الطائفية ظاهرة سياسية معاكسة للدين
يبدو حتى الآن أن أشقاءنا المصريين نجحوا في تخفيف القلق من مخاطر المشكل الطائفي، بعدما بدا – خلال أيام الثورة – قريبا من لحظة الانفجار.
معظم البلدان العربية تواجه مشكلا طائفيا كالذي واجهه المصريون. وأتمنى بكل صدق أن يأخذ هذا الملف حظه من الاهتمام قبل أن يصبح معضلة مستحيلة. أتمنى أن يدرك إخوتنا في سورية أن المشكل الطائفي أخطر ما يهدد فرصتهم في إقامة ''سورية الجديدة''.
لا يهتم العالم بدين الشخص الذي سيحكم دمشق أو طائفته، يهم الولايات المتحدة ألا ينفرط عقد الدولة السورية فتصبح بعض أراضيها ''وزيرستان'' أخرى، تأوي مجموعات شبيهة بطالبان أو القاعدة. وهي بالتأكيد تخشى أن يتمدد الانفراط لو حدث - لا سمح الله - إلى الأردن والعراق. تركيا هي الأخرى تخشى من قيام ''كردستان سورية''، على غرار كردستان العراق. يعتقد الأتراك أن قيام فيدرالية كردية في سورية سيفجر المشكلة الكردية في الأناضول بعدما هدأت قليلا في السنوات الأخيرة.
إني واثق بوعي قادة الثورة السورية - بعضهم على الأقل - بهذا المشكل. قدم الدكتور برهان غليون معالجات تحليلية متقدمة تنبئ عن إدراك عميق لجذور المسألة الطائفية في العالم العربي، ولا سيما في بلد مثل سورية. كنت أتمنى أن يبقى زعيما للمعارضة، لأن كتاباته تنبئ عن استعداد ذهني وروحي للتعاطي مع الجميع بمنطق الشراكة في تراب الوطن وليس منطق حكم الأكثرية أو الأقلية.
عرف الدكتور غليون الطائفية السياسية بأنها استعمال الإجماع الديني الخاص بشريحة من المجتمع أرضية للولاء السياسي. هذا ينتج نظاما لتوزيع المنافع يحابي هذه الشريحة على بقية المجتمع، انطلاقا من كونها أصفى ولاء، نظام يحول العصبية الدينية أو القبلية أو القومية إلى عصبية اجتماعية - سياسية.
يرى غليون أن الدين بذاته ليس منتجا للطائفية، على العكس، فإن الروح الطائفية تعاكس الإيمان. يوظف الدين الثروة والسلطة لتدعيم الرابطة الإنسانية والتكافل بين الأفراد، بينما تستثمر الطائفية الروابط الاجتماعية والرأسمال الروحي للمجتمع في تعزيز احتكار السلطة والثروة.
الطائفية إذن ظاهرة سياسية في الجوهر، ولا علاقة لها بالتمايز الديني أو الثقافي أو العرقي، إلا كعلاقة النار بالحطب، ندرك أن الحطب ليس سبب الحريق، رغم أن الحريق لا يشتعل من دونه. تنشط الطائفية في الحياة العامة حين تقوم فئة اجتماعية بتحويل الاختلافات الطبيعية بين الناس إلى خطوط فصل، تميز من يعتبر حسنا عمن يعتبر سيئا، من يعتبر مواليا ومن يعتبر معاديا، من يستحق الشراكة في المنافع العامة ومن يحرم منها.
الطائفية ليست ظاهرة عرضية أو بسيطة العلاج، لكنها أيضا ليست من المستحيلات. تركها تتفشى هو الذي يجعل علاجها موجعا وعسيرا .. ما لم يعالج المشكل الطائفي من جذوره فسيبقى العدل حلما مستحيلا أو مؤجلا.