عندما تذهب المليارات لغير مستحقيها
مَن يصدق: السعودية تقدم دعماً لكل عامل أجنبي بقيمة 5950 ريالاً كل عام، نعم 47 مليار ريال تقتطع من ميزانية الدولة واحتياطي الأجيال وتقدم على طبق من ذهب، فإذا أضفنا 116 مليار ريال أخرى تقدم كدعم لـ 18 مليون مواطن سعودي، فقرائهم وأغنيائهم، محدودي الدخل ومتوسطيه وأثريائهم، جزمنا أن طريقة الدعم التي تتبعها الحكومة لا تؤدي الغرض منها، بل تتوزع عليهم بالتساوي، المحتاج منهم وغير المحتاج، المواطن وغير المواطن، كلهم في كفة واحدة، ناهيك عن عمليات تهريب الوقود والديزل للدول المجاورة وبيعها هناك بأسعار أعلى بكثير.
بحسب تقرير دعم الطاقة الصادر من الأمم المتحدة، فإن السعودية تدعم الطاقة (الكهرباء والوقود) بـ 163 مليار ريال سنويا، وهو ما يشكل نحو عُشر الناتج القومي، وهذه النسبة هي أعلى النسب على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، فهناك 30.57 مليار دولار توجه لدعم الوقود، و12.95 مليار دولار أخرى للكهرباء، ولا ننسى تقرير ''تشاتم هاوس'' المعنون بـ ''حرق النفط لتبريد الأجواء''، الذي قال إن استهلاك الطاقة سيتضاعف خلال عشر سنوات، وهو ما يعني أن الدعم الحكومي لغير مستحقيه يرتفع عاما بعد الآخر. كل هذا يدفع نحو تغيير سياسة الدعم الحالية التي لا تفرق بين مَن دخله الشهري مليون ريال أو 100 ألف أو خمسة آلاف، واستبدالها بالدعم الذكي الذي يوجه لمستحقيه الحقيقيين، كما تفعل دول كثيرة في العالم، فيبقى الدعم يؤدي الغرض منه للمواطنين المستحقين فعلاً، ويرفع عن غيرهم، سواء ثمانية ملايين عامل أجنبي ينعمون بدعم حكومي لا مثيل له، أو حتى مواطنين هم في الحقيقة لا يستحقونه على الإطلاق.
النفط سلعة ناضبة، والأجيال القادمة لها حق في الحفاظ على هذه النعمة التي أنعم الله بها علينا، وكل قطرة نفط تذهب في غير مكانها الصحيح جناية ترتكب في حق الوطن .. تقنين الدعم هو الحل. دعم الطاقة بهذه الطريقة التقليدية له تأثير سلبي بالغ الخطورة في الاقتصاد، فنحو 40 في المائة من الدعم يوجه لغير السعوديين، وما لا يقل عن 30 في المائة أخرى تقدم للسعوديين غير المستحقين، ما يعني أن 30 في المائة على الأكثر من المواطنين هم المستحقون الحقيقيون للدعم، لذا على الحكومة تحديد حجم التكلفة المالية للدعم المباشر وغير المباشر، ومن ثم تقرّ رفع الدعم عن غير مستحقيه، وتوجّه الفائض من تلك المبالغ لرفع مستوى دخل المواطنين من ذوي الدخل المحدود، وهو ما يقلص الفجوة بين شرائح المجتمع المختلفة ويوسع من شريحة الطبقة المتوسطة، ويقلل الهدر الكبير في دعم الطاقة الذي لا يعود بأي قيمة مضافة على الاقتصاد الوطني.
الدعم أسوأ وسيلة لإفساد عادات الشعوب وتحويلها لنمط استهلاكي، كما أن الأخطر هو دعم الاستهلاك ذاته، بمعنى أنه كلما زاد الاستهلاك زاد الدعم دون أن يكون هناك حد أعلى، أما وهناك شريحة واسعة من المواطنين لا يمكن لدخلها أن يتوافق مع أسعار الكهرباء والوقود في حال تم تحريرهما، فلا أقل من تقنين الدعم وزيادته للشريحة الحقيقية، وأن تضمن الحكومة وصول الدعم للمستحق الفعلي من المواطنين.