معالم الإسفاف في إعلام أبلة عفاف
أبدأ باقتباس من مقالة كتبها أحمد خالد توفيق بعنوان: "أقوى إعلامي في مصر" يقول فيها: في المدرسة الابتدائية، وفي العصر الذي كانت المعلمة فيه تدعى (أبلة) قبل أن تتحول إلى (ميس)، كانت هناك معلمة أقرب إلى الشراسة اسمها عفاف. كانت أبلة عفاف تغضب وتضرب أولاً ثم تفكر بعد ذلك. وكانت لها سياسة ثابتة في العقاب: "الضربة اللي ما تطرقعش ما تحسبش".
وفي ذلك اليوم الأسود انهالت ضربا بالمسطرة على طفلة في الصف الثاني، وكانت النتيجة أنها هوت على وجه الطفلة بطريق الخطأ فأحدثت جرحا مخيفا جوار العين. أصيبت بهلع طبعاً لكنها حاولت التماسك. راحت تربت على رأس الطفلة الباكية الدامية وتقول لها: "هذه غلطتك يا حبيبتي!.. أنتِ جريتِ فتعثرتِ واصطدم وجهك بحافة السلم الحادة!". هكذا راحت تعيد القصة على الطفلة مراراً. وفي النهاية حدث شيء غريب.
لم تعد الطفلة واثقة مما حدث فعلاً! حقيقة أن المعلمة مزقت وجهها قد ذابت وسط فوضى من الذكريات المختلقة، والأغرب أن هذا حدث لنا كذلك نحن الأطفال شهود القصة، والأغرب والأغرب أن المعلمة بدأت بعد قليل تعتقد أن هذا ما حدث فعلا! لقد كوّنت ذاكرة زائفة! الخلاصة أن الطفلة لما ذهبوا بها إلى مكتب ناظرة المدرسة لعمل الإسعافات الأولية واستدعاء أهلها، لم تكن تعرف سوى أنها ارتكبت خطأ جسيماً. وبالفعل تلقت الكثير من اللوم على عدم حرصها.
تذكرت هذه القصة بشدة وأنا أرى وسائل الإعلام تمارس ذات اللعبة على نطاق واسع هذه الأيام. (انتهى الاقتباس).
نعم وأنا عندما قرأت ذلك أخذت أقارن بين إعلام أبلة عفاف وبين الرئيس العربي الذي يخرج علينا بين الفينة والأخرى ليقول إن نظامه مستهدف لأنه نظام "ممانعة ومقاومة"، ولأنه الوحيد الذي يتصدى للإمبريالية والصهيونية! ويصر على أن القتل والدمار في بلده تقوم به العصابات المسلحة. ويحاول – مثل أبلة عفاف – أن يقنعنا بأن الناس الذين يخرجون في المظاهرات يتقاضون ما يعادل عشرين دولاراً! لكنه لم يوضح لنا لماذا تقتل العصابات المسلحة أفراد الشعب الأعزل المسكين، دون الموالين للنظام! ولماذا يعرِّض الإنسان نفسه للقتل من أجل عشرين دولاراً؟
وإعلام أبلة عفاف تم توسيعه إلى الخارج، فمنذ أربعة أشهر نشرت مجلة "فوغ" الشهيرة مقالة وصفت فيها زوجة الرئيس بأنها "وردة في الصحراء"، وكالت لها الكثير من المديح، وأنها من أكثر السيدات اللواتي يتمتعن بهذا اللقب جاذبية ونضارة، وأنها تمشي واثقة الخطوات ببريق من نعلها الأحمر!
وكيف لا يكون نعلها كذلك وقيمته تعادل قيمة عشرين طناً من القمح؟ وهو من أحذية كريستيان لوبوتان، مصمم الأحذية الشهير لدى الفنانات ونساء المجتمع المخملي! لكن في لحظة من استيقاظ الضمير تراجعت آنا وينتور رئيسة تحرير مجلة "فوغ" عن وصفها! وذلك تعبيراً عن استنكارها للأحداث دموية في بلد وردة الصحراء. وأكثر من ذلك فقد تبين أن مقالة المديح المذكورة جاءت في إطار حملة إعلامية مدفوعة الأجر تهدف إلى تحسين صورة الرئيس ونظامه والمقربين منه، وأنه تم عبر شركة علاقات عامة متخصصة في مجال الحملات الدعائية.
وفي آخر ظهور له قال الرئيس لقناة ألمانية: ما حصل للقذافي إجرام وحشي savage إذ مهما فعل القذافي فلا يمكن قبول ما حصل له، ليوحي للسامع بأن المجازر التي تقوم بها قواته ضد النساء والأطفال والشعب الأعزل ليست إجراماً وحشياً!
وتبياناً للحق فإن إعلام أبلة عفاف ليس من اختراعه، فقد خطب أبوه في قمة أحداث ثمانينيات القرن الماضي، واصفاً دولته بدولة "الصمود والتصدي"! ثم راح يرسم صورة بديعة عنها وكأنه كان يصف إحدى الدول المتقدمة، فقد عم الرخاء والعيش الرغيد، ونال الناس حقوقهم وحريتهم! محاولاً بذلك خداع مَن لا يعلم بوجود المعتقَلات التي لم يكن فيها موطئ قَدم إلا وفيه سجين! وبالطبع لم يتطرق لذكر المجازر البشعة التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من الناس! ومن حسن حظه أن وسائل البث والاتصال في زمنه لم تكن قد تطورت لتنقل صور تلك المجازر حيّة لأصقاع الأرض كما يجري الآن.
إعلام أبلة عفاف يقنعك بأسلوب إيحائي بأن رجلا أبكم قال لرجل أصم إن رجلا أعمى رأى رجلا مشلولا يجري وراء رجل مقطوع اليدين يشد شعر رجل أصلع فيصرخ هذا من شدة الألم.