''.
لذلك نرى أن الأرواح تقود صاحبها إلى حيث الأرواح التي سيشعر بصحبتها بنوع من الارتياح والتآلف الجميل، فالصالحون يرتاحون لصحبة العلماء والدعاة وحضور ندواتهم وخطبهم ومحاضراتهم وأهل المعاصي يجدون لذة أرواحهم مع الصحبة السيئة، حيث لا حدود أخلاقية ولا دينية ولا خوف وخشية من الله تردعهم، لذلك تضيق أرواح أهل المعاصي عند تواجد أرواح أهل الإيمان بالقرب منهم!
والطغاة أيضا لا ترتاح أرواحهم للناصحين الصادقين الذين يبينون لهم فداحة الظلم الممارس منهم ضد شعوبهم بقدر ما يرتاحون لبطانة السوء التي تزين لهم سوء أعمالهم، ولذلك كان أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ..!
ولشدة التأثير الذي قد يتولد عند النظر لأول مرة للزوجة فقد قال ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ: ''هلا نظرت إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما''.
إذن حين تود روحك أن تخبرك بأمر ما نحو شخص تقابله لأول مرة فأنصت إليها واتبع حدسها فإنما هي مثل الجندي الذي لا يرتاح إلا في كتيبته المناسبة.. ومهما حاولت إجبارها على التآلف مع شخص تنفر منه فإن محاولاتك ستذهب سدى لأنك مثل الذي يضع سرجا فوق ظهر نمر ويحلم بترويضه..!
فلا ترهق روحك بصحبة مَن لا تهواه ولا ترتاح له حتى لا تعيش صراعاً أنت في غنى عنه!
وقد قيل قديما ''كل كرهاً واشرب كرهاً ولا تعاشر كرهاً''.