القطيف.. العقلاء حاضرون

حتى لو رآها البعض بأنها خطوة تأخرت بعض الشيء، فإن البيان الذي أصدره سبعة من كبار علماء القطيف، ونشرته ''الاقتصادية'' على صدر صفحتها الأولى أمس، يدينون فيه أعمال العنف على الممتلكات العامة والخاصة، يسجل نقطة تحول في التعاطي مع أعمال الشغب التي تشهدها القطيف وما حولها. فالبيان، وهذا ما طالبنا به طويلا. فصل بين أهل القطيف الشرفاء وبين المجرمين الذين طغوا وتكبروا. لقد قالها البيان بكل وضوح: هؤلاء لا يمثلوننا ولا نتشرف بهم، أليس هم الذين يقومون بأعظم المحرمات التي شدد عليها الإسلام؟!
فعلاً، وكما جاء في البيان، على الجميع من أبناء هذا الوطن الوقوف بحزم ضد العنف بجميع أشكاله واستنكار الاعتداءات ''التي تطول الأنفس والممتلكات والمؤسسات العامة''، كما أن استهداف هؤلاء المجرمين للممتلكات العامة والخاصة وإطلاق النار على رجال الأمن هو أمر لا يقره لا شرع ولا دين، وكان البيان حاسما أيضا وهو يدين بشكل صريح ''كل مظهر للعنف أو استخدامه في التعديات على المصالح العامة والخاصة أو استخدامه ضد أي جهة رسمية، ونعتبر أي ممارسة من هذا القبيل مخالفة شرعية، وإضرارا بمصالح المجتمع والوطن''. نعم هكذا يجب أن تكون البراءة من المشاغبين المجرمين أعداء الوطن بشكل واضح، دون مواربة أو تحميل هذه الأعمال الإجرامية ما لا يحتمل من مزاعم حول المطالبة بحقوق أو غيرها، وهو ما يسعى البعض من الموتورين، داخل السعودية وخارجها، للاستفادة منه في مآرب أخرى.
السنة والشيعة يعيشون في هذا البلد الآمن منذ مئات السنين، ولا جدال أن هناك بيننا من يريد أن يستغل الطائفية البغضاء، التي لا ينكر وجود شيء منها أحد، وهنا يأتي دور العقلاء لإعادة من يخرج عن الجادة للطريق الصحيح. وهنا يقول البيان ''إننا نعيش في دولة ذات طوائف متعددة وننعم بأمن وأمان أرسى دعائمهما قادة هذه البلاد''، وفي هذا القول الصريح براءة لكل من يزعم أن هناك تمييزا رسميا ضد أي فئة أو طائفة من مكونات الوطن. بالطبع لن نقول إن هذا البيان سيوقف أعمال الشغب التي تحدث بين الفينة والأخرى، لكنه سيقطع الطريق على من يخلط بين أبناء القطيف جميعاً، ويضعهم في سلة واحدة مع المجرمين المخربين. الأمر واضح لا لبس فيه، هناك مجرمون لهم أجندات ضد الوطن وأهله، مقابل غالبية هم أكثر المتضررين من عمليات إجرامية قام بها بعض من أبنائهم.
أن يخرج بعض جهال القطيف ليحرقوا ويقتلوا ويعيثوا في الأرض فسادا ويخونوا وطنهم فهذا أمر، وأن يكون لهم غطاء شرعي فهذا أمر آخر. ما دامت البراءة حدثت من عقلاء القطيف الذين كنا نبحث عنهم وننتظر طويلا منهم هذا الموقف، انطلاقا من ''مسؤوليتهم الشرعية وواجبهم الوطني''، كما جاء في البيان، فلا أقل من موقف سعودي جامع يشخص المشكلة ويؤطرها في حدودها دون تحميل طائفة كريمة وزر مجرمين تخلو عن أهلهم ووطنهم وارتهنوا لأجندات ستنجلي سريعا وسيبقون مكشوفين في العراء، عندها لن يجدوا إلا وطنهم يحتويهم، كما فعلها مع غيرهم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي